أثار قتل الدكتور نادر العمراني، الأمين العام لهيئة علماء ليبيا وعضو لجنة الفتوى، جدًلا واسعًا داخل الأوساط الليبية والمصرية، لاسيما بعد اعتراف أحد منفذي العملية بأن عملية القتل جاءت استنادًا على الدروس العلمية والفتاوي التي يلقيها الداعية السلفي المصري محمد سعيد رسلان. وأظهر اعتراف المدعو هيثم الزناتي - في التسجيل الصوتي الذي بثته الداخلية الليبية منذ يومين - بأن شخصًا من شرق ليبيا تلقى دراسة علوم الشريعة على يد "رسلان"، وأتى بفتوى منه تجيز قتل العمراني كونه "ضالًا ومضللًا لعامة الليبيين". وكشفت وزارة الداخلية الليبية تفاصيل اغتيال "العمراني"، الذي تم اختطافه في السادس من أكتوبر الماضي على يد مسلحين من أمام مسجد بمنطقة الهضبة الخضراء، إحدى ضواحي العاصمة الليبية طرابلس. "الزناتي" زعم أن الاجتماعات التحضيرية التي حضرها شخص يدعى أيمن الساعدي تركزت على بيان انحراف العمراني وتبعيته لجماعة الإخوان ودار الإفتاء"، وأن التخطيط لاختطاف الشيخ كان قبل ثلاثة أشهر، وإن المسؤولين عن اختطافه وقتله مجموعة من قوة الردع الخاصة المعروفة بانتمائها لتيار الفكر السلفي المدخلي بليبيا. غير أن رد الشيخ محمد سعيد رسلان، كان سريعًا، حيث خرج بتسجيلًا مصورًا للرد على الاتهامات التي تطوله بالضلوع بصورة أو بأخرى في قتل "العمراني". وقال "رسلان" - في فيديو نشره عبره موقعه الرسمي، أمس الأول- إن "العمراني" عضو دار الافتاء الليبية كان رجلًا صالحًا وذا منصبٍ علميٍ دينيٍ وأكاديميٍ كبير، وكان مخلصًا في خدمة الدعوة الإسلامية. ووصف الداعية المصري منفذي العملية بأنهم "خوارج تكفيريين"، مؤكدًا أنه لم ير في حياته المدعو "أحمد الصافي" الذي قال إنه تعلم على يده بقوله: "هو مفتى جاهل ومعتدٍ أثيم، وما ذكره أنه من تلامذتي كذب فما عرفناه وما نزل عندنا وما اسمع اسمه إلا على لسان القاتل في اعترافاته". وشبه رسلان قتل الداعية الليبي بأنها جريمة تذكر بما وقع في مصر في السبعينيات بحق الدكتور محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف حينها، مؤكدًا أن العمليتين ليسا من الكتاب والسنة النبوية في شيء. مضيفًا: "كل من يعرفني يعرف تورعي عن الفتوى في مصر فلها أهلها، ما بالك بخارجها، ومن البهتان أن يتاجر أحد بدم مسلم". المتهم الليبي في اعترافاته قال إنهم وضعوا قائمة بتصفية رجال دين ليبيين آخرين على رأسهم الشيخ العمراني، والشيخ عبد الباسط غويلة، ومحمود بن موسى وعدة مشايخ من دار الإفتاء الليبية بطرابلس. وكشف أن الإرهابيين الذين قتلوه اختطفوه وحفروا له "حفرة" ووضعوه بها، ووجهوا له تهمة الشروع في نشر الفكر المنحرف للمواطنين الليبيين، منتهين حديثهم بإطلاق النار عليه ثم دفنه بالحفرة. وردت دار الإفتاء الليبية - في بيان لها - بأن "العمراني" رجل دين "وسطي"، وأن وسطيته سبب تربص من وصفتهم ب"الغلاة" له، وأنه كان يحمل لواء العلم في ليبيا، وسعيه المستمر للتمسك بالحق والدفاع عنه، مطالبين بسرعة القصاص ممن خطط وشارك في جريمة القتل. هذا في الوقت الذي أدانت فيه الدعوة السلفية بمصر حادث القتل، مؤكدًا أن العملية تمت باسم الإسلام وأن الدين براء منها. وذكرت الدعوة - في بيان نشره الموقع الرسمي لها "أنا السلفي"، أمس الأول – أن الجريمة ارتكبها من جهلوا حقيقة الإسلام وسماحته، حيث أمر بالرفق والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن وعظم من شأن الدماء المعصومة أن تراق بغير حق. لكن الحادث كان له زاوية أخرى، حيث شن قيادات بالجماعة الإسلامية والإخوان هجومًا شرسًا على "رسلان" عبر منتدياتهم، واتهموه بالضلوع الفعلي في الحادث بصفته أحد رموز تيار "السلفية المدخلية" في مصر والوطن العربي. وقال أبو بصير الحساني – اسم حركي - القيادي بالجماعة الإسلامية في مصر، عبر منتدى تابع للجماعة، إن قتل "العمراني" جاء بفتوى جائرة من محمد سعيد رسلان، متهمًا التيارات السلفية بأنها أصبحت تمثل خطرا وعبئا على الإسلام والعاملين له، مختصًا بذلك "الجامية، والمدخلية، والبرهامية" – على حد قوله. واتفق معه محمد الصغير، القيادي بحزب البناء والتنمية الموجود بتركيا بأن سعيد رسلان رمز مدخلية مصر أفتى بقتل من يحارب قائد الجيش الليبي خليفة حفتر مما أدى إلى اغتيال الشيخ نادر العمراني– حسب قوله. وتابع الصغير، عبر صفحته على موقع "تويتر"، "رسلان والمدخلية يفتون بقتل الثوار في ليبيا ويقاتلون مع حفتر لأنه بقية ولي الأمر "القذافي" مما أدى إلى اغتيال الشيخ العمراني. وأدانت رابطة علماء المسلمين – عبر موقعها الرسمي – قتل العمراني على يد "عصابة مجرمة تدِّعي احتكارها لمنهج الحق والتزامها به، وهي أبعد ما تكون عنه؛ مدللة على قبح مسلكهم وانحراف منهجهم؛ بهذه الجريمة"، وهو ما جاء أيضًا في بيان للمجلس الإسلامي العالمي، محذرًا من استمرار مسلسل قتل رجال الدين في ليبيا على يد المتطرفين.