نزلوا بلحى مخضبة بحناء يمنية حمراء من فوق مقاعد اسفنجية وثيرة.. تتصاعد من حولهم أعمدة البخور ويحفهم تلاميذهم بنظرات مقدسة. فقرروا ممارسة السياسة وإنشاء حزب سياسي. ظن الكثيرون أن إقبالهم على السياسة من «بوابة الديمقراطية» ربما يكون من مراجعة لموقف متشدد منها، أو تغير أصاب منهجهم في تكفير البرلمانات والديمقراطية والأحزاب. ودعاهم إلى ولوج عالم السياسة من حيث كانوا يبغضون، لكن وكما اتضح لم تكن تغيرات في المنهج، بل كانت مناورات مع الواقع. ربما لا يعرف الكثيرون أن شيوخ الدعوة السلفية كان لهم تنظيم سري، وأمير مطاع له بيعة، أو أنهم لا يعرفون أن «برهامي» كان يعتبر جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية لهما وسائل مشروعة للتغيير أو أن أيمن الظواهرى نفسه أثنى عليه وعلى شيوخ دعوتهم معتبرًا أنهم من الإعلام الصادقين. تكفيريون بمعنى الكلمة.. فإذا بهم ينجون من ثورة التطهير في يونيو.. ويكونون بديلا عن تنظيم الإخوان حتى تعاد الكرة مرة أخرى. وكأن الدولة المصرية كتب عليها أن تظل التنظيمات الظلامية سدًا منيعًا في طريق تقدمها ونهضتها. لم تبدل الدعوة السلفية في مناهجها قيد أنملة، ولم تعترف بالدولة المصرية كدولة إسلامية، لكنها فقط، تعاملت مع الواقع إلى حين تغييره كما فعل الإخوان بالأمس. «التنظيم السرى» للدعوة السلفية في مواجهة ما بعد الشتات طالما حاول زعماء الدعوة السلفية في الإسكندرية الإيحاء بأنها تيار دعوي لا يقوم على أساس تنظيمى، ولا يعتمد على التسلسل القيادى والرتب التنظيمية في حين أنها - واقعيا - تشكل كيانا تنظيميًا يقترب لحد كبير من شكل الكيان التنظيمى لجماعة الإخوان. تاريخيا قد تبرز بشكل واضح محاولات تأطير وتنظيم الدعوة السلفية منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضى، عندما برزت الصراعات بين رموز الدعوة السلفية في الإسكندرية وبين أعضاء «الإخوان» في إطار الصراع على ضم الطلاب والسيطرة على المساجد. وبلغ الصدام ذروته عام 1980، وعلى أثره قرر السلفيون العمل بطريقة منظمة، فكونوا ما يشبه اتحاد الدعاة. ثم أطلقوا على أنفسهم بعد ذلك اسم «المدرسة السلفية» وأصبح محمد عبدالفتاح «أبو إدريس» قيَم هذه المدرسة أسوة بالمدارس العلمية التي كانت قائمة في عصور الازدهار في التاريخ الإسلامى. ورفضوا مصطلح الأمير باعتبار أنه يقتصر على إمارة الدولة.. وبعد عدة سنوات من العمل الجماهيرى.. أطلقوا على تنظيمهم «الدعوة السلفية»، خصوصا بعد انتشارهم في عدد من محافظات مصر، واشتهروا بمسمى «سلفيو الإسكندرية». وفى مطلع التسعينيات، بزغ نجم ياسر برهامى، وبات أحد أهم شيوخ الدعوة في الإسكندرية، مع أنه يعد من الصف الثانى الذي لحق بالدعوة بعد تأسيسها أواخر السبعينيات، واستطاع ومعه عدد من الشيوخ إقناع زعماء الدعوة بإنشاء تنظيم سلفى سرى، لا يخضع لسلطان الدولة التي رأوا أنها لا تقيم الشريعة الإسلامية ومن ثم فلا يجوز العمل الجماعى المنظم تحت إشرافها. وشرع «الإسكندريون» في تكوين تنظيم له فروع في عدد من المحافظات ولكل فرع مسئول، ومجلس إدارة ومجلس شورى، ويترأس هذا التنظيم أمير أطلقوا عليه «القيم» حتى يفرقوا بينه وبين «أمير الدولة» الشرعى الذي له ولاية عامة، وينتخب عن طريق أهل الحل والعقد. ووصف «برهامى» هذا التنظيم ب«أنه كان له آلية ونظاما صارما». وعندما أخذ هذا التنظيم في التوسع، اكتشفته الأجهزة الأمنية وألقت القبض على قياداته وعلى رأسهم «برهامى» وزج بهم في السجون. لكن هذه القيادات وافقت على قبول تفكيك «التنظيم»، والكشف عن عناصره مقابل الإفراج عنهم والتعهد بعدم العودة إلى إعادة تشكيله مرة أخرى. وبعدها وضعت الأجهزة الأمنية قيودًا على تحركات هؤلاء الشيوخ وحاولت حصر نشاطهم في الإسكندرية وكفر الشيخ دون غيرها من المحافظات، إلا أنهم أبقوا على التنظيم في وضعية شبه علنية محتفظين بهامش من السرية وقدر من التنظيم. وحاول السلفيون «الإسكندريون» أن يسيروا على خطى الإخوان والجماعات الإسلامية المسلحة، في تأسيس تنظيمهم، فآمنوا بالعمل الجماعى التنظيمى الذي له أمير يطاع وله بيعة، ويتبعه مسئولون عن إدارة التنظيم. وحاولت القيادات السلفية في الإسكندرية تبرير وشرعنة العمل «التنظيمى» في محاولة منها لصد الهجوم عليها من السلفيين الذين يحاربون الأفكار القطبية والتنظيمات السرية بحجة أنها مبتدعة في الدين. ودفعت تلك القيادات حينها بحجج تقول إن العمل التنظيمى الذي يتمتع بوحدتى «القيادة والمنهج» يعصمها من انزلاق أعضائها في صفوف تشكيلات وتنظيمات وخلايا جهادية، كما أن خصائص التنظيم الذي تتمتع به تلك الجماعة يجعلها أكثر تحصينا في وجه الاختراقات وقدرة على فرز المنتمين إليها. وبعد ثورة يناير وترنح الجهاز الأمنى، راودهم حلم إعادة إحياء التنظيم مرة أخرى، وطافت رموز الجماعة أقاليم الجمهورية ومدنها بعد أن أدهشتها مدى انتشارها ووجود أنصار لها لم تكن تعرفهم ولا تدرك حجم تأييدهم ولا أعدادهم إلا أن شبكة الإنترنت ساعدت على انتشار محاضراتها وخطبها عبر مواقعها ومنتدياتها الإلكترونية التي أقبل عليها أنصار التيار السلفى لتلقى دروس الوعظ والفقه من خلالها. وبعد أن دبت الخلافات بين قيادات التيار السلفى خلال الأعوام الماضية، وضربت التصدعات حزب النور السلفى، بعد محاولات الاختراق الإخوانية لهذا الكيان، خصوصًا وأنهم رأوا فيه خطرًا يتهددهم، وتسرب عدد كبير من أبناء التيار السلفى من صفوف الدعوة السلفية بالإسكندرية، وانحازوا لتيار السلفية الحركية في القاهرة الذي يتزعمه محمد عبدالمقصود. أو للحركات المؤيدة لحازم صلاح أبوإسماعيل أو للجبهة السلفية وما سمى ب«ثوار مسلمون» و«أحرار». وبعد ثورة 30 يونيو بقى للدعوة السلفية ما سمى بالأتباع المخلصين ومن نجحت في احتوائهم من أنصار محسوبين على التيار السلفى بشكل عام، لكن المشكلة التي واجهت «التنظيم» تمثلت في أن الأنصار الجدد الذين لم يعتادوا العمل الجماعى التنظيمى بمبدأ السمع والطاعة الذي حاول «برهامى» فرضه عليهم بعد إقناعهم بشرعيته، فبدأ صراع جديد يظهر بتمرد عدد كبير من هؤلاء «المنضمين الجدد» على برهامى والجماعة وحزبها. ليس للمسيحى أن يكون محافظا أو عضوا في البرلمان.. والمرأة مكانها البيت وتربية الأطفال ولا تجوز لها مناصب سياسية ليس للمواطنة عند السلفيين وجود على جدول أعمال القبول ومن باب التقية، فالرفض واضح وصادم، تعززه فتاوى لرموز الدعوة السلفية بعدم جواز مجرد تهنئة الأقباط بأعيادهم، وما ينسحب من تشدد في هذا السياق يطال أيضًا موقفهم من ولاية الأقباط حتى لمنصب المحافظ.. يدلل على ذلك إجابة ياسر برهامى القاطعة على سؤال يقول: هل منصب «المحافظ» من مواقع «الولاية» التي يشترط أن يتولاها مسلم دون غيره أم أنها من أعمال الإدارة التي يمكن أن يقوم بها غير المسلم؟ فكانت رؤية برهامى في إجابته قاطعة بقوله: إن الظاهر من صلاحيات في النظام المصرى أنها ولاية، لأن له اختصاصات رئيس الجمهورية في حدود محافظته في أمور كثيرة. هكذا حسم الرجل الأمر رافضًا القبول بتولى الأقباط لمنصب المحافظ. كما رفضت الدعوة السلفية أيضًا وضع كوتة للمرأة في انتخابات مجلس الشعب، معلنة موقفها الرافض لذلك، سواء فيما يتعلق بالمرأة والأقباط وغيرهما، وبذل كل جهد لإبطال هذه الكوتة المخالفة للشرع والدستور. وبعدها سأل أحد أتباع الدعوة السلفية الشيخ برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، ما موقف الدعوة السلفية من إصرار الإخوان المسلمين على كوتة المرأة والأقباط في قانون انتخابات مجلس الشعب القادم؟ فأجاب في فتوى على موقع صوت السلف، الناطق باسم الدعوة السلفية: «إنه ليس من حق أحد أن يفرض علينا ترتيبا معينا داخل القائمة، ولا حتى الإلزام بوجود امرأة داخل كل قائمة، حيث إن هناك اختلافا على اعتبار عضوية المجالس النيابية ولاية عامة أم لا؟ وهى مسألة اجتهادية، وأنا شخصيًا أميل إلى اعتبارها ولاية. إضافة إلى ذلك أيضا، وقفت الدعوة السلفية وذراعها السياسية «حزب النور» موقفا متشددا من الأقباط، وأصدرت عددًا من الفتاوى التي تحرم تهنئتهم بأعيادهم. واستند «برهامى» وهو ممن تصدوا للفتوى في ذلك، إلى آراء ابن القيم، وافتى بحرمة ذلك مؤكدًا أن: «ذلك حرام بالاتفاق»، وقال: «فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب». وأضاف برهامى في فتواه: «على أي حال التهنئة بذلك والاحتفال به من البدع الضلالات، ولا يجوز تخصيص هذا اليوم بشيء، لا بعبادة كما يفعل البعض زعمًا للمخالفة، ولا بغير العبادة كما يفعل الفسقة والفجرة من اللهو المحرم وشرب الخمر واختلاط الرجال بالنساء، خصوصًا عند لحظة بداية السنة، مع إطفاء الأنوار، واختلاط الحابل بالنابل، وكسر الزجاجات، وغير ذلك من الفساد والمنكر. أما عن موقف رموز الدعوة السلفية من المرأة وتعليمها، فيقول برهامى: «إنى أفضل للأخوات الملتزمات عدم استكمال الدراسة، لما في المدارس والجامعات من اختلاط يفقد المرأة حياءها في الأغلب، فأنا أختار لها - إن هي وافقت - البقاءَ بالمنزل». ويضيف: أنا في الحقيقة لست ضد تعليم البنات، ولكنى أرى الثمرة ضعيفة جدًا، والثمنَ باهظا، ويمكن تحصيل المطلوب بالمنزل، مع اختيار الأصلح من العلوم بدلا من علوم أكثرها لا ينفع، وإنما يتعلمن لأجل الشهادات التي يحتجنها لا للعمل، بل للزواج نتيجة للأعراف الاجتماعية، ونسبة ضئيلة هي التي تستطيع أن تخدم المجتمع بضوابط شرعية، وهى موجودة - بحمد الله - كالطبيبة المسلمة، والمعلمة المسلمة». وعندما قرر «حزب النور» قبول ترشح امرأة على قوائمه، وتعرضه بعدها لهجوم عدد من شيوخ السلفية الذين يحرمون ذلك. قال برهامي: «نحن وضعنا المرأة في ذيل القائمة، وهذا يعنى أنها لن تنجح على أي حال. فلا مبرر لكل هذه الجلبة». الظواهرى لشيوخ الإسكندرية: ميادين الجهاد «اشتاقت» لكم.... و«برهامى» يرد: نحن نربى ونعلم وأنتم تجاهدون في كتابه «فقه الخلاف»، الذي كتبه في أوائل الثمانينات اعتبر منظر «الدعوة السلفية» الشيخ ياسر برهامى أن منهجى الجماعة الإسلامية والجهاد مشروعان للتغيير. وبحسب قوله: «نحن (السلفيون) نعلم ونربى وأنتم (الجهاديون) تشتغلون في مسألة التغيير بالقوة».. لكنه كان يرى أن هناك مفاسد في أعمال الجهاديين، إلا أن الخلاف بينهم هو خلاف تنوع وأن الطرق الأخرى للتغيير طرق مشروعة ما أدى بتيارات سلفية أخرى إلى القول بأن شيوخ الدعوة السلفية خرجوا عن الخط الفكرى والعقائدى لمنهج الشيخ الألبانى الذي لا يرى منهجا سلفيا صحيحا للتغيير سوى منهج التصفية والتربية. الرجل الأول في تنظيم القاعدة «أيمن الظواهرى» أجاب عن سؤال عن موقفه من سلفيى الإسكندرية ومشايخهم ياسر برهامى وسعيد عبدالعظيم ومحمد إسماعيل المقدم، وهل الخلاف معهم من الخلاف السائغ؟ قائلا في شريط صوتى محمّل على موقع اليوتيوب: «موقفنا من الدعوة السلفية ومن إعلامها الصادقين هو الحب والتقدير والاحترام». ثم استطرد الظواهرى على الفور بجملة ذات دلالة واضحة: «ونحن اشتقنا لهم واشتاقت لهم ميادين الجهاد، يعلمون إخوانهم ويقودون سراياهم ويدكون حصون أعداءهم ويرفعون لواء الجهاد الذي صار عينيا في داخل بلادهم وخارجها». وهناك شعرة دقيقة، هي التي تفصل منهج الجماعة السلفية «السكندرية» عن منهج سلفية القاعدة، فالإسكندريون كما الجهاديون يؤمنون بعقيدة الحاكمية، التي هي من أخص خصائص توحيد الألوهية، وبعدم إسلامية الدولة المصرية القائمة، ويؤمنون بكفر حاكمها كفرا حكميا لا عينيا، طالما أنه لا يطبق شرع الله، كما يكفَرون المجالس التشريعية. ويؤمنون بالعمل الجماعى التنظيمى وبسرية الدعوة إذا كانت هناك حاجة تدعو إلى ذلك، وأيضا بوجوب البيعة لأمير مطاع كنتيجة طبيعية لعدم اعترافهم بأمير مسلم. ومع ذلك ترفض هذه الجماعة إعلان الجهاد وإقامة الدولة الإسلامية دون المرور بمراحل الجهاد المختلفة، وأولاها الدعوة إلى الله وإقامة الحجة. كما أنها لا تؤمن بجاهلية المجتمعات وتتبنى إستراتيجية التغيير القاعدى وعدم الاصطدام بالحكومات. في بحثه «السلفية ومناهج التغيير» تعرض «برهامى» إلى وسائل التغيير عند التيارات السلفية الأخرى، وخلص في النهاية إلى أن التغيير من خلال الانتخابات البرلمانية مخالف لشريعة الله، فالتشريع حق خالص من حقوق الله، والقوانين الوضعية مخالفة للشريعة الإسلامية، وكل ما يخالف الشريعة فهو باطل، والحكم بغير ما انزل الله سبب يوجب غضب الله وينزل مقته وعقابه والنظام الشرعى المخالف لتشريع الله تحكيمه كفر، والشورى في الإسلام ليست الشورى في النظام الديمقراطى، كما لا يجوز شرعا عرض الشريعة على الأفراد ليقولوا أتطبق أم لا، والمجالس التشريعية التي تسن قوانين مخالفة للشريعة يلزمون بها العباد مجالس كفرية، والأحزاب التي تقوم على مبادئ العلمانية والديمقراطية والاشتراكية والشيوعية وغيرها من المبادئ الوضعية كلها من العصبية الجاهلية والولاء للكافرين والمنافقين مما يستوجب على كل مسلم رده وهجره ومحاربته والتبرؤ منه. أما المؤهلون لتحقيق التغيير المنشود وإقامة الحق على صورته الكاملة وعودة الخلافة على منهج النبوة فهم كما يرى برهامى «طائفة أهل السنة والجماعة». مناورة بعقيدة تعتبر «المدنية» كفرًا حسمت الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب «النور»، الموقف بشأن الدولة المدنية مبكرًا، حينما كشفت بوضوح منذ نشأتها وإلى أن أنشأت حزبها السياسي، أنها لا تؤمن بمصطلح الدولة المدنية وأنها تعتبره مفهوما دخيلا على الإسلام، مشددة على أن الدولة الإسلامية «دولة دينية» وفق فهم الإسلام وأحكامه، يحكم الشعب فيها نفسه بنفسه وفق شرع الله تعالى، يهتدى بهديه، ويمتثل بتوجيهاته، ويلتزم بما يمليه عليه. وذلك بحسب مقال نشره موقع الدعوة الرسمى «صوت السلف». في مقالة كتبها علاء بكر، وهو أحد منظرى الدعوة، بعنوان «الفرقان بين المدنية والثيوقراطية» جاء فيه: أن «الدولة الإسلامية» ليست دولة «مدنية»، ف«الدولة المدنية» دولة علمانية تفصل بين الدين - أي دين - والسياسة، ولا تلتزم بأحكام الدين - أي دين - وتشريعاته. وتابع الكاتب قائلا: «الدولة المدنية دولة ديمقراطية تعطى الشعب الحق أن يحكم نفسه بنفسه، بما يرى فيه مصلحته دون التقيد بشرع الله تعالى، وهذا ينافى الدولة الإسلامية الملتزمة بأحكام الدين وتشريعاته» كما استنكر الكاتب أن يقال على الدولة الإسلامية: «هي دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية»، معتبرا أن ذلك تناقض واضح. كما أشار بكر في مقاله إلى أن تقييد «الدولة المدنية» بكونها ذات مرجعية إسلامية يعنى: أن الدولة المدنية تتصف بكونها ليست دينية، وليست إسلامية، وأن تقيدها بهذا القيد يكفى لرفض مصطلح: «الدولة المدنية»، لأنه مجرد محاولة للتوفيق بيْن متناقضين دون النظر في سبب هذا التناقض والتعارض». وذهب «بكر» إلى أن البعض تمادى زاعمًا أنه لا فرق بين «الدولة المدنية» و«الدولة الإسلامية»، من باب: أن السلطة في «الدولة الإسلامية» للشعب، فهو الذي يختار الإمام ويبايعه، والإمام ملزم بالشورى، وهو وكيل عن الأمة في إقامة الدين وسياسة الدنيا به، والأمة لها الحق في مراقبته ومحاسبته متمثلة في أهل الحل والعقد. معتبرا أن هذا الفهم مغلوط تماما. مضيفا: «إن هذا الفهم هو قفز فوق الحواجز لا يجدي، فأصحاب «الدولة المدنية» يريدونها تنكر حق الله تعالى في التشريع وتعطيه للناس فيما بينهم، فهى عندهم دولة لا دينية صراحة، وذلك باسم «العلمانية»، و«المساواة»، و«المواطنة»، ومراعاة الأقليات.. إلخ. وأضاف: كما أن المسلمين لا يعرفون في فهمهم ومصطلحاتهم الإسلامية كلمة «الدولة المدنية»، ولا يقرونه بهذا الفهم الغربي، فكيف يقال: إن «الدولة المدنية» هي نفسها «الدولة الإسلامية»!. من النسخة الورقية