روى الكاتب سمير الفيل القصة الكاملة لوفاة المترجم الكبير طلعت الشايب أثناء مشاركته في ندوة بصالون «التورجي» الثقافي بمدينة دمياط الجديدة، حيث داهمته أزمة قلبية مفاجئة نُقل على أثرها إلى أحد المستشفيات غير أنه فارق الحياة قبل وصوله للمستشفى. وكتب الفيل الرواية كاملة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" قائلا: "كنتُ أول من حضر الندوة التي تُعقد في مدينة دمياط الجديدة، مساء أمس الجمعة 31 مارس 2017، حوالي الساعة السابعة وعشر دقائق، وقابلني في منتصف الطريق القاص الدكتور فادي طرابولي. صعدنا سويًّا إلى مقر الندوة التي تحيطه مكتبة عامرة بالكتب، وخريطة العالم، ولوحات عدد من الفنانين التشكيليين المصريين والعرب والعالميين. عانقني الأستاذ طلعت الشايب: إزيك يا سمير. الله يسلمك. فين آخِر مجموعاتك؟ أنا جاي من الإسكندرية وكل ما معي نفد. نتقابل إن شاء الله مرة تانية وأهديك مجموعاتي الثلاث الأخيرة. خلاص. اتفقنا. عرّفته بالدكتور فادي طرابولي، وذكرت له اسم روايته، وعرفته أنه سارد مجتهد وقد أصدر عمله منذ حوالي عام. سألني الأستاذ محمد التوارجي: أول مرة تحضر بدري. قلت له: كنت في مكتبة الإسكندرية وخفت أن أتأخر لو ذهبت لبيتي في دمياط القديمة، فأوصلني القاص محمد سامي البوهي إلى المنزل وانصرف. يعني عايز تتغدى؟ لأ. كفاية شاي. على العموم لو عايز تتغدى فيه مطعم أول الناصية. نخلّيها مرة تانية. ضحك الأستاذ طلعت لهذا الحوار الدمياطي المشاكس. بدأ توافد أعضاء الصالون، والتقط لنا تلميذه الأستاذ وليد عبدالعزيز عدة صور. قال لي وليد أنا قابلتك من حوالي 10 سنين في مؤتمر ادبي بالزقازيق كان رئيسه الدكتور عبدالحكيم راضي أستاذ البلاغة. أنا فعلًا حضرت هذا المؤتمر، ملامحك مش غريبة علي. قدم الأستاذ محمد التوارجي المتحدث الرئيسي للصالون تقديمًا مستفيضًا معرِّفًا بفضله وترجماته العديدة. جلس الأستاذ طلعت الشايب على مقعد المُحاضِر وبدأ في الحديث عن مفهوم الترجمة بشكل سهل وسلس ثم تحدَّث عن تعليمه في المنوفية والتحاقه بجامعة الإسكندرية ومكتبة والده التي احتوت على كتب عظيمة، وتحدَّث عن معلِّم المدرسة الابتدائية الذي كان يملأ جنبات مصر ثقافة ومعرفة ونورًا، وتحدَّث عن التحاقه بالجيش واختياره مع حوالي 40 خريجًا متميزًا من كليات الآداب والألسن ليتعلموا الروسية في 8 شهور، وقد كان مقررًا له السفر إلى موسكو لتحسين اللغة، غير أن وزير الحربية محمد فوزي ألغى قرار السفر لأنهم تقدموا في دراستهم. وتناول أسماء القواد المصريين والروس الذين عمل معهم، وذكر بالتحديد قيادات سلاح المدرعات، ومنها أعظم قادة الجيش.. أثناء ذلك شعر بألم فقال: "أنا حاسس بشوية تعب". أمسك صدره لثوان ثم كان الذهول. كان يوجد بالندوة ثلاثة أطباء كبار، هم: الدكتور عيد صالح والدكتور ماهر القشاوي والدكتور أسامة خضر. على مدار عشر دقائق قاموا بعمليات الإسعافات الأولية ريثما يأتي الإسعاف. نقله الإسعاف إلى مستشفى "دار الحياة" وبدأ طبيبان وثلاث ممرضات محاولة إسعافه، ولكن بعد جهود استمرت حوالي 15 دقيقة فارق الحياة. اتصلتُ بعدد من الأصدقاء لأبلّغهم بالخبر: عزت القمحاوي، سيد محمود، وحيد الطويلة، شعبان يوسف، سيد الوكيل.. فالراحل مثقف مصري كبير وعطاؤه وفير.. اتصل الأستاذ وليد عبدالعزيز بابن شقيقه الأستاذ مرسي الشايب، كما اتصل بابنته الأستاذة منى.. وكان السؤال: هل تتحرك السيارة على المنوفية أم إلى القاهرة؟ جاء القرار بالتحرك إلى مدينة نصر، وبعد الحصول على الأوراق الرسمية صعد شادي التوارجي ووليد عبدالعزيز وأشرف سعد علوش وعدد من شباب الندوة لمرافقة الجثمان. وداعًا المترجم العظيم والإنسان النادر طلعت الشايب.. ما زالت الجملة التي نطقتَ بها تحوم في المكان: أنا لسه عندي أمل في مصر.. ونحن معك في ذلك. منحتنا معنى جديدًا لأن يعمل المثقف في محيطه الاجتماعي حتى آخِر لحظة من عمره. وداعًا أيها المثقف النبيل..".