محافظ كفر الشيخ يترأس غرفة العمليات الرئيسية لانتخابات الإعادة بالنواب    الوطنية للانتخابات: انتظام التصويت وتأخر فتح بعض اللجان أول أيام إعادة المرحلة الثانية    بدء مؤتمر الهيئة الوطنية بشأن اليوم الأول لإعادة المرحلة الثانية بانتخابات النواب    جامعة عين شمس تتوسع في استخدام خدمات وحدة الميكروسكوب الافتراضي    هل الوقت مناسب لشراء الذهب؟.. الشعبة تجيب | خاص    إيران تدعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى دبلوماسية الاحترام المتبادل    الأهلي يقترب من حسم صفقة بلعمري ويواصل البحث عن مهاجم أجنبي    نجوم مصر يبثون رسائل الدعم لمحمد صلاح قبل العرس الإفريقي    ريال مدريد في نزهة أمام تالافيرا في كأس ملك إسبانيا    تحرير 68 مخالفة تموينية متنوعة بالقليوبية    الأرصاد تنفي ارتفاع الحرارة بشكل ملحوظ الأسبوع المقبل: العظمى على القاهرة لن تتجاوز 24    الصور الأولى لشقة نيفين مندور بالإسكندرية، والنيابة تعاين موقع الحريق    الدخان أخطر من النار.. تحذيرات لتفادى حرائق المنازل بعد مصرع نيفين مندور    بعد إدراج الكشري في اليونسكو.. التراث غير المادي مهدد بالاندثار دون توثيق حقيقي | فيديو    «متحدث الصحة»: لقاح الإنفلونزا يقلل الإصابة بنسبة 60%    وزارة التضامن تقر قيد 3 جمعيات في محافظتي القاهرة والغربية    إحالة عاطل متهم بالتحرش بسيدة قعيدة في مدينة نصر للجنايات    معلومات الوزراء: الاقتصاد العالمى يشهد تحولات عميقة تعيد رسم موازين القوى    رئيس جامعة القاهرة وسفير بلغاريا بمصر يناقشان إقامة برامج ودرجات علمية مزدوجة    الهيئة العامة للاستثمار تستضيف مؤتمرًا حول التحول الصناعي نحو اقتصاد منخفض الكربون    وزير الرى: إطلاق آلية تمويلية بمخصصات 100 مليون دولار    نائب رئيس مجلس الوزراء يشهد احتفالية العيد الوطني لدولة قطر الشقيقة    ضبط المتهم باستدراج طفلة يتيمة والتعدي عليها في الشرقية    أبو الغيط: الاحتلال يُمعن في إفراغ وقف إطلاق النار بغزة من مضمونه    إعلام الاحتلال: إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع حزب الله نهاية العام    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    أصول الأكلات التراثية.. من أين جاءت؟    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام الطرح الخاص للشركة العملية للطاقة» وإدراجها في بورصة الكويت    سعر الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 في مصر    السجن 5 سنوات لعامل بتهمة إشعال النيران بسيارة مياه معدنية فى قنا    من سندرلاند إلى ليفربول.. خريطة غيابات الدوري الإنجليزي في كان 2025    مصطفى أبو سريع يعلن انفصاله عن زوجته ويعلق: كانت حق الأم المثالية لأولادي    محمد رمضان: "كنت عارف إن مسلسل "موسى" مش لجمهوري"    وفاة نيفين مندور بطلة فيلم "اللي بالي بالك"    «المفتي» يؤكد أهمية بناء شراكات فاعلة بين دور وهيئات الإفتاء في العالم    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    مواعيد مباريات الأربعاء 17 ديسمبر - نهائي إنتركونتينينتال.. وكأس الرابطة الإنجليزية    دعم مؤسسات الدولة الليبية    رسل الموت تنزل فى سراييفو    الأطباء تحذر| حمية غذائية تتبعها الفتيات قبل الزفاف قد تؤدي إلى مخاطر صحية    وكيل صحة الإسماعيلية تُحيل المقصرين بوحدة «أبو جريش» للتحقيق    السيطرة على حريق شب داخل مصنع فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    إحباط مخطط لهجوم في نيو أورليانز الأمريكية واعتقال جندي سابق بحوزته أسلحة ودرع واق    "رئيس صندوق الإسكان الاجتماعي": نستهدف بناء أكثر من 68 ألف وحدة سكنية بالإسكان الأخضر بمواصفات صديقة للبيئة    «ترامب» يحذر فنزويلا من صدمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة    إعلان أسماء الفائزين بجائزة مسابقة نجيب محفوظ للرواية في مصر والعالم العربي لعام 2025    أحمد مراد: لم نتعدى على شخصية "أم كلثوم" .. وجمعنا معلومات عنها في عام    ياسمينا العبد: ميدتيرم عمل شبابي طالع من شباب.. وكل مشاهده واقعية جدًا    أحمد مراد عن فيلم «الست»: إحنا بنعمل أنسنة لأم كلثوم وده إحنا مطالبين بيه    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    بعد أيام من زواجها.. أب يطلق النار على ابنته في أسيوط    كامل أبو علي ينصح حسام حسن: تجاهل السوشيال ميديا    اللاعب يتدرب منفردًا.. أزمة بين أحمد حمدي ومدرب الزمالك    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيتوقراطية وما بعد الحقيقة
نشر في البوابة يوم 07 - 12 - 2016

«ما بعد الحقيقة» post-truth عبارة جديدة أضيفت إلى قاموس «أكسفورد»، وهى فى أصلها من اختراع «كاترين فاينر» رئيسة تحرير صحيفة «الجارديان» البريطانية، وقد استخدمتها للتعبير عن طبيعة الخطاب الانتخابى الذى واكب استفتاء المملكة المتحدة على الانسحاب من الاتحاد الأوروبى فى العام الماضى.
«ما بعد الحقيقة» ليس هو الكذب، بل هو أكثر راديكالية منه ما دام الخطاب الكاذب يظل فى نهاية المطاف محكوما بثنائية الصواب والخطأ، لأن المقصود به هو إقناع المخاطب بأنه حقيقى، فى حين أن خطاب «ما بعد الحقيقة» لا يهدف أصلاً إلى التصديق، غرضه هو التعبير عن الأهواء والمشاعر والانفعالات لا التعبير عن الوقائع أو التقيد بسقف الإمكانات الواقعية.
لا أحد من الناخبين الأمريكيين الذين اختاروا ترامب رئيساً للولايات المتحدة صدق أنه سيطرد المهاجرين غير الشرعيين، ويبنى سوراً عازلاً مع المكسيك ويشن حرباً تجارية على الصين، ويقضى فى ظرف شهر واحد على «داعش»، ومع ذلك فضلوا البرنامج الذى يستحيل تطبيقه على البرنامج الذى لا يعد بحلول جذرية.
ولقد علق الفيلسوف الألمانى «بتر سلوتردايك» على هذه الظاهرة بقوله إن الديمقراطيات الغربية أصبحت فى وضع رواق مرضى السرطان الذين فقدوا الثقة بالأطباء واتجهوا إلى المعالجين بالوصفات السحرية الخارقة بحثاً عن أمل مستحيل، ومن هنا المأزق الجوهرى المتولد عن انهيار مسلمة «عصمة الأغلبية العاقلة»، التى هى الفكرة التى تتأسس عليها الممارسة الديمقراطية.
التحولات السياسية الكبرى التى بدأت فى العالم الغربى منذ صعود الحكومات «اليمينية» المتطرفة، وعودة الأنظمة السلطوية المناوئة للقيم الليبرالية التعددية (الديمقراطيات غير الليبرالية حسب تسمية المفكر السياسى الفرنسى بيار روزنفالون)، لا تعبر عن مجرد أزمة عميقة تطول النموذج الديمقراطى، بل تصل إلى جوهر العمل السياسى، أى مقاربة السياسة فى أبعادها النظرية والعملية باعتبار السياسة تدبيراً للشأن العمومى.
هل ما نعيشه هو «موت السياسة» حسب تشخيص «رجيس دوبريه»، الذى يعرف السياسة بأنها الخروج من الطبيعة ودخول أفق التاريخ؟ الخروج من الطبيعة يعنى التحرر من الهويات العضوية الموروثة والانتماءات الاجتماعية المقننة قبلياً، وتكريس حرية الاختيار على أساس الرؤية المجتمعية والأنساق الأيديولوجية، ومن هنا الآفاق الرحبة التى يفتحها التاريخ من حيث الإمكانات المفتوحة والمنظور المستقبلى يصنعه الإنسان بإرادته الحرة.
هل نشهد مساراً مضاداً بعودة السياسة إلى الطبيعة أى إلى الهويات الضيقة المغلقة كما يظهر من صعود الاتجاهات والنزعات اليمينية المحافظة؟ الواقع أن هذه الحركة الارتدادية لا يمكن اعتبارها خيارا مستقبلياً واعداً، وإنْ كانت تحيل إلى مؤشرات نوعية لازمة عميقة نعانى منها كالممارسة السياسية فى الديمقراطيات الغربية العريقة.
ومن أبرز هذه المؤشرات تغير نوعى فى خريطة التموقع السياسى تتمثل فى تحول القاعدة الانتخابية التقليدية لأحزاب اليسار (الطبقة العمالية والفئات المهمشة الهشة) إلى اليمين المحافظ فى الوقت الذى دفعت تشكيلات «اليسار» ثمن تبنيها لديناميكية العولمة، وما يرتبط بها من تقويض للهويات الإدماجية التقليدية (الدولة والأمة والأحزاب والنقابات...).
هذا التغير فى الخريطة الانتخابية واكبه تحول مماثل فى الخطاب السياسى الذى انتقل من النموذج الاجتماعى (صراع الطبقات والمصالح الاجتماعية) إلى النموذج الثقافى (صراع الحضارات والهويات)، بما نلمس آثاره الواضحة فى انتقال الأيديولوجيا القومية والدينية المتطرفة إلى الأحياء والمدن الصناعية العمالية التى كانت فى الأصل مركز التنظيمات اليسارية والاشتراكية.
لا يمكن للتيارات «اليمينية» الجديدة أن تغير من طبيعة الواقع السياسى الجديد للديمقراطيات الحديثة، ومن ثم فإن خطاب «ما بعد الحقيقة»، الذى تعتمده ليس أكثر من وصفة عقيمة فى معالجة أزمات مجتمعية جوهرية تتعلق بتضاؤل قدرة الفاعل السياسى نفسه على التحكم فى الشأن العام.
فى كتابه «نهاية السلطة» (2013)، يلاحظ المفكر الفنزويلى (من أصل يهودى ليبي) «مواسيس نعيم» أن السلطة فى القرن الحادى والعشرين غدت مشتتة متناثرة لا سبيل للتحكم مركزياً فيها، ولذا فإنها أصبحت سهلة الاقتناص عصية البقاء وسهلة الضياع.
المجال السياسى تحول من هذا المنظور إلى نمط من «الفيتوقراطيا» (العبارة لفوكوياما) أى دائرة يتمتع فيها العديد من الفاعلين بما يكفى من السلطة لتعطيل القرار دون أن يتمتع أى منهم بما يكفى من السلطة لفرض هدف مشترك.
فالذين بالغوا فى الخوف من برنامج ترامب المعلن نسوا أن صنع القرار فى الولايات المتحدة يخضع بالإضافة إلى آليات التوازن الدستورية المعروفة لآليات توازن داخلية وعالمية دقيقة ومعقدة، بعضها يتجاوز أطر السيادة الوطنية، وبعضها يتصل بتركيبة المجتمع الجديد الذى ولدته الثورة الصناعية التقنية الثانية.
إذا كان تعريف السياسة الشائع هو أنها «فن الممكن»، فإن الممكنات فى العمل السياسى أصبحت ضيقة ومحدودة.
نقلا عن «الاتحاد الإماراتى»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.