القضاء الإداري يرفض 45 طعنا لمرشحي انتخابات النواب ويقبل 3 طعون    الكبير.. أسامة عجاج !    وزير الكهرباء: الجهاز التنفيذي للمحطات النووية خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة    أحمد موسى عن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي في بروكسل: مشهد غير مسبوق    صندوق الاستثمار ينجز أكبر إصدار سندات بتاريخ فلسطين    الطيران المدني يرفع جاهزيته القصوى استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير    رقابة بلا جدوى !    زيلينسكي: نعمل على تطوير القدرات الدفاعية للجيش بالتعاون مع دول حلف الناتو    إسرائيل تغلق جمعية لرعاية الأيتام بالضفة وتصادر محتوياتها    تركمانستان والعراق يوقعان مذكرة تعاون طاقي واستيراد غاز    15 لاعبا ولاعبة في التصنيف الدولي لتنس الطاولة.. تعرف على ترتيب المصريين    حقيقة مفاوضات الأهلي مع المغربي بنتايج لاعب الزمالك (خاص)    جرائم بشعة بالإنترنت    وفاة الفنان المغربي عبد القادر مطاوع بعد صراع مع المرض    الليلة.. محمد الحلو يُجدّد حضوره الفني بمهرجان الموسيقى العربية    غرائب الأخبارالسبعة    اكتشاف مقبرة جماعية لقتلى عراة فى منطقة تل الصوان شرقى دوما السورية    ماكرون: نسعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن بشأن إدارة غزة    تعشق السيارات ومثلها الأعلى مارجريت تاتشر.. 31 معلومة عن ساناي تاكايتشي أول امرأة تتولي رئاسة الحكومة في اليابان    برلمانى: القمة المصرية الأوروبية خطوة جديدة لتعزيز الحضور المصري الدولي    عاجل- مصر تتصدر الدول العربية في استقطاب مشروعات الطاقة المتجددة باستثمارات تتجاوز 161 مليار دولار    محمد صبحي: مجلس الإسماعيلي خيب آمالنا ووزارة الرياضة أنقذت الموقف    قائمة يوفنتوس لمواجهة ريال مدريد في دوري الأبطال    النائب محمد عبد الله زين: أين الحد الأدنى للأجور؟.. وعضو المجلس القومي: لا تحملوا القطاع الخاص فوق طاقته    مصرع سيدة على يد طليقها امام مدرسة بالسادات وأمن المنوفية يكثف جهوده لضبط المتهم    إصابة شاب فى حادث اصطدام ميكروباص بشجرة بقنا    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب خدمة للطلاب والباحثين بتخفيضات كبيرة    توصية بوضع ضوابط موحدة لمجالس التأديب في جميع كليات جامعة عين شمس    جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل في القاهرة    ظهور مفاجئ لأحد أبطال فيلم "السادة الأفاضل" على ريد كاربت مهرجان الجونة السينمائي (فيديو)    كريم عبد العزيز خارج سباق رمضان 2026    زاهي حواس: المفروض نعمل لوحة لفاروق حسني في المتحف المصري الكبير تكريما له    انتصار تصطحب ابنها في عرض السادة الأفاضل وتلتقط صورا مع شخصية الفيلم الكرتونية    أستاذ فقه: حب آل البيت جزء من الإيمان ومصر نالت بركتهم بدعاء السيدة زينب    هل يجوز للمرأة تهذيب حواجبها إذا سبب شكلها حرجا نفسيا؟ أمين الفتوى يجيب    صحة الشرقية: فحص 1062 طالبا بمدارس القنايات ضمن مبادرة سوء التغذية    تعليم وصحة الفيوم يتابعان التطعيمات اللازمة لطلاب المدارس للوقاية من الأمراض    ابنى عنده برد باستمرار ؟.. مدير مركز الحساسية والمناعة بالأزهر يجيب    دورة تدريبية في جامعة بنها لأعضاء لجان السلامة والصحة المهنية «متقدم»    زوج يرمي زوجته من البلكونة في ببورسعيد بسبب صينية بطاطس    الصين: القيود الأمريكية على التأشيرات لن تعيق علاقاتنا مع دول أمريكا الوسطى    منافسة شرسة بين ريال مدريد وبرشلونة على ضم نجم منتخب المغرب    صبحى يهنئ يد الأهلى بعد التتويج بلقب إفريقيا    الأنبا توماس يشارك في المؤتمر العاشر للجنة الرعاة والقسوس بمجلس كنائس مصر    بدء تنفيذ مبادرة مراكب النجاة لتوعية الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية في المنوفية    «تعازييَّ للشعب الفرنسي».. آخر ما قاله نيكولا ساكوزي قبل دخوله السجن    "أهمية الحفاظ على المرافق العامة".. ندوة بمجمع إعلام سوهاج    «موسم خناقة السلفيين».. دار الإفتاء تشتبك وتغلق باب الجدل: الاحتفال بموالد الأولياء يوافق الشرع    مثالية للدايت والطاقة، طريقة عمل سلطة الكينوا بالأفوكادو والطماطم المجففة    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    «بيتشتتوا بسرعة».. 5 أبراج لا تجيد العمل تحت الضغط    «شوف جدول مرحلتك».. جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل في محافظة الإسكندرية    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    دار الإفتاء توضح حكم تصدق الزوجة من مال زوجها دون إذنه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    شون دايش مدربا لنوتنجهام فورست    أهلي جدة يحقق فوزًا مهمًا على الغرافة في دوري أبطال آسيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجوع فى زمن الكوليرا (1)
نشر في البوابة يوم 24 - 02 - 2017

فى عام 1985 نشر الكاتب الكولومبى الشهير جابرييل جارسيا ماركيز رواية «الحب فى زمن الكوليرا» باللغة الإسبانية «El amor en los tiempos del clera»، وقد تمت معالجتها سينمائيًا فى فيلم يحمل عنوان الرواية نفسه، وربما يكون أهم ما فى هذه الرواية هى تلك الحيرة التى نجد أنفسنا غارقين فيها منذ بداية الرواية حتى آخرها، وإن الدهشة التى أصابتنا فى «مائة عام من العزلة» لكفاءتها العالية، تصيبنا عند قراءة هذه الرواية، غير أنها قادمة من طرق أخرى، هنا كل شيء ممكن، كل شىء يتحول إلى الممكن، ويظهر بعد معرفة الأحداث بأنه لم يكن بالإمكان حدوثها بشكلٍ آخر، أما الفكرة الثابتة فى هذه الرواية هى أنها «رواية حب»، ويكتب المؤلف عن روايته فيقول: «إن هذا الحب فى كل زمان وفى كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت.
غير أنه فى مصر لم يكتشف المؤرخون والأدباء الحب من أى نوع فى زمن الكوليرا، بل إن المؤرخين والصحف السيارة فيما بعد أرخت ووثقت لحظات انتشار مرض الكوليرا أو الطاعون مصحوبًا بالجوع والقتل والسلب والنهب، لم يكن فى الأمر حب، بل كان فى الأمر حزن وجشع للتجار وشُح للأقوات وتحول للبشر إلى وحوشٍ طليقة فى الطرقات.
ففى عام 1348 اجتاح الطاعون العالم، وسماه المصريون الوباء الأصفر. كان هذا فى دولة المماليك البحرية بعد عام من سلطنة الملك الناصر حسن الأولى، وقد سماه المصريون أيضا «الموت الأصفر»، وقد بدأ فى أواسط آسيا ثم انتقل إلى شبه جزيرة القرم ومنها إلى جنوة عن طريق البواخر ثم انتشر فى أنحاء أوروبا، وقيل إنه لما وصل إنجلترا حصد أرواح نصف مواطنيها.
يقول ابن إياس: «إنه كان يخرج من القاهرة كل يوم ما يزيد على 20 ألف جنازة، وبلغ عدد من ماتوا بين شهريْ شعبان ورمضان نحو 900 ألف، ولم يُزْرَع من الأراضى الزراعية فى هذه السنة إلا القليل بسبب موت الفلاحين، فوقع الغلاء، وكادت مصر تخرب فى تلك السنة»، أما أبو المحاسن فيقول، نقلاً عمن عاشوا بعد «شُوطة» هذا الوباء: «فما إن أهلّ ذو القعدة إلا والقاهرة خالية مقفرة لا يوجد بشوارعها مارٌ لاشتغال الناس بالموتى وامتلأت الأماكن بالصياح؛ فلا نجد بيتًا إلا وفيه صيْحة، ولا تمرُ بشارع إلا وترى فيه عدة أموات، وفى يوم الجمعة بعد الصلاة على الأموات فى جامع الحاكم صُفَت التوابيت من باب مقصورة الخطابة إلى باب الجامع، ووقف الإمام على العقبة والناس خارج الجامع، وكان يُدْفَنُ فى الحُفرة ثلاثين أو أربعين».
وفى عام 1416 داهم الطاعون مصر ثلاث سنوات انتهت فى عام 1419م. ولم تكد تمضى 15 عامًا وتحديدًا فى العام 1430م حتى تفشى الطاعون من جديد فى عهد سلطنة الملك الأشرف برسباى، ومات بسببه عددٌ هائلٌ من الناس، حتى إن ابن إياس يقول: «مات فى يوم واحد 24 ألفا»، وكان ممن ماتوا الخليفة العباسى المستعين بالله، وفى العام 1459 داهم الطاعون مصر قادمًا من الشام، وكان شديدًا إلى الحد الذى هلك به ثلث المماليك والأطفال والجوارى والعبيد والغرباء، وفى سلطنة الملك الأشرف قايتباى عام 1476 تفشى الطاعون فى مصر، وهو الوباء الثانى الذى وقع فى سلطنة قايتباى، ومات به عددٌ كبيرٌ من الأمراء والأعيان والكبراء والعامة والفقراء، وللمرة الثالثة فى دولة الأشرف قايتباى داهم الطاعون مصر فى عام 1490.
ونجد لدى ابن إياس تفسيرًا سياسيًا ودينيًا لتكرار تفشى الطاعون فيقول: «كَثُرَ بمصر الزنى واللواط وشرب الخمر وأكل الربا وجَوْر المماليك فى حق الناس»، يقول ابن إياس هذا معتمد على الحديث النبوى الذى يقول «مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِم الزِنَى إلا أُخُذِوا بالفَنَاء»، وفى سلطنة الملك الأشرف قنصوه الغورى عام 1505 تفشى الطاعون وبلغ ضحاياه فى اليوم الواحد أربعة آلاف، فأظهر الغُورى ميلاً إلى العدل والورع تقربًا لله، ليرفع البلاء؛ فأبطل الضرائب ودعا الناس للإقلاع عن المعاصى، وفى عام 1513 فى سلطنة الغورى اجتاح الطاعون مصر، ومات كثيرٌ من الأمراء والكبراء، بل أُصيب الغُورى بمرضٍ فى عينيْه وتناقل الناس شائعة تقول إنه فقد بصره، وكعادته عاد الغُورى مع اشتداد الأزمة إلى ورعه ودعوة الناس لهجر المعاصى.
وحين غزا نابليون بونابرت مصر واتخذ التدابير الصحية، وكان من بينها إنشاء المحاجر والكورتينات الصحية فور وصوله إلى الإسكندرية، وحينما وصل القاهرة أقام حجرًا صحيًا فى بولاق، وأنشأ مستشفيات عسكرية وأخرى للأهالى، حتى إنه فرض على الأهالى نشر فروشهم على الأسطح لتعريضها للشمس والهواء، وعين مشرفين خصيصًا لهذا الأمر.
وفى عام 1831 ومع نشوب نزاع بين والى عكا عبدالله باشا الجزار ومحمد على باشا، قرر محمد على تجهيز حملة لتأديب الجزار، غير أنه مع حلول صيف ذلك العام داهم مصر وباء الكوليرا، واستشرى فى البلاد لمدة 34 يوما، وحصد ما يقرب من 150 ألف نسمة، وامتد إلى الجنود الذين مات منهم خمسة آلاف، ومع انتهاء الوباء استأنف محمد على حملته.
وعرفت مصر أهوال الكوليرا عام 1883 حينما اكتشف الطبيب روبرت كوخ سبب ذلك الوباء الأسود الذى قبض أرواح أربعين ألفا من المصريين. وفى مستشفى الإسكندرية الأميرى استطاع «كوخ» عزل ميكروب الكوليرا لأول مرة.
ولا يزال كبار السن فى مصر الآن يذكرون وباء الكوليرا الشهير سنة 1947 الذى انتقل من الهند عن طريق بعض جنود الاحتلال الإنجليزى، ولقد بدأ الوباء فى معسكر الجنود الإنجليز فى التل الكبير، ثم انتقل إلى بلدة «القرين» بمحافظة الشرقية، ثم انتشر كالريح فى جميع أنحاء مصر، وقد أدى الوباء إلى حدوث حوالى عشرين ألف حالة وفاة.
أما كيف تعاملت الدولة المصرية وقوات الجيش والشرطة مع هذا الوباء؟، فتلك قصةٌ أخرى نرويها فى المقال القادم.. انتظرونا..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.