يقف بند الأجور والرواتب في الموازنة العامة التونسية بمثابة حجر عثرة أمام الحكومة التونسية ويضعها بين سندان صندوق النقد الدولي وشروطه التي يصر فيها على تخفيض هذا البند في الموازنة العامة التونسية، ومطرقة اتحاد الشغل التونسي (النقابات) التي ترفض رفضا باتا اتخاذ الحكومة لأية خطوة في هذا الاتجاه ويكثف من بياناته الرسمية التي يحذر فيها من هذا الإجراء، مستندا في ذلك إلى ميثاق قرطاج الموقع في يوليو الماضي. وتتمثل الأزمة في أن بند الأجور أو الرواتب في الموازنة العامة التونسية قد تضاعف من 5 .6 مليار دينار قبل ثورة الياسيمن عام 2010 إلى 5. 13 مليار دينار العام الحالي 2016، وفي حال استمرار الزيادة السنوية في الرواتب فإن هذا الرقم سيصل إلى 5. 15 مليار دينار وهو ما ترغب الحكومة التونسية وبوتوصية من صندوق النقد في وقف زيادته. ويشكل بند الأجور في الموازنة العامة التونسية لعام 2016 نحو 45% من مصروفات الموزانة العامة للدولة بما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي لتونس، وهو ما يعتبره الصندوق أمرا مبالغ فيه، كما أن هناك مسئولين حكوميين حاليين وسابقين يرون ضرورة معالجة هذا البند في الموازنة العامة للدولة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها تونس. وشدد كبار مسئولي صندوق النقد الدولي مرار على ضرورة معالجة هذا البند في الموازنة العامة حتى تتمكن تونس من استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي الموقع مع الصندوق في إبريل الماضي وحتى يتاح لتونس الحصول على الدفعة الثانية من قرض الصندوق البالغ 9. 2 مليار دولار. وأخبر مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي مسعود أحمد، المسئولين التونسيين على هامش الاجتماعات السنوية للصندوق الأسبوع الماضي بأن هناك نقاطا معينة على تونس اتخاذ الإجراءات اللازمة في خصوصها في إطار استكمال إجراءات برنامج التعاون الذي تم الاتفاق عليه، أهمها ضرورة التحكم في بند الأجور التي تمثل 14% من الناتج المحلي الإجمالي بطريقة منصفة وعادلة. واعتبر المسئول الدولي بند الأجور لدى تونس مرتفعا للغاية مقارنة بما هو عليه في المنطقة التي تسجل هي في حد ذاتها نسبة أجور مرتفعة مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى في العالم، مؤكدا على ضرورة الوعي بتأثير هذا الوضع، الذي يتجلى حسب تقديره في عدم توفر موارد كافية للاستثمار وللبنية التحتية في تونس. وأضاف أن تونس تمر بصعوبات اقتصادية انعكست على النمو الذي سيكون ضعيفا بالنسبة للسنة الحالية ولن يتجاوز 5. 1 بالمائة، كما تواجه البلاد على حد تعبيره تحدي التعامل مع القضايا الأمنية والتي أثرت على قدرة تونس على تحفيز الاستثمار. وفي نفس الاتجاه، أكدت كريسين لاجارد مدير عام صندوق النقد الدولي، على ضرورة اتباع الحكومة التونسية إصلاحات هيكلية في المالية العامة على صعيد بند الأجور الذي ترىأانه مبالغ فيه ويعد الاعلى في المنطقة، داعية إلى ضرورة التقليص من الانفاق الحكومى وتوجيه ميزانية الدولة إلى التنمية. وحذر صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي من الأوضاع الاقتصادية في تونس رغم الإصلاحات الجيدة التي اتخذتها الحكومة متوقعا أن تصل نسبة العجز في الموازنة العامة التونسية هذا العام إلى 8 في المائة خلال السنة الحالية 2016، مقابل 5ر3 في المائة عام 2010. ورغم أن الحكومة التونسية ضيقت النطاق فيما يتعلق بباب التعيينات في القطاع العمومي منذ عام 2014، إلا أنه يبقى عدد 650 ألف موظف حكومي في البلاد ضخما مقارنة باحتياجاتها، ما دعا وزير الوظيفة العمومية والحوكمة التونسي عبيد البريكي للتصريح بأن نحو 130 ألف موظف من إجمالي الموظفين في تونس لا عمل لهم في المؤسسات الحكومية. وحذر رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد في جلسة منح حكومته الثقة أمام البرلمان التونسي نهاية أغسطس الماضي من أن البلاد ستكون مضطرة للدخول في سياسية تقشف وتسريح لعدد كبير من موظفي القطاع العام إذا ما تواصلت حالة الركود الاقتصادي وتوقفت عجلة الإنتاج والاستثمار. وأشار إلى أن معدل نسبة النمو في تونس خلال الخمس سنوات الماضية كانت في حدود 5ر1 في المائة، وهو ما أثر على نسبة التعيينات العمومية، لافتا إلى أن بند الأجور قد تضاعف بين عامي 2010 و2016 من 5. 6 مليار دينار إلى 7. 13 مليار دينار وقد أثر ذلك أيضا في الميزانية وزاد من عجزها. وقال إن مديونية الدولة وصلت إلى 56 مليار دينار العام الجاري، مقابل 25 مليار دينار سنة 2010، ما دفع تونس إلى التوجه إلى صندوق النقد الدولي لمساعدتها على تجاوز المرحلة الحرجة التي يعيشها الاقتصاد الوطني، والحصول على مساعدة الصندوق الدولي يتطلب إجراء إصلاحات جذرية وعميقة وموجعة للخروج من الأزمة. وأعلن رئيس الحكومة التونسية نهاية الشهر الماضي عن مقترح لتأجيل الزيادات السنوية في الرواتب لمدة عامين متتاليين 2017-2018 على أن تعود في 2019 في محاولة لتقليص عجز الموازنة، لكن على الجانب الآخر.. يقف اتحاد الشغل (اتحاد النقابات) التونسي أمام أي توجه للحكومة نحو وقف زيادات الرواتب. وقال محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري إن تونس تحرز تقدما كبيرا في مجال الإصلاحات الاقتصادية، لكن على صندوق النقد الدولي أن يكون أكثر مرونة في التعامل معنا، نظرا لأن لدينا حكومة جديدة وتحتاج إلى هامش من التحرك معترفا في الوقت نفسه بوجود بعض الصعوبات في تنفيذ بعض الإصلاحات. وأصدر اتحاد الشغل التونسي الذي يرأسه "الرجل القوى" حسين العباسي عدة بيانات وتصريحات على مدى الأيام الماضية أعلن فيها رفضه لهذا التوجه. وقال الاتحاد في بيان صدر اليوم الأربعاء "إننا على وعي كامل بصعوبة الوضع في البلاد، إلا أننا ندعو الحكومة إلى تنويع موارد الميزانية العمومية، وذلك من خلال مقاومة الفساد، والتهرب الضريبي والتهريب، والحرص على استخلاص الديون، وتوظيف الأداء على المواد غير الضرورية، والضغط على الأسعار بدلا من وقف زيادات الرواتب". وأكد الاتحاد أنه مع الاستقرار الاجتماعي الذي يتطلب الالتزام بوثيقة قرطاج وايفاء الحكومة بتعهداتها تجاه العاملين، مطالبا الحكومة بتقديم توضيحات إضافية بخصوص مقترح تأجيل الزيادة في أجور القطاع العام والإجراءات الجديدة في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2017.