يستيقظون منذ الصباح الباكر مرتدين ثيابهم وسط فرحة أُسرهم بثالث أيام عيد الفطر، تاركين تلك السعادة بمشاعر الرضا داخل القلوب لتنفيذ دورهم الفعّال الذي اعتادوا عليه في تلك المناسبات، في أيديهم حقيبة بها أدوات العمل شريكة الحياة معهم، يتجولون بشوارع الجيزة للاطمئنان على حالتها من المخلفات، عملهم لا يختلف كثيرًا عن تضحية عامل النظافة بفرحة العيد لأدائه الخدمة المجتمعية، يعانون نظرة المجتمع لهم أثناء سيرهم في الشوارع، حيث تسقط عليهم نظرات قاسية تكاد تكون خارجة على قاموس الآدمية والتقدير، "إهانة واستحقار وتقليل" جميعها تشبيهات أقرب إلى نظرة هؤلاء الأفراد لكيانهم، أثناء عملهم أسفل حرارة الشمس وفي أحضان "الصراصير وريحة المجاري"، هكذا نتحدث عن الفئات المهمَّشة التي لها دور لا يمكن الاستغناء عنه نهائيًّا داخل المجتمع، خاصة في المناسبات التي تعلن فيها الإجازات الرسمية للموظفين، لكن هؤلاء يشاركون فرحة العيد مع مهنتهم، منهم من تمنعه القمامة من قضاء العطلة مع الأهل، وآخرون يغطسون داخل "البلاعات" لمشاركة الصرصار فرحة العيد، دورهم يتمثل في حماية المجتمع من الأمراض لكن لم يقابلوا تلك التضحية بمقابل، سواء معنويًّا من أفراد الشعب، أو ماديًّا من المسئولين. وخلال جولتنا في ثالث أيام عيد الفطر، بمنطقة الدقي في محافظة الجيزة، تحدثنا مع أحمد صلاح، عامل صرف صحي، يبلغ من العمر قرابة ال40 عامًا، يرتدي ملابس متسخة ويغطس أسفل البلوعة متحديًا الرائحة الكريهة التي تخرج منها والحشرات؛ بهدف إتقان عمله الذي اعتاد عليه طوال العمر، يحمل في يديه أسفل البلوعة "الجردل والجاروف" يزيل بهما كل "الرواسب "الناتجة عن مخلفات المحالّ والبيوت، يتحمل كل ذلك لأجل خدمة وطنه. يقول "صلاح": أتولى نظافة حي العجوزة والدقي بشكل دائم يصل ليومين أو ثلاثة في الأسبوع الواحد؛ بهدف إضفاء المظهر الحضاري لشوارع الحي، مردفًا: "الشغل عمره ما كان عيب.. وأنا فخور جدًّا بيها قصاد ولادي"، مشيرًا إلى أن أبرز الصعوبات التي يتعرض لها تكمن فى التصدي لها وهي "ريحة المجاري والصراصير"، لكنه عانى من الرواسب التي وصفها ب"الحشرة الضارّة" التي تأكل في الجسم. وأضاف عامل الصرف الصحي أنه حال انتهاء عملية التطهير وإزالة الشوائب والملوثات والرواسب من البلوعة، لا بد من تغيير الملابس على الفور؛ لأنها تعود بالضرر على الجسد حال بقائها، قائلًا: "الرواسب بتفضل تاكل في الجسم وده غلط علينا.. ولازم يكون معانا مرهم مخصَّص للحالات دي، عشان المجاري خطر علينا"، لافتًا إلى أنه يطمئن حال وجود عدد كبير من الصراصير داخل البلوعة لإمكانيتها التنفس مثله، مردفًا: لو فيه صرصار فى البلاعة يبقى ريحة المجارى معقولة.. ونقدر ننزل فيها، غير إن حياتنا زيهم". وأشار صلاح إلى أن تلك المهنة لها دور فعال في المجتمع؛ لأهميتها في تطهير البلاد وحماية المواطن من الأمراض، واصفًا تلك المهنة بالخدمة العامة التى يجب القيام بها لأجل الارتقاء بالوطن، قائلًا: "من غيرها المجتمع هيتحول لخرابة.. ولو بلاعة الشارع العمومى اتسدت هنلاقى البيوت متبهدلة". وتابع: "ولادي فخورين بيا وبشغلانتي وأنا راضى عنها ومش هسيبها غير لما أموت"، معربًا عن غضبه الشديد من نظرات بعض أفراد المجتمع التي يبدو عليها ملامح الإهانة له، خاصة أنه يتعرض لكثير من التعليقات أثناء عمله في الشوارع، منها: "ابعد عننا شوية وإنت شغال عشان ريحتك تقرف.. إنت شغلنتك تنضفنا ويا ريت تنضف نفسك بالمرة"، لكنه لم يلتفت لتلك الإهانات- على حد قوله، قائلًا في نبرة حزن تكاد تصل إلى البكاء: "إحنا اللي بنضفكم.. وثوابنا عند ربنا".