جاءت القرارات الأخيرة التي اتخذتها مصر ردًا على ممارسات حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إعلاء لصوت الضمير الوطني المصري بقدر ما انتصرت مصر بهذه القرارات لقوميتها العربية وهي تتصدى ل"ثقافة التتريك" التي سبق وتصدى لها أحرار الأمة العربية وكبار مثقفيها. وكانت مصر قد قررت أمس الأول السبت خفض علاقاتها الدبلوماسية مع تركيا من مستوى السفير الى مستوى القائم بالأعمال وسحب سفيرها من أنقرة كما استدعت وزارة الخارجية السفير التركي بالقاهرة وطلبت منه مغادرة البلاد على اعتباره "شخصا غير مرغوب فيه". وأوضح بيان رسمي مصري ان تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يوم الخميس الماضي حول الشأن الداخلي المصري "تمثل حلقة اضافية في سلسلة من المواقف والتصريحات الصادرة عنه تعكس إصرارا غير مقبول على تحدي ارادة الشعب المصري العظيم واستهانة باختياراته المشروعة". وأشار هذا البيان لوزارة الخارجية المصرية لما تتضمنه تصريحات أردوغان "من افتراءات وقلب للحقائق وتزييف لها بشكل يجافي الواقع منذ ثورة 30 يونيه"، معيدا للأذهان أن مصر "حرصت من واقع تقديرها للعلاقات التاريخية التي تجمعها بالشعب التركي الصديق على منح الفرصة تلو الأخرى للقيادة التركية لعلها تحكم العقل وتغلب المصالح العليا للشعبين وبلديهما فوق المصالح الحزبية والأيديولوجية الضيقة". وواقع الحال أن أيديولوجية "العثمانية الجديدة" والتي لاتعني في جوهرها إلا "تتريك المحيط الإقليمي الواسع وفرض النفوذ التركي على منطقة شاسعة على غرار الإمبراطورية العثمانية القديمة" باتت تحكم وتتحكم في السلوك السياسي لنظام أردوغان. ومنظر مشروع التتريك الجديد للأمة العربية هو أحمد داوود أوغلو الذي يشكل العقل الأيديولوجي للمؤامرة الجديدة-القديمة على العرب وثقافتهم وقوميتهم في "لعبة الأمم" ورحلة المسير والمصير لهذا العالم الذي يئن بمظلوميات تاريخية شتى. ومشروع التتريك الذي يسمى أحيانا "العثمانية الجديدة" وتارة أخرى "الأردوغانية" يعني صراحة أن تقوم تركيا بالدور المركزي مع إسرائيل وإيران بلا منازع فيما يسمى بالشرق الأوسط الجديد حيث أحلام وأوهام الجغرافيا السياسية الجديدة على أساس الأديان والمذهبيات في المنطقة المتعددة العرقيات والقوميات والأقليات من جاكارتا إلى طنجة ومن القوقاز والبحر الأسود والبلقان إلى البحر المتوسط والشطآن العربية للمحيط الأطلنطي مرورا بأنهار دجلة والفرات والنيل.