خلط الدعوي بالسياسي.. وتبنى خطاب النفور والتمايز مع الأقليات والاستعلاء على المرأة نعم إنه إسلام يوصف بأنه سلفى، له صفات مختلفة، وخطاب مغاير، ومن ناحية ما يطلقون عليه الأقرب للحق، أو تلك المعايير المتعلقة بالخطاب، والرسالة، والأدلجة العقدية، فإننا سنجد أنفسنا أمام إسلام السوق الشعبوى، أو إسلام الدعاة الجدد (السوبر ماركت)، أو السلفى، الذي يتفرع منه الداعشى المسلح، أو إسلام الكتاتيب والمساجد والجمعيات الدينية.. هذا على المستوى العام. الإسلام السلفى هو جزء من إسلام سنى، توقف فيه التطوير والتجديد، بسبب إغلاق باب الاجتهاد، وإهمال جانب الفقه السياسي الإسلامى، الذي يعانى منذ قرون من أزمة منهجية خانقة، تتجلى ملامحها في عجز الفقهاء عن صياغة «نظرية إسلامية واضحة المعالم في مجال السياسة والحكم»، إضافة إلى خلطهم بين المبادئ والتطبيق، وانشغالهم بتبرير الواقع والدفاع عن انحرافاته بدل التنظير لتغييره، لذا فقد وقع في جملة من الأخطاء المنهجية الكبرى، وفى أزمات متنوعة، من أهمها أزماته التي تتعلق بالخطاب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: خلط «الدعوي» ب«السياسي» تجلى خلط الدعوى بالسياسي عقب الثورة، في استفتاء 19 مارس الشهير، إبان حكم المجلس العسكري، كيف أطلقوا على هذا الاستفتاء «غزوة الصناديق»، ووقفوا على منابر المساجد للدعوة للتصويت ب«نعم»، أي لصالح الشريعة الإسلامية. في محطات مختلفة أضفوا البعد الدينى على الاستفتاء على دستور 2012، أثناء حكم جماعة الإخوان، واصطف التيار السلفى خلف حزب النور- الذراع السياسية للدعوة السلفية - وممثليه بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور، من أجل وضع مواد تتعلق بالشريعة الإسلامية، وأشهرها المادة 219 المفسرة للمادة الثانية من الدستور. وتولت قيادات حزب النور حمل راية التبرير الدينى للحفاظ على الهوية عبر المادة 219 من الدستور المعطل، وارتفعت حناجر الخطباء على المنابر لحث الناس على المشاركة باستفتاء 2012، والتصويت بنعم باعتبارها «طريق الجنة»، ثم بدأت تطفو على السطح مصطلحات سياسية بغلاف فقهى عقائدى، فسمعنا عن «المقاطعة الشرعية» لعدد من الاستفتاءات والاستحقاقات الانتخابية تزامنا مع ضرورة التصويت وحتميته ووجوبيته وما شابه، وهنا برزت فتاوى أبوإسحاق الحوينى، ومصطفى العدوى، وعبدالرحمن عبدالخالق، وغيرهم. «النفور والتمايز مع الأقليات» لدى التيار السلفى بالجملة تصور مشوش تجاه الأقباط، لم يراعوا فيه مطلقًا اختلاف الواقع والوقائع، خاصة في أوروبا، التي نظر فيها السلفيون لأصحاب الديانات الأخرى نظرة قاصرة، وحتى داخل مصر، فقد كانت الدعوة السلفية السكندرية بالقاهرة إحدى أهم السلفيات التي وقفت أدبياتها من الأقلية القبطية موقفًا معارضًا، عبرت عنها مقولات رموزها وآبائها المؤسسين بدقة، فالشيخ ياسر برهامى- نائب رئيس الدعوة السلفية - أكد في أكثر من موقف على أنه لا يجوز شرعًا تولى الأقباط المناصب السيادية في الدولة، فضلًا عن عدم قبوله كرئيس للدولة، لكونه لا يقبله الشرع أو الواقع وفق تصريحات الشيخ سامح عبدالحميد، القيادى بالدعوة أيضًا. ظلت مسألة تهنئة الأقباط محور جدل كبير داخل أروقة السلفيين، ولذا فنحن نشهد في كل مناسبة الفتاوى المكررة والمتتالية، حول عدم جواز تهنئة المسيحيين بعيد القيامة، لكونه أمرًا يخالف الدين، ورغم أنهم رشحوا عددًا من الأقباط في قوائمهم، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا. «الاستعلاء على المرأة» في الحقيقة فقد تطور التيار السلفى السكندرى في هذا الأمر قليلًا، ورشح على قوائمه، عددا من السيدات، إلا أننى أرى أنه كان مضطرا إلى ذلك اضطرارًا بسبب القانون، وقد تم التنفيذ بفعل الضرورات، لكن اعتقادهم لا يزال كما هو، أن للمرأة وضعا خاصا داخل الإسلام، لا يسمح بكونها تترشح للرئاسة، وأن لها مهمات خاصة تتبلور وتتلخص داخل إطار «التنشئة والأمومة»، وقد أمعنوا في إصدار فتاوى غريبة، تخص هذا الشأن. وأصدر الشيخ السلفى المصرى الشهير أبوإسحاق الحوينى فتوى شبه فيها وجه المرأة بفرجها، في إشارة منه إلى وجوب ارتداء النساء للنقاب فضلا عن بعض الرؤى السلفية الكلاسيكية التي ظلت لعقود تتمحور حول أن صوت المرأة عورة. أزمة الجماعة وتطبيق الحزب رغم أن قيادات الجماعة السلفية كانت تريد أن تظل القيادات الدعوية بعيدة عن المستنقع السياسي حتى لا تنشغل الجماعة بالسياسي على حساب الدعوى، فإنها انشغلت بالفعل. وبدا واضحا أن إشكالية «نظرية» الجماعة مع «تطبيق» الحزب، وقعت بالفعل، والغريب أن برهامى على الموقع الرسمى للدعوة السلفية هاجم في تسجيل صوتى الاستبداد في الحزب، رغم أنه هو ذاته سيطر على كل أطر الحزب، وأمسك بكل ما في هيكله الإدارى، رغم أنه نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية. هنا في الحقيقة خلط تام بين الحزبيين والدعويين، فكلاهما ينظر للآخر على أنه منقوص، وأن الدعوى لا يفهم في السياسة، وأن الحزبى قد تخلى تربويًا عن دعوته، وبدا ذلك في أزمة نادر بكار الذي تعرض للنقد لحد التجريح، عقب المنحة التعليمية التي جاءته من جامعة هارفارد، وكان يبدو على أنه تخلى عن بعض شعيرات من ذقنه. «الموقف من داعش والقاعدة» أما بخصوص الموقف من الجهاد، فقد وضع برهامى عددًا من الضوابط المهمة على مفهوم الجهاد وأشكاله، إذ يرفض بداية اعتبار الخروج على الحاكم هو الشكل الوحيد للجهاد، فيتساءل «هل الجهاد هو الخروج على الحكام فقط؟»، رافضا توحيد الجهاديين بين الجهاد والخروج على الحكام، بل بين التوحيد والجهاد نفسه كدلالة عليه، أو أن الثانى تمام الأول وفق مفهوم الولاء والبراء. كما يرفض اختزال الجماعات الجهادية له في القتال، ولكن المفاجأة بعد الثورة كانت في الموقف من مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في 2 مايو سنة 2011 حيث شاهدنا ياسر برهامى، وهو أحد أكابر الدعوة السلفية في الإسكندرية، يرثى بن لادن، مهنئا إياه بالشهادة، ومؤكدا على أن الحرب الأمريكية في أفغانستان هي حرب صليبية، وهو الموقف الذي خالف فيه كل شيوخ ومرجعيات السلفية خارج مصر، بل سوابق الدعوة السلفية المصرية ذاتها وسابق انتقاداتها للقاعدة. محاكاة الإخوان رغم أن السلفيين يؤكدون أن رؤية الإخوان للدين خطر عليهم، لأن فكر (الإخوان) هو فكر مختلف أصوليًا وفرعيًا عن فكر (السلفيين) والعكس صحيح، ويصل ذلك في أحيان كثيرة إلى الهدى الظاهر، أو الصورة العامة لكل من السلفيين والإخوان التي تصبح مناط نقد دئم لكلا الطرفين مثل اللحية والنقاب.. إلخ، فإنهم ما دخلت جماعة الإخوان جحر ضب إلا دخلوه، وقلدوها في كل شيء، في منافسة حقيقية لتسيد المشهد. المركزية التنظيمية هي التي جعلت كلا من الحركتين مرجعية تنظيمية تقرر أساليب وطرق العمل الدعوى بناءً على وسائل متعددة تتراوح بين القرار الفردى كما هو الحال في الدعوة السلفية إلى الشورى المقيدة عند الإخوان، جعلت هناك حالة فصام عانى منه كلا الفريقين، لتظهر الخلافات في أداء السلفيين والإخوان قبل ثورة 25 يناير، وقبل أول انتخابات برلمانية، وحتى الانتخابات البرلمانية التي تمت في عهد الرئيس السيسى، وانتقدها عناصر الجماعة. «لا جديد أو تحولات» الأهم في المسألة أنه لا تحولات تذكر في مواقف المدرسة السلفية العقدية والفقهية، والدليل هو عدم وجود فروق بين موقع أنا السلفى، وموقع صوت السلف قبل الثورة، وبعدها، فلا توجد أي فروق تذكر بين السلفيين قبل ثورة يناير، ثم 3/7، والسلفيين في عهد السيسى، كما لم تحدث تحولات تذكر في ملامح السلفيين العامة، كتكفير الأنظمة، والتقارب بين السُّنَّة والشيعة، وكذلك من الناحية الفقهية، كحلق اللحية، والموسيقى، أو الناحية الفكرية، كالموقف من العَلْمانية، والليبراليين، أو من الناحية الدعوية، كالعمل الجماعى، والعنف، وكلها تغيرات لم تحدث سواء على المستوى الشخصى أو على مستوى التيار ككل. «أزمة التعامل مع السلطة» وتعتبر هذه الأزمة، هي أكبر الأزمات التي تواجه السلفيين، فهم في البداية ينظرون لها فقهيًا، على أن أهل الحديث لا يجوز لهم الخروج على الحكام الظلمة، بسبب المفسدة التي تحصل، ومن هنا فهم ينطلقون من موقف عقدى، يفضى إلى الصبر على جور الحكام، والسير في دائرتهم ما دامت الضرورات تفرض ذلك، ثم ينظرونها سياسيًا، فالتيار على المجمل لا يستطيع المواجهة. الخلاصة، سيظل التيار السلفى متمحورًا حول ذاته، ينقصه الكثير، لأنه في حاجة ماسة إلى مراجعات حقيقية تتعلق، بالثوابت والمتغيرات، كما تتعلق بالمناهج والإستراتيجيات، والحساب بدقة لكل الظروف المحيطة.