مساجد القاهرة التاريخية، درة العمارة الإسلامية على مر العصور، شُيدت بحس مرهف، فتميزت بدقة زخارفها، ومهارة تصميمها، وقيمة مقتنياتها وأثاثها، فتدفق عبقُ التاريخ بأرجائها، وتحولت مع الوقت من دُور عبادة، إلى مزارات أثرية مهمة، شكلت تاريخ وحضارة الأمة، فى فترة من أزهى فترات رخائها وتقدمها. وندرة زخارف هذه المساجد، وبراعة تصميمها، سلاح ذو حدين، جعلها عُرضة للتخريب والسرقة بشكل ملحوظ، لا سيما خلال السنوات العشر الماضية، ورغم كل ما تحدث عنه المسئولون بوزارة الآثار، من تشديد الرقابة على المواقع الأثرية، إلا أن واقعة سرقة جديدة تعرض لها مسجد الرفاعى، المسجل كأثر إسلامى. حيث سُرقت أمس الأول، 6 مشكاوات أثرية، من أصل 15 مشكاة، كانت موجودة بحجرة الملك فؤاد والأميرة فريال، والتى تعود لعام 1328 ه، وهى مصنوعة من الزجاج المموه بالمينا، عليها رنك باسم الخديوى عباس حلمى الثانى، وكتابات بخط الثُلث المملوكى، للآية رقم 35 من سورة النور، والتى تقول [الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح]. الأمر الذى دفع الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، لتشكيل لجنة لحصر جميع المقتنيات والمنقولات الموجودة بالمسجد، بعدما أحال الواقعة للنيابة العامة، للوقوف على ملابسات اختفاء المشكاوات، ومخاطبة شرطة السياحة والآثار، ووازرة الأوقاف المسئولة عن قاعات المسجد، للتحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية. لم تكن هذه الواقعة هى الأولى، التى تتعرض لها مساجد القاهرة التاريخية، فجهات عديدة معنية بالحفاظ على التراث، وحماية القاهرة التاريخية مثل حملة «انقذوا القاهرة التاريخية»، تابعت الأمر، ورصدت السرقات التى وقعت بمساجد المدينة التاريخية، منذ عام 2007، والتى لا تستهدف مجرد السرقة، من أجل البيع للحصول على الأموال الطائلة، بقدر ما هى محاولة لتفريغ تراث المدينة وطمس هويتها، فهؤلاء اللصوص يدركون جيدًا قيمة العناصر والقطع التى يسرقونها، فهى قطع أصلية لا يمكن العثور على مثيل لها. و«البوابة» فى هذا التقرير، ترصد بالصور، الانتهاكات والسرقات التى تعرضت لها القاهرة التاريخية، بشكل منظم، دون وجود رادع، لما تتعرض له المدينة من حملات طمس لمعالمها، وإبادة لطرازها المعمارى، وطابعها التاريخى. ولم تكن السرقة التى تعرض لها مسجد الرفاعى الأولى فى تاريخه، حيث تعرضت مشكاوات المسجد للسرقة من قبل، واكتشفت السرقة فى مارس 2014، وهى المشكاوات التى تمثل طابعًا خاصًا بالنسبة للمسجد، ولم تسترد أو يعثر عليها حتى الآن. كما تعرض مسجد تغرى بردى للسرقة فى مارس 2014، حيث أزيلت أبواب المنبر الخشبية المزخرفة، ولم يستدل عليها، أو تسترد حتى الآن، وتم إغلاق المسجد، فلم يتمكن أحد من الدخول للتحقق من المنبر، وتوثيق السرقة. وتعرضت مجموعة السلطان قنصوة الغورى الفريدة، والمسجلة كأثر برقم 189، للتخريب فى سبتمبر عام 2012، حيث تمت إزالة أجزاء من التفاصيل النحاسية، وتدل الطريقة التى أزيلت بها هذه التفاصيل أن اللص ليس لديه الخبرة، لأن القطع كُسرت، كما تم انتزاع حشوات خشبية من المنبر، فى شهر يونيو 2014. وفى مسجد أزبك اليوسفى المسجل كأثر برقم 211، تمت سرقة بعض حشوات كرسى المصحف به، وكالعادة لم تعلن وزارة الآثار عن السرقة، كما تم إحباط محاولة لسرقة أخرى داخل المسجد، وتصدى لهم القائمون على خدمة المسجد. وتعرض مسجد تمراز الأحمدى لسرقة النص التأسيسى بأعلى المنبر، والمنقوش عليه بعض الآيات القرآنية، التى تمثل جزءًا من زخارف ونقوش المسجد العريقة. الأمر نفسه حدث بمسجد «سنجر وسلار الجاولى»، الذى سرق النص التأسيسى أعلى منبره، وتكمن أهمية هذا النص فى أنه يؤرخ لبناء المسجد، ويؤكد أثريته. كما اكتشف فى نوفمبر 2014 سرقة الأفريز الخشبى والحجرى من قبة الأمير سلار، وقال مدير منطقة آثار السيدة زينب والخليفة إن هذه السرقة تزامنت مع سرقة النص التأسيسى. كما سرق النص التأسيسى بمسجد الصالح طلائع، والذى كُتب فيه: «جُدد هذا المنبر المبارك فى عصر خديو مصر عباس حلمى الثانى، بمباركة لجنة الآثار العربية، سنة عشرة وثلاثمائة وألف هجريا»، وقد وقعت السرقة فى شهر يونيو 2014. وتعرض مسجد أحمد بن طولون، لسرقة مفصلات نحاسية أصلية، عليها كتابة موجودة بمنبر الجامع، وهذه السرقة وقعت فى يونيو 2014. وهى تعد من الأساس المهم للمسجد، والتى لا تقدر بثمن، نظرًا لأنها ترجع إلى العصر الطولونى، الذى تميز بالدقة فى الهندسة المعمارية. كما سرق من مسجد القاضى عبدالباسط، شباكان نحاسيان أصليان، من العصر المملوكى، وتمت السرقة فى شهر يونيو 2014، كما سُرِقَ مصراعى أحد أبوابه الداخلية، المطعم بالعاج والأبنوس.