الصورة الرسمية لمرشحي القائمة الوطنية عن قطاع غرب الدلتا    الكنيسة الكاثوليكية بمصر تشارك في المؤتمر العاشر بمجلس كنائس مصر    أوقاف الفيوم تنظم ندوات علمية ضمن فعاليات برنامج "المنبر الثابت"    أحمد موسى يكشف تفاصيل زيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل    هاني جنينة: انخفاض الذهب اليوم 6% «تصحيح طبيعي» بعد قفزة 50% منذ بداية العام    تفاصيل زيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل لحضور القمة المصرية الأوروبية    السيسي يهنئ رئيسة وزراء اليابان الجديدة ويدعو لتطوير الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    شريف عامر: نتنياهو يسعى لاستغلال ثغرات اتفاق غزة وواشنطن قلقة من انهياره    خبير بالشئون الأوروبية: حرب كبرى تلوح فى الأفق خلال 7 سنوات بين روسيا والغرب    دخل السجن بسبب «أموال القذافي» وأيّد حظر النقاب.. 44 معلومة عن نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق    السيسي يهنئ ساناي تاكاياشي لانتخابها أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان    السيتى يتقدم بثنائية على فياريال فى الشوط الأول    ألونسو: جولر مزيج من أوزيل وجوتي.. مستوانا يتحسن معه    التضامن الاجتماعي بالفيوم تفتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية    رفضت العودة إليه.. جيران سيدة مدرسة حي الزيتون ضحية طعن زوجها يروون لحظات الرعب    بينهم أشرف عبدالباقي وناهد السباعي.. 5 صور من العرض الخاص ل«السادة الأفاضل» بالجونة    ماجدة خير الله تهاجم لميس الحديدي.. لهذا السبب    منها زراعة 5 آلاف نخلة وشجرة.. «أثري» يكشف الاستعدادات الأخيرة قبل افتتاح المتحف المصري الكبير    سفير الإمارات: العلاقات مع مصر نموذجًا مثاليًا يحتذى به بين الدول    نادية مصطفى: محمد سلطان عبقري عصره.. "ويسلملي ذوقهم" مفاجأتي في أوبرا سيد درويش    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت في ذكرى قدوم الإمام لمصر    رمضان عبد المعز: "ازرع جميلًا ولو في غير موضعه".. فالله لا يضيع إحسان المحسنين    وكيل تعليم المنوفية: لم نسجل إصابات جديدة بالجدري المائي.. والمدرسة تعمل بشكل طبيعي    استشاري مناعة: الخريف موسم العدوى الفيروسية ولقاح الأنفلونزا ضروري قبل الشتاء    تحت شعار «قطرة دم.. حياة».. «تربية المنيا» تطلق حملة للتبرع بالدم    رقابة بلا جدوى !    غرائب الأخبارالسبعة    وزير الخارجية يدعو التقدم لامتحانات الوزارة: لدينا عجز فى خريجي الحقوق    لافروف: الدعوات الأوروبية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا ليست صادقة    هل على ذهب الزينة زكاة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الكهرباء: الجهاز التنفيذي للمحطات النووية خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة    أحمد موسى عن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي في بروكسل: مشهد غير مسبوق    حقيقة مفاوضات الأهلي مع المغربي بنتايج لاعب الزمالك (خاص)    انتصار تصطحب ابنها في عرض السادة الأفاضل وتلتقط صورا مع شخصية الفيلم الكرتونية    أستاذ علاقات دولية: مصر أصبحت محط أنظار المستثمرين بالعالم خاصة أوروبا    النائب محمد عبد الله زين: أين الحد الأدنى للأجور؟.. وعضو المجلس القومي: لا تحملوا القطاع الخاص فوق طاقته    محمد صبحي: مجلس الإسماعيلي خيب آمالنا ووزارة الرياضة أنقذت الموقف    هل يجوز للمرأة تهذيب حواجبها إذا سبب شكلها حرجا نفسيا؟ أمين الفتوى يجيب    اكتشاف مقبرة جماعية لقتلى عراة فى منطقة تل الصوان شرقى دوما السورية    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب خدمة للطلاب والباحثين بتخفيضات كبيرة    إصابة شاب فى حادث اصطدام ميكروباص بشجرة بقنا    تعليم وصحة الفيوم يتابعان التطعيمات اللازمة لطلاب المدارس للوقاية من الأمراض    الصين: القيود الأمريكية على التأشيرات لن تعيق علاقاتنا مع دول أمريكا الوسطى    منافسة شرسة بين ريال مدريد وبرشلونة على ضم نجم منتخب المغرب    صبحى يهنئ يد الأهلى بعد التتويج بلقب إفريقيا    "أهمية الحفاظ على المرافق العامة".. ندوة بمجمع إعلام سوهاج    مثالية للدايت والطاقة، طريقة عمل سلطة الكينوا بالأفوكادو والطماطم المجففة    برج العقرب يزداد بصيرة.. أبراج تتمتع بالسلام بداية من الغد    مقتل 3 عناصر إجرامية فى تبادل إطلاق النار مع الأمن بالغربية    رجال الأعمال المصريين تبحث سبل تشجيع التجارة البينية وزيادة الصادرات لإفريقيا    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    «تعليم البحيرة» تعلن جداول إمتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل    غدًا.. بدء عرض فيلم «السادة الأفاضل» بسينما الشعب في 7 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    851 مليار جنيه إجمالي التمويل الممنوح من الجهات الخاضعة للرقابة المالية خلال 9 أشهر    شون دايش مدربا لنوتنجهام فورست    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجوع في زمن الكوليرا "3"
نشر في البوابة يوم 10 - 03 - 2017

إن الكوليرا فى مصر لم تكن أبدًا مقرونةً بالحب كما كان الحال فى رواية جابرييل جارسيا ماركيز، بل كانت مرتبطة بالموت والجوع والحزن، أما العلاقة بين ما حدث من انتشار فيروس الكوليرا فى العام 1947 وانتشار فيروس الجوع فى العام 2017 فهى علاقةٌ وثيقة لأن الحدثيْن بينهما عديدٌ من القواسم المشتركة التى نستطيع أن نتبينها ببعض التحليل للظواهر الحاكمة لكلا الحدثيْن علاوةً على طبيعة الأحداث المصاحبة لهما.
فى البداية لا بد أن ندرك أن كلا الفيروسيْن سريع الانتشار، ويصعب التحكم فيهما إذا هما خرجا عن السيطرة، مما قد يخلف ضحايا كثيرين، وتُعرف عملية انتشار الفيروس بالعدوى، التى يمكن أن تنتقل من مكانٍ إلى آخر، مما يلزم معه بذل مجهوداتٍ ضخمة لمحاولة السيطرة على الأماكن الموبوءة.
والقاسم المشترك فى طريقة انتشار فيروس الكوليرا فى العام 1947 وفيروس الجوع فى أوائل العام 2017 هو أن كلا الفيروسيْن سلكا طريقًا واحدًا فى أسلوب انتشار العدوى؛ فكلاهما ظهر لأول مرة فى قرية «القرين» والتى أصبحت الآن مدينة بمحافظة الشرقية بالقرب من محافظة الإسماعيلية، حيث قام أهالى مدينة «القرين» فى الثامن من فبراير الماضى باقتحام سيارة تموين كانت محملة بالسلع ونهب ما كانت تحمله من زيت وسكر وأرز قبل تخزينها، وقام الأهالى برصد السيارة وتجمهروا حولها ولم يتمكن السائق من السيطرة على الموقف. وذكر شهود العيان أن الفوضى كانت كبيرة والوضع كان سيئًا للغاية، فعلى الرغم من أن المواطن من حقه الحصول على كيس سكر، كان المواطن يحمل «باكت» سكر بيدٍ واحدة به 10 كيلو سكر.
وضرب فيروس الكوليرا عام 1947 وفيروس الجوع عام 2017 بعد «القرين» منطقة بلبيس بمحافظة الشرقية أيضًا، ولم يفصل بين الحدثيْن سوى أيام؛ حيث ظهرت ملامح فيروس الجوع فى قرية «الجوسق» التابعة لدائرة مركز بلبيس، حيث قام الأهالى بالاستيلاء على سيارة محملة ب55 طن سكر تموينى قبل توزيعها على تجار التجزئة بالقرية. وأكد الأهالى أن غلاء الأسعار ونقص المواد التموينية وجشع التجار وتخزينهم للمواد الغذائية، هو ما دفعهم للاستيلاء على حمولة السيارة بالقوة، ليدقوا ناقوسَ خطرٍ بمزيدٍ من الانتشار لفيروس الجوع الذى يلتهم البطونَ الخاوية.
وإذا كان لابن إياس تفسير سياسي وديني لتكرار تفشى الطاعون حيث يقول «كَثُرَ بمصر الزنا واللواط وشرب الخمر وأكل الربا وجَوْر المماليك فى حق الناس»، معتمدًا على الحديث النبوى الذى يقول «مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِم الزِنَا إلا أُخُذِوا بالفَنَاء»، وإذا كان الملك الأشرف قنصوه الغورى عند تفشى الطاعون فى العام 1505 ميلادية أظهر ميلاً إلى العدل والورع تقربًا لله ليرفع البلاء؛ فأبطل الضرائب ودعا الناس للإقلاع عن المعاصى،. فإنه فى العام 2017 كان للسلفيين تفسير ديني ذو غطاءٍ سياسى كذلك لغلاء الأسعار؛ حيث ذكر رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «النور» الذراع السياسية للدعوة السلفية «أن من ينظر للمعاصى التى ترتكب فى الشارع المصرى يقول إن رغيف الخبز سيصل ثمنه إلى مائة جنيه»، وهو ربطٌ متعسف بين الدين والأسعار، لأن هناك دولا كافرة من وجهة نظر السلفيين لا تؤمنُ أساسًا بوجود الله، ورغم ذلك لا تعانى مما يعانيه المواطنون فى مصر.
ولا شك أن القوات المسلحة المصرية قامت بدورها الوطنى فى مكافحة فيروس الكوليرا عام 1947 كما سبق وذكرنا تفصيلاً فى المقال الماضى، كما بذلت - وما زالت - جهودًا حثيثة فى محاولة عدم وصول فيروس الجوع إلى أرجاء البلاد فى الوقت الراهن من خلال السيارات المحملة بالسلع الغذائية المخفضة والمنتشرة فى كل ربوع مصر للتخفيف عن محدودى الدخل وتوفير الطعام للأفواه الجائعة لتحصينهم من فيروس الجوع اللعين، والذى يعنى انتشاره فى البلاد تهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصرى. وقد نجحت هذه الجهود فى منع وصول هذا الفيروس إلى القاهرة الكبرى، رغم مضى ما يزيد علي أربعة شهور على القرارات الاقتصادية التى وُصفت ب «المؤلمة».
إلا أنه يوم الثلاثاء الماضى أفاقت مصر على انتشار غير مسبوق لفيروس الجوع فى مصر استتبعته تجمعات للأهالى فى مناطق مختلفة من البلاد فى كفر الشيخ والإسكندرية والمنيا وأسيوط، كما استطاع الفيروس أن يصل – لأول مرة – إلى القاهرة الكبرى ليضرب منطقة إمبابة بمحافظة الجيزة، وهو ما يُنذر بمشكلات وأعراض غير مسبوقة. وكان السبب المباشر لذلك قرار وزير التموين الجديد د. على مصيلحى الذى لم يمضِ على تكليفه بالوزارة سوى أسبوعيْن. ويقضى هذا القرار بتخفيض عدد الأرغفة التى يحصل عليها محدودو الدخل من 2000-4000 رغيف إلى 500 رغيف فقط من المخابز المقيد عليها المواطنون من غير أصحاب البطاقات أو حاملى البطاقات الورقية، ليفسد الوزير كل الجهود التى تقوم بها القوات المسلحة فى مساعدة الناس على تخطى الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد.
لقد جاء قرار الوزير دون دراسة، ودون نقاش مجتمعى، ولا استطلاع رأى المواطنين فى منظومة الخبز الحالية، ولا توافر قاعدة معلوماتية يُؤسس عليها قرار يمس الحياة اليومية للمواطنين، ولا استخراج بطاقات إلكترونية لمن يحمل بطاقات ورقية. والمصيبة الكبرى أن الوزير صرح فى مؤتمر صحفى عقده يوم الأزمة نصا بقوله: «الحمد لله إن ده حصل والناس ما لقيتش عيش النهارده علشان نناقش القضية»، وهو تفكير عجيب؛ فبدلا من أن يقوم الوزير بحل الأزمات التى تواجه وزارته، وبدلا من الإنصات باهتمام لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى التى لا يسأم من تكرارها بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لمحدوى الدخل، بدلا من كل ذلك نجد الوزير يصنع أزمةً بكلتا يديه، أزمةً أدت إلى انتشار فيروس الجوع واحتجاجات «الخبز» فى بِقَاعٍ كثيرة من أرض الوطن، أزمةً تؤدى إلى عرقلة الإصلاحات الاقتصادية التى تحاول الدولة إنجاحها للخروج بالوطن من عنق الزجاجة.
إن الأزمة التى خلقها الوزير سوف تستلزم جهودًا ضخمة من القوات المسلحة وأجهزة الدولة لمحاصرة تجلياتها، جهودًا أكثر بكثير مما كان يُبذل من قبل لمواجهة وحصار فيروس الجوع الذى تنبأنا بانتشاره وبدأنا فى كتابة هذه السلسلة عنه منذ ثلاثة أسابيعٍ مضت، وهذه الجهود نُفرد لها مقالنا القادم.. انتظرونا.!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.