استنكر مجلس إدارة الدعوة السلفية الدعاوى القائمة بشأن ما يُسمى بتظاهرات 28 نوفمبر والتي دعت لها مجموعة من المنتمين لتحالف دعم الشرعية باسم "الجبهة السلفية".. ودعت "الدعوة السلفية بمصر" ومقرها الرئيسي بالإسكندرية المصريين لعدم الانسياق وراء هذه الدعاوى الباطلة التي هدفها إنهاك الوطن. ونشرت الدعوة بيانا قامت بتوضيح أصل أفكار ما يُسمون أنفسهم "الجبهة السلفية" بأنهم في الحقيقة ينتمون للفكر القطبي التكفيري الذي أسسه الراحل سيد قطب، لذا ذكر البيان أنهم في الحقيقة "جبهة قطبية" وليسوا جبهة سلفية كما يدعون... وهو الأمر الذي أثار تساؤلا حول تقسيمات الدعوات السلفية في مصر. ممدوح الشيخ الكاتب والخبير بشئون الحركات الإسلامية يرى أنه رغم الإقرار بحقيقه أن السلفية المعاصرة فى مصر يقارب عمرها قرنا من الزمان، إلا أن الاهتمام بها على النحو الذى تشهده الأوساط العامة السياسية والإعلامية ارتبط بشكل مباشر بثورة الخامس والعشرين من يناير. وقد تراوحت مواقف السلفيين بين صمت مريب أثنائها وبين مشاركة فريق منهم فيها وسط جدل حول مشروعيتها. وكان افتقار مواقف السلفيين فى مصر إجمالا للرؤية السياسية والإستراتيجية للأحداث انعكاسا لحقيقة أن الظاهرة السلفية هى فى الحقيقة مظلة تنضوى تحتها تيارات وحركات مختلفة. وأضاف الشيخ أن السلفيين طائفة حركات وتيارات يدعون إلى مجموعة من الأفكار محورها المناداة بالعودة إلى " خير القرون"، مشيرا إلى أن هذه الحركات أصبحت معقدة ومتنوعة الأفكار والرؤى إلى الحد الذى بات معه من الصعوبة الإحاطة الدقيقة بكل مكونات المواقف السلفية، والوقوف على أفكارها ورموزها، واتجاهاتها وقواها، وبالذات بعد الثوره تباين فيها السلفيون تماما . والبعض قام بإبهام أجهزة الأمن فى عهد مبارك بالوقوف وراء انتشار التيار السلفى كى يصنع توازنا مع الإخوان، وعن طريق القنوات الفضائية تم السماح للسلفيين بالتمدد فى المجتمع لأنهم أقل حدة، ولأنهم يعتمدون خطابا يركز على المظاهر الدينية. ويتوزع المعسكر السلفى إلى عديد من الاتجاهات يصل الاختلاف بينها إلى حد التناقض، فجماعة "أنصار السنة المحمدية"، ترى أن النظام الديمقراطى نظام كافر، لكن الانتخابات بالترشيح ومزاحمة أهل الديمقراطية لتقليل شرهم جائز، وترى شرعية العمل الجماعى، ولا تقر التحزب لغير السنة والجماعة، ومثلها الجمعية الشرعية، التى يصل أتباعها لمئات الآلاف، وهذه "سلفية علمية" تؤمن بالعمل الجماعى التنظيمى ولكنها ترفض العمل من داخل مؤسسات الدولة التى تعتبرها غير إسلامية، ولذا أنشأت تنظيما كاملا له فروع ومسئولون، وذو آلية ونظام صارم، بقيادة محمد عبدالفتاح أبو إدريس ( قيِّم الدعوة السلفية) وسعيد عبدالعظيم ( المشرف على المجلس التنفيذى للدعوة السلفية)، ومعظم المشايخ الذين كانوا يظهرون على الفضائيات يتبعون هذا التيار، وبعض المراقبين يعتبرون الأهم "السلفيين الحركيين" الذين يرفضون تكوين جماعة خاصة، لكنهم يشجعون أتباعهم على التعاون مع جميع الجماعات العاملة حتى تنظيم القاعدة، حتى إن عدة مجموعات مسلحة تم القبض عليها فى مصر اعترفت فى التحقيقات أنهم كانوا من تلاميذ محمد عبدالمقصود وفوزى السعيد شيخى هذا الفصيل. وهناك تيار آخر قد يتناقض مع الجميع، وهو التيار المدخلى بقيادة أسامة القوصى ومحمود عامر الذى كان قد أفتى بجواز قتل محمد البرادعى، حيث يرى عدم الخروج على الحاكم المسلم، وإن كان فاسقاً ، لكن الغريب أن أسامة القوصى بعد ثورة يناير أجاز المظاهرات واعتذر لشباب الثورة. وهكذا نجد أنفسنا أمام سلفيات كثيرة منها من يتحالف مع الأنظمة، وهى السلفية التقليدية والمدخلية وأخرى ترفضها بل ربما تكفرها كالسلفية الجهادية، وكذلك موقفها من السياسية ليس على نهج واحد. ويصعب القول بأن هذه الجماعات تمتلك أى مشروع أو رؤية سياسية. وعن خريطة الحركات السلفية وأهم تكوينات الحركة السلفية فيمكن تقسيمها إلى: الدعوة السلفية بالإسكندرية نشأت الدعوة السلفية بالإسكندرية فى سبعينيات القرن الماضى عندما بلغ النشاط الطلابى فى الجامعات ذروته، وظهر ما وصف بالصحوة الإسلامية على يد ما كان يُعرف بالجماعة الإسلامية، التى ذهب معظمها للانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن مجموعة من هؤلاء الطلبة فى جامعة الإسكندرية على رأسهم "محمد إسماعيل المقدم" رفضوا الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين متأثرين حينها بالمنهج السلفى القادم من الجزيرة العربية، وذهبوا ليكونوا نواة لدعوة سلفية أخذت فى النمو بعد انسحاب الطلاب المتأثرين بالمنهج السلفى من الدعوة السلفية. ويمكننا أن نطلق على هذا الفصيل السلفى وصف "السلفية العلمية أوالألبانية " حيث إن عددا من رموزها يميلون لفكر الشيخ الألبانى مثل الشيخ أبى إسحاق الحوينى وياسر برهامى والشيخ محمد حسين يعقوب . والشائع عن هؤلاء السلفيين أنهم يتبنون إستراتيجية لتغيير المجتمع تمر بأربع مراحل. التصفية: أى تصفية عقائد المسلمين من كل ما يعتبرونه مخالفة شرعية، وإقناعهم بالمذهب السلفى فى الحياة. التربية: وتهدف هذه المرحلة إلى جعل الفرد سلفياً صالحاً. المفاصلة: حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله، وينذرون الحكام وأعوانهم بالرجوع عن باطلهم وإلا سيواجهون جهاداً إسلامياً من أهل الحق. الجهاد: وهو فى حالة إذا ما رفض الحكام الالتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق فحينئذ يجاهدهم أهل الحق. السلفية الحركية فى الوقت ذاته الذى نشأت فيه الدعوة السلفية فى الإسكندرية كان هناك فى حى شبرا فى القاهرة مجموعة من الشباب شكلت تياراً آخر، أُطلق عليه فيما بعد اسم "السلفية الحركية"، وكان أبرز رموز هذه الحركة الشيخ فوزى السعيد، والشيخ محمد عبدالمقصود والدكتور سيد العربى والشيخ نشأت إبراهيم. ويكاد يتطابق منهج السلفية الحركية مع منهج الدعوة السلفية (مدرسة الإسكندرية)، إلا أن السلفيين الحركيين لا يكتفون بتكفيير الحاكم حكما فقط ، ولكن يذهبون إلى تكفيره عينياً إذا لم يحكم بما أنزل الله، ويجهرون بذلك فى خطابهم الدعوى، كما يعتقدون أن مظاهر المجتمعات الإسلامية من سفور ومعاصي كلها من أمور الجاهلية، وأى انحراف عن الشريعة بزيادة أو نقصان فهو أمر الكفر، وما خالف الإسلام فهو جاهلية فى الكبيرة والصغيرة. والسلفية الجهادية ترفض تكوين جماعة خاصة بهم؛ كى لا تزيد افتراق الأمة، لكن تشجع أتباعها على التعاون مع جميع الجماعات العاملة على الساحة فيما اتفقوا عليه، وتعتزلهم فيما تفرقوا فيه وفرقوا الأمة بسببه. السلفية المدخلية التيار السلفى المدخلى فى مصر امتداد للتيار السلفى المدخلى فى المملكة العربية السعودية، وكان قد برز إبان حرب الخليج الثانية 1991 ، التى كانت نتيجة الغزو العراقى للكويت، وبدا هذا التيار فى الظهور كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الأجنبية كالإخوان. ويسمى هذا التيار السلفى بالتيار المدخلى نسبة إلى ربيع بن ربيع بن هادى المدخلى أحد رموز هذا التيار فى السعودية. ومن ناحية المنهج لم يختلف المداخلة عن غيرهم من التيارات السلفية غير الجهادية الأخرى فى اعتقادهم بعدم الخروج على الحاكم المسلم، وإن كان فاسقاً، إلا أن المداخلة خلافا لكثير من التيارات السلفية يعتبرون أنه لا تجوز معارضة الحاكم مطلقا ولا حتى إبداء النصيحة له فى العلن، ويعتبرون ذلك أصلاً من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، ومن خالف ذلك يعتبر خارجا على الحاكم المسلم. ويعتبر المداخلة أن الحكم بما أنزل الله أمر فرعى، وليس أصلا من أصول العقيدة، وبذلك فإن من يحكم بغير ما أنزل الله ويشرع القوانين الوضعية لا يكون قد ارتكب ناقصاً من نواقص الإسلام بأى حال من الأحوال. واعتبر المداخلة أن منهجهم هو منهج أهل السنة والجماعة؛ ولذا فهم يتصفون بالحدة فى نقدهم لمخالفيهم إلى درجة يصفها البعض بالتجريح، فيكاد يكون الهجوم المدخلى قد نال كل الرموز السلفية وتياراتها فى مصر تقريبا فكل من يخالف منهجهم هاجموه . السلفيون المستقلون يعد هذا التيار امتدادا للتيار السلفى القديم فى مصر منذ العصور الوسطى وقد مثله العديد من المجموعات والجمعيات منذ بداية القرن العشرين مثل جمعية الهداية التى قادها الشيخ محمد الخضر حسين، وكانت تقوم على الدعوة إلى الالتزام بالسنة ومحاربة البدع، وكان منتموها يهتمون بالهدى الظاهر فى المسائل المتعلقة بشكل الملابس واللحية وشكل الرأس والحجاب، وغيرها من هذه الأمور . ثم امتد هذا التيار إلى سبعينيات القرن الماضى متأثرين أيضا بالتيارات السلفية القادمة من المملكة السعودية . ويؤمن هذا التيار بالتغيير القاعدى؛ فهم يفسرون قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) بأن واقع الأمة لن يتغير إلا إذا غير كل فرد من نفسه وأصلح من حالها وفق معايير الإسلام ، ثم يبدأ فى تغيير من حوله من أهله وجيرانه وزملائه فى العمل فيغيرون هم أيضا بالطريقه نفسها، وهكذا تنصلح حال الأمة. وبالنسبة للجبهة السلفية فلم يكن التشكيل الأول الذي أسس الجبهة السلفية يوما ما منخرطا في تنظيم الدعوة السلفية. فليست الجبهة انشقاقا عن الدعوة، لكنها كيان مستقل نشأ في التيار السلفي أيضا. وتعد الجبهة أقرب إلى سلفية القاهرة من سلفية الإسكندرية التى تبرز فيها الدعوة السلفية. وترى الجبهة أن هناك تفاوتا بينها وبين الدعوة السلفية وخاصة مع بداية 25 يناير حيث انخرطت فى الثورة وحتى انضمت لتحالف دعم الشرعية بعد 30 يونية.