فى ظل أغلب التوقعات التى تشير إلى الاحتمالية الكبيرة لفوز هيلارى كلينتون فى الانتخابات القادمة، بدأ كبار مستشاريها فى التفكير فى كيفية إعادة الاستقرار للعالم بعد الهزة التى تسببت فيها الحملة الرئاسية الأمريكية. تكمن المفارقة بالنسبة لفريق كلينتون، حال فوزها، فى كيفية الاستمرار فى العمل ضمن إدارة الرئيس أوباما التى عمل فيها الكثيرون، وأيضًا فى تشديد السياسة الأمريكية كى لا تبدو الولاياتالمتحدة فى موقف أضعف عند تعاملها مع روسيا والصين، وعند معالجتها لغيرها من المشكلات. على كلينتون العمل على تأكيد تفوق الولاياتالمتحدة فى ظل وضع وصفه أحد أفراد فريقها بقوله «بتنا نعيش فى عالم ملتهب بصورة غير مسبوقة». وعند سؤاله عن تقييمه لتلك المرحلة التاريخية العالمية المحيرة، أشار مستشار الحملة إلى المرحلة التى أعقبت الحرب الأمريكية فى فيتنام مباشرة، ومرحلة سقوط الاتحاد السوفيتى. ففى كلتا الحالتين، بحسب المستشار، يكمن سر إدارة الأزمات فى «المبادرة الاستراتيجية» من الولاياتالمتحدة. فبالإدارة النشطة للدبلوماسية الأمريكية، استطاع وزراء خارجية مثل هنرى كيسنجر وجيمس بيكر صياغة وتشكيل الأحداث، حتى وسط حالة من عدم الاستقرار العالمى. ولأن روسيا والصين سوف يقدمان على اختبار الولاياتالمتحدة، فقد يشهد العام الأول للإدارة القادمة خلافات واحتكاكات قوية حول العالم. وتتمتع كلينتون بميزة، وهى أن فريق عملها معلوم لحلفاء ولخصوم الولاياتالمتحدة على حد سواء، وفى الغالب لن يرتكب الفريق أخطاء فادحة، وسيكون فريقها ملزمًا بمواصلة وإنجاز مهمته التى لم تكتمل حتى الآن، وهى القضاء على تنظيم داعش ومحاربة الإرهاب. فى حال وصلت كلينتون للرئاسة، سيرى فريقها مسألة إعادة بناء القوة الاقتصادية للولايات المتحدة كخطوة أولى ضرورية، وسوف تشهد المائة يوم الأولى لرئاستها العديد من المبادرات المالية لإعادة بناء البنية التحتية وتحفيز الاستثمار، وجميعها إجراءات من شأنها تشجيع وتسريع وتيرة النمو المتباطئ سواء فى أوروبا أو فى غيرها من الدول الحليفة. فبحسب المستشار الأول لحملة كلينتون «ينتظر العالم أن تمسك الولاياتالمتحدة بدفة القيادة وأن تسرع من وتيرة الاقتصاد»، مضيفًا: «فيما يخص التحالفات العالمية، فإن أهم ما يتعين علينا فعله هو دعم مؤسساتنا الداخلية». فالمبارزة مع روسيا قد بدأت بالفعل، إذ إن تاريخ كلينتون والرئيس الروسى فلاديمير بوتين مليء بالدم الفاسد الذى كان من ضمن تجلياته عملية القرصنة الخفية على البريد الإلكترونى لحملة كلينتون. تتمثل الخطوة الأولى فى إعادة احتواء روسيا فى مساندة أوروبا الممزقة والمهتزة. ففى حال جرى انتخاب كلينتون، فسوف يبلغ مساعدوها الدبلوماسيين الأوروبيين أنها ترغب فى عقد اجتماع عاجل لقمة الناتو «حلف شمال الأطلسي» لتأكيد التحالف. وستعمل كلينتون على التأكيد للحلفاء الاستراتيجيين التقليديين مثل السعودية أن الولاياتالمتحدة قد عادت، وسوف تكون الرسالة للحلفاء العرب، حسب المستشار الثانى للحملة: «سنكون شركاء واضحين فى أمن الشرق الأوسط». ومع ازدياد ثقة الدول الإسلامية السنية فى الولاياتالمتحدة، وفق المستشار الثاني، سيكون بمقدور الولاياتالمتحدة مواصلة دبلوماسيتها مع إيران. ستتعقد السياسة الأمنية الأوروبية بخروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبى التى تعتبر الصوت التقليدى الأقرب للولايات المتحدة. فبحسب دبلوماسى أمريكى فإن كلينتون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بينهما رابطة قوية من التعاطف، وستكون رغبة فريق كلينتون فى وجود سياسة روسية صارمة أسهل، لأنه من المؤكد أن جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو سيجرى الإبقاء عليها خلال قمة الاتحاد الأوروبى المقررة فى ديسمبر المقبل. وبالفعل يفكر مستشارو كلينتون بشكل جدى فى الكابوس السورى، وفى كيفية إعادة بناء العراق، وفى مرحلة ما بعد سقوط «داعش». فى حال فازت كلينتون فى الانتخابات، فمن المرجح أن يشرع فريقها الانتقالى فى إجراء «مراجعة سريعة للوضع السورى» لتحديد الخيارات بشأن الرئيس المنتخب الجديد، وسيكمن التحدى الأكبر فى كيفية تنفيذ وعد حملة كلينتون بشأن فرض «مناطق آمنة» فى مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام السورى. وسوف يبدأ فريق كلينتون باستشارة اليابان وكوريا الجنوبية بشأن استراتيجية التعامل مع بيونج يانج، وسيكون من ضمن الأهداف فرض عقوبات اقتصادية تتسبب فى حالة شلل مثل تلك التى سببتها العقوبات المفروضة على إيران. سيتحتم على الرئيسة القادمة أن تؤدى مهمة متعددة الأهداف، وهى أن تظهر للعالم وجهًا صارمًا، وفى الوقت نفسه تستمر على نهج أوباما؛ بأن تركز كلماتها على التغيير بينما الموسيقى لا تبارح الوضع الراهن. فانتصار كلينتون يعتمد على انتقالها من مرحلة المفاوض الأضعف إلى مرحلة المفاوض الأقوى، لكن ذلك لن يكون سهلًا فى ظل وجود خصوم يحاولون الإطاحة بها. الترجمة نقلًا عن الشرق الأوسط