تتواصل معارك تحرير مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، مركز محافظة نينوى، الواقعة في شمال البلاد، لتطهيرها من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، حيث تعتبر آخر معاقل التنظيم. وفي الوقت الذي تأخذ فيه قوات الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات البيشمركة الكردية بالتعاون مع قوات التحالف الدولي المهمة على عاتقها، تقوم ميليشيات الحشد الشعبي (الشيعية) بعمليات إسناد لقوات الجيش، على أن تمثل ظهيرا للقوات النظامية دون أن تدخل المدينة خشية حدوث صراعات طائفية بينها وبين سكان الموصل من السنة كما حدث من قبل في محافظة الأنبار وغيرها من المناطق الأخرى. والسؤال الآن: ما مصير ميليشيات الحشد الشعبي بعد معركة تحرير الموصل من "داعش"؟ الإجابة البديهية تكمن في أن هذه الميليشيات طالما تشكلت في الأساس بهدف محاربة "داعش" والقضاء عليها، فمن الطبيعي أنه بالقضاء على هذا التنظيم الإرهابي تنتهي مهمة "الحشد الشعبي" ويتم حل هذه الميليشيات التي تشكلت بقرار حكومي فصارت شرعيتها من الحكومة ذاتها. وهنا يجب التذكير بأنه في العاشر من يونيو 2014 دخلت قوات "داعش" وسيطرت سيطرة كاملة على الموصل أصدر المرجع الشيعي على السيستاني فتوى تجيز حمل السلاح لكل من يجد في نفسه القدرة على محاربة تنظيم داعش والقضاء عليه. وعلى الفور استجاب عدد كبير من شيعة العراق على اختلاف مشاربهم لفتوى "السيستاني" وشكلوا مجموعات مسلحة من أهمها، منظمة بدر وكتائب حزب الله وأهل الحق (العصائب) ولواء أبوفضل العباس. ومن المعروف أن فصائل الحشد الشعبي تصنف إلى مجموعتين، الأولى وتسمى "حشد المرجعية" لارتباطها العقائدي بمرجعية على السيستاني في النجف، أما المجموعة الثانية فتسمى "الحشد الولائي" وذلك لارتباطها بالمرشد الأعلى لإيران على خامنئي. وحتى لا ينفلت عيار هذه الميليشيات التي تعمل خارج الشرطة والجيش قرر حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، بأن تتحول تلك المجموعات المسلحة في هيئة رسمية تابعة للقائد الأعلى للقوات المسلحة ووضعها تحت اسم "الحشد الشعبي"، فقد طالب "العبادي" فتح التسجيل للمقاتلين والذين يصل عددهم بحسب تقارير عراقية إلى 120 ألف مقاتل. ولكن هنا سؤال آخر: هل كل الفصائل الشيعية متفقة على وجود "الحشد الشعبي" بعد أن أضفت الحكومة الشرعية على تواجده؟.. هنا تتضح خيوط أكثر تعقيدا عندما نعرف أن القيادات الشيعية ذاتها (الدينية والسياسية) لا تتفق على وجود "الحشد الشعبي"، بل هناك تخوف من تغوله في الدولة على المستوى الشعبي والسياسي، وتخوفات أكبر من أن تفكر هذه الميليشيات المسلحة في السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد بعد الانتهاء من معركة تحرير الموصل من يد "داعش" بدلا من أن ينتهي أمرها. ونرى هنا أن زعيم ائتلاف دولة القانون، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي له نفوذ كبير في فصائل الحشد الشعبي وله تأثير سياسي كبير في تحويل اتجاههم السياسي صوبه وصوب ائتلافه في أي معارك سياسية مقبلة، بينما يوجه رجل الدين الشيعي مفتدى الصدر انتقادات لاذعة لفصائل الحشد الولائي الموالية لإيران وخاصة عصائب أهل الحق التي اعتاد وصفها ب"الميليشيات الوقحة"، وفي المقابل يحرص رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم على ذكر اسم "السيستاني" في كل إشارة منه إلى "الحشد الشعبي"؛ لتمييزه عن الحشد الولائي المرتبط بإيران. إذن ليست كل الفصائل الشيعية بأجنحتها الدينية والسياسية متفقة على تنامي الدور السياسي للحشد الشعبي فيما بعد مرحلة انتهاء حرب الموصل والقضاء نهائيا على تنظيم داعش، ومن المؤكد أن الطائفة السنية سترفض ذلك بالأساس. أيضا لا نغفل أن هناك مشكة تنظيمية أمام "الحشد الشعبي" في حال تفكيرهم في أن يكون لهم وجود قانوني يسمح بالمشاركة في الحياة السياسية بمختلف أنواعها، وهي أن وضعهم الحالي كميليشيات مسلحة تحت أمرة القائد الأعلى للقوات المسلحة تضعهم في مشكلة أمام مفوضية الانتخابات، حيث أن قيادات الحشد الشعبي لن يسمح لهم بالترشح في أي انتخابات قادمة، ولن يكن مسموحا لعناصر "الحشد" بالتصويت أيضا في أي انتخابات، ولكن قد يسمح بالتصويت لهم في عملية التصويت الخاص بالعسكريين وغالبا ما يتم قبل بدء التصويت بيوم أو يومين. وهنا مشكلة أخرى هي أنه من الممكن لعناصر الحشد التصويت مرة أخرى من خلال وجود أسماءهم بجداول الناخبين العموميين، وهنا من الممكن أن تحدث عملية تزوير هائلة من قبل أفراد الحشد الشعبي بتصويتهم مرتين من خلال التصويت العام والخاص، وذلك نظرا لافتقاد العراق قاعدة بيانات مطورة تمنع التصويت مرتين في مثل هذه الحالة. ومن هنا، وفي حال اتجاه التفكير الجدي لأن يتحول الحشد الشعبي إلى كيان سياسي يمكنه من الإمساك بمقاليد السلطة، ستحدث مواجهات سياسية وطائفية تأخذ شكلا أعنف في إحدى زوايا المشهد السياسي العراقي خلال الفترة اللاحقة لعملية تحرير الموصل والتي قد تمتد لمدى أطول من المتوقع.