جائزة نوبل فى الطب، كانت هذا العام من نصيب اليابانيّ «يوشينورى أوسومى»، تقديرًا لبحوثه فى «الالتهام الذاتىّ» (أوتوفاجى). عمليّة تجرى فى الخليّة لإعادة تدوير المكوّنات غير الضروريّة أو المعطوبة، بعزلها فى حويصلة غشائيّة تُحلّلها وتعيد تشكيلها. نجاح هذه العمليّة سلامة وحياة للجسم، وفشلها مرض أو ما هو أسوأ. على من يريد الطبّ أن يطلبه فى داره، فموضوعنا الطبّ السياسىّ. هنا للمسألة وجهان، أحدهما يبعث على القلق والآخر يحمل فى طيّاته الأمل. العالم العربيّ يحفظ بيت الطغرائيّ منذ قرون، ولم يتعلم منه استشراف المستقبل والاستعداد له: «وحسنُ ظَنِّكَ بالأيام مَعْجَزَةٌ... فظُنَّ شَرًّا وكنْ منها على وَجَلِ». القوى الكبرى تخطط لأطماعها بعلم وحنكة وبحوث ودراسات، وتسخّر لذلك مروحة صينيّة من العلوم والمعارف تستغل تراث الإنسانيّة الاستراتيجيّ فى كتاب «فن الحرب» للجنرال صن تزو الصينيّ، قبل خمسة وعشرين قرنًا، الذى يوصى فيه بأن أفضل السبل لتحقيق الانتصار على الخصم، هو ذلك الذى تجعله فيه يهزم نفسه بنفسه، من دون أن تُمنى بخسائر فى الأرواح والعتاد. هى ذى صورة من صور «الالتهام الذاتيّ» الذى التهم بلدانًا. لم تستطع مناعة الجسم العربيّ المكتسبة، أن تدرك أن المكوّنات المعطوبة فى الخليّة يجب عزلها فى حويصلة غشائيّة، وتحليلها بمحلول التنمية الاقتصادية ومحو الأميّة، وتطوير التعليم والبحث العلميّ، وإعادة تشكيلها، فظلت كل خليّة وكل نسيج وكل عضو، ترى نفسها بمنأى عمّا حدث لتلك الخليّة، فسرت العدوى التى خطّط المخططون لسريانها، وكانوا بما ستؤول إليه لعبة الدومينو خبراء منذ سنوات، وهذا العمود يكرّر أن المنطق الذى تتقنّع به المؤامرات سيدمّر العالم العربيّ. بعيدًا عن التهييج الإعلاميّ، الذى تدفعه العواطف الجيّاشة غيرة على الأوطان، ويختلط أحيانًا بسذاجة العنتريّات لدى بعض الفئات التى تجرّد العقل والمنهجيّة العلميّة والحسابات الدقيقة الرصينة، من دورها الأهمّ فى إدارة الأزمات، يجب النظر إلى «جاستا» كخطة سياسيّة اقتصاديّة، وحلقة جديدة من حلقات التآمر على العالم العربيّ. لا بدّ من حل المشكلات العربية بالسرعة القصوى، إذا ظل لدينا عقل يؤمن بأن هذه المعضلات لا يمكن أن تُحل فرادى، وإلاّ فإن «الالتهام الذاتيّ» المدبّر سيستمرّ وبيده معاول التدمير المتدحرج. عندما يفرّخ علماء الطبّ للأقوياء فيروسات فتّاكة، فمن غير المعقول أن يواجهها العرب بغير علوم وخطط مدروسة. لزوم ما يلزم: النتيجة الطبّيّة: علاج الداء الذى أدّى إلى تدمير خلايا الجسم، لا يكون إلاّ بإعادة بنائها. نقلًا عن «الخليج»