يستطيع من يقرأ عنوان المقال أن يستشعر أهمية التعليم، وأن خطوات إصلاحه هى الركيزة الأساسية فى بناء مصر التى نحلم بها، وهو أيضا السبيل للصمود أمام زعزعة الاستقرار، وهو قاطرة التنمية الحقيقية لبناء مصر قوية بإذن الله مصر المستقبل. مستقبل الأمم يقوم على صلابة ومتانة وحرفية التعليم فى المراحل المختلفة، الابتدائى والإعدادى والثانوى والفنى ثم التعليم فى الجامعات. مما لاشك فيه أن التعليم هو مفتاح تطوير الأسس السليمة لمستقبل الأوطان وتأهيل شباب الأمة ليكونوا قادة المستقبل. وعند الحديث عن جودة التعليم يجب أن يكون هناك فكر قريب المدى يصلح ما بين أيدينا اليوم، ولا بد أن تكون خطواته سريعة قابلة للتنفيذ وغير تقليدية، واستخدام الأدوات المتاحة لتحقيقه فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وفكر بعيد المدى قد يستغرق سنوات، وهدفه هو بناء أجيال جديدة تنشأ منذ البداية من خلال التعليم ما قبل الجامعى. ومن أهم المشاكل التى تواجه التعليم فى مصر كثرة الأعداد وتزاحم الطلبة فى أجواء غير صحية لنمو الأذهان وترتيب الأفكار، بالإضافة إلى ضعف الموارد المالية، وبالتالى فى ظل هذه الموارد لا بد من التفكير فى كيفية تطويره بالرغم من هذه الصعوبات. أيضا حرفية المعلم وأساتذة الجامعات أحد الأسباب التى نفتقر إليهما، وتسبب اتساع الفجوة بين الطلاب والمعلمين، مما يؤثر على الاحتكاك المباشر للنشأ، وضعف ثقافته وانتمائه إلى وطنه، وهذه الأمور ممكن أن تحل بصورة عاجلة مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا بد من تطوير المناهج والتوسع فى استخدام التعليم الإلكترونى منذ الصغر، وذلك يمكننا تطبيقه فى خطة إصلاح التعليم بعيدة المدى. أو الاستشهاد بتجارب إحدى الدول التى استطاعت النهوض بتعليمها، والوصول به إلى إحدى المراتب المتقدمة، آخذين فى الاعتبار بما يتفق وطبيعة الشخصية المصرية. وسوف أسرد بعض الخطوات للحلول قريبة المدى لعلها تساعد فى تحقيق تقدم ملموس خلال العام الدراسى القادم. - عقد دورات تدريبية للمدرسين الموجودين حاليا فى المدارس المختلفة، ويتم إعدادها من قبل مسئولين ذي خبرة وكفاءة ملموسة فى مجال التعليم عن كيفية التعامل مع الطلاب، وغرس القيم الأخلاقية والإنسانية، وبث العادات السليمة والصحية، وكيفية تطوير تذوقهم للفنون المختلفة للارتقاء بنوعية الطلاب؛ لأن الفنون المختلفة كالرسم والموسيقى وسماع أنواع راقية من الموسيقى والرحلات تنمى الذوق العام للطلاب، وهذه الدورات التدريبية تتم فى فصل الصيف، ولا بد من اجتياز اختبار لهذه الدورات التدريبية لتقييم المدرسين، وكذا إشراكهم من منظورهم للنهوض بالعملية التعليمية كل حسب موقعه لاختلاف نوعية الطالب فى مختلف المحافظات. - وكذلك لا بد من حضور الدورات التدريبية، وكذلك اجتياز قبول للمدرسين الجدد عند التقديم لاختياز أفضل العناصر فكريًّا تكون على استعداد للرقى بمستوى الطلاب. - الاهتمام بالرياضة من أبسط الأشياء التى يمكن أن تطبق فى أى مدرسة، وكان للحكومة سبق فى هذا أن أنشأت ملاعب فى جميع قرى ونجوع مصر ممكن الاستعانة بها فى تعود الطلاب على ممارسة الرياضة دون أدنى تكلفة. على سبيل المثال رياضة الجرى أو ألعاب القوى بكل أنواعها لا تحتاج إلى إمكانيات– الاهتمام بممارسة الرياضة يوميا من خلال المدرسة تعود الطالب أن تبقى الرياضة من ضمن حياته اليومية ويمارسها طوال حياته. اقترح أن تكون الدراسة فى عامين الحضانة وأول عامين بالمرحلة الابتدائية دون أى اختبارات مدرسية تضع الطفل تحت ضغط وعبء نفسى أكبر من تحمله، ولكن تكون للتركيز فقط على بناء الشخصية كغرس الأخلاق والمبادئ الحميدة وتقبل الآخر وفكر الاختلاف والعادات الصحية، ومظاهر النظام والذوق العام، من خلال دراسة ترفيهية، وأؤكد على أن تطبيق مثل هذا الفكر يشبه وضع حجر الأساس لبناء شخصية واعية متحضرة مبدعة قادرة على النجاح فى شتى مجالات الحياة، وغير متطرفة عن طريق إعطاء المبادئ الأولية للأديان السماوية من منطق تهذيب النفوس. ومن ضمن الحلول الآجلة على مدار السنين هو تقييم الطلاب فى المراحل التعليمية سنويا حتى أن يكون نهاية مرحلة التعليم ما قبل الجامعى لا نحتاج إلى امتحان ثانوية عامة، ويكون كل خريج فى مرحلة التعليم ما قبل الجامعى قد مر باختبارات قدرات تؤهله إلى الدراسة الجامعية المناسبة لإمكانياته ورغبته. تشجيع الطلاب التى لها ميول إلى التعليم الفنى لدخولهم فى مدارس ومعاهد التعليم الفنى التى تؤهلهم لتحقيق ذاتهم وفائدة البلد من ورائهم. الاهتمام بصحة الطفل وذلك عن طريق عمل بعض التحاليل الطبية البسيطة غير مكلفة على الإطلاق ولكنها ضرورية لاكتشاف حوالى 90% من المشاكل الطبية التى تؤثر بالسلب على صحته وحياته المستقبلية مثل الأنيميا التى تعد من أهم أسباب عدم التركيز وعدم القدرة على الاستيعاب. * أما المرحلة الجامعية فمتطلباتها مختلفة عن المرحلة المدرسية، وهذا بحكم موقعى وعملى كرئيس جامعة عين شمس، وقد طبقت عدة إجراءات من شأنها رفع مستوى التعليم الجامعى، وملخص هذه الخطوات هو:- - إنشاء ما يسمى بالريادة العلمية، وهو تقسيم الطلبة النابغين أو المتفوقين إلى مجموعات، هذه المجموعات عددها ما بين 10 الى 20 طالبا، يتم توزيعهم على أعضاء هيئة التدريس لتكون هذه المجموعة هى مشروع حياتهم من الاهتمام بهم دراسيا، وتوجيهم ومتابعتهم، وتحقيق أفضل النتائج عن طريقهم للاستفادة من هؤلاء الطلبة فيما بعد ويتم تقييم هؤلاء الأساتذة عن طريق ما تم إنجازه مع هذه المجموعات، ويحسب الإنجاز فى صالح ترقية المدرس المساعد والمدرس. كذلك تحفيز أعضاء هيئة التدريس بنشر أبحاثهم فى مجلات علمية عالمية، ورصد مبلغ مالى كبير لذلك، وكان لى أيضاً تجربة فى هذا الصدد بجامعة عين شمس، حيث قمت برفع الحافز المالى إلى مبلغ 50 ألف جنيه مصرى، مما كان له أثر كبير أدى إلى تقدم الجامعة فى الترتيب العالمى على الجامعات. أما عن التمويل اللازم للارتقاء بالعملية التعليمية خصوصاً فى هذه الظروف الاقتصادية، فهذا دور رجال الأعمال والمصانع والشركات الكبرى والجمعيات الأهلية، على أن يساهموا فى تحسين أحوال التعليم لتأهيل خريج يصلح لسوق العمل الداخلى والخارجى، وتشجيعا لذلك يمكن إطلاق أسماء هذه الجهات على مدرجات بالجامعة أو حتى مكان بالجامعة مثل مركز كبير أو شجرة قيمة تسمى باسمهم. ويمكن للبنوك الوطنية الكبرى أن تمول طلاب المراحل النهائية فى الكليات العملية بمبالغ تصلح لإتمام مشاريعهم بضمانة الجامعة. اقترح ألا يكون القبول فى الكليات المختلفة طبقا للتنسيق ودرجات النجاح فقط بل عن طريق إجراء اختبار قدرات ليتم تنقيح من يصلح لهذه الكلية أم لا، وهذا الإجراء سيعود بالنفع على الطالب لتوجيهه فى عراك الحياة حسب قدراته واحتياجاته واهتماماته. إن تنفيذ أى من هذه الإصلاحات لا يستوجب سوى وجود قيادات واعية ومنضبطة لها القدرة على الإبداع واستحداث أساليب جديدة لتطوير منظومة التعليم مؤقتاً، لحين تطبيق الدراسات بعيدة المدى، والتى تستلزم إرسال مسئولين بوزارة التربية والتعليم وكذلك من الجامعات لمدة سنتين لدراسة كيفية تطوير التعليم من البداية إلى التعليم الجامعى، وهذه الكوادر فى الخارج تكون قادرة على نقل وتنفيذ ما تم دراسته على مدار عدة سنوات، حتى نلمس هذا التطور، ويكون ماديا بإذن الله، وتكون مصر قد انتقلت من هذه الأزمة الاقتصادية التى تمر بها إلى انطلاقة فى الأحوال الاقتصادية بعد أن تكون البنية التحتية ومشروعات التنمية قد أتت ثمارها، ويكون بمقدورنا رصد مبالغ مالية تليق بانطلاق العجلة التعليمية.. والله الموفق.. وتحيا مصر. ------------------------ ** أستاذ جراحة الأوعية الدموية رئيس جامعة عين شمس الأسبق.