سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأمين المساعد للجامعة العربية في حواره ل"البوابة نيوز": التدخلات الإقليمية تعيق حل الأزمة الليبية.. رصيد العملة الأجنبية في ليبيا بدأ ينفد.. وحياة المواطنين المعيشية والأمنية مهددة
أكد الدكتور عبداللطيف عبيد، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، ومدير مركز الجامعة العربية فى تونس، عدم وجود قضايا جوهرية كبيرة تحول دون التوصل إلى حلول للصراع فى ليبيا، مرجعا غياب الحل حتى الآن إلى وجود أزمة ثقة بين الأطراف الليبية المتنازعة، وقال عبيد المكلف بمتابعة تطورات الملف الليبى من قبل الجامعة العربية: إن هناك بعض الأطراف تتدخل فى الشأن الليبى، وهو الأمر الذى يقف فى وجه التوصل إلى تفهم سريع ووفاق بين مختلف الأطراف الليبية. وأشار عبيد إلى وجود ضغط من المجتمع الدولى على كل الأطراف الليبية للتوصل إلى حلول، لافتا إلى أن ما يحدث فى ليبيا يهم العديد من دول العالم، باعتبارها مصدرا مهماً للبترول فضلا عن قربها من أوروبا. جاء ذلك خلال حوار "البوابة نيوز" مع الدكتور عبد اللطيف عبيد، الأمين المساعد للجامعة العربية.. وإلى نص الحوار: ■ فى ضوء متابعتك للملف الليبى.. ماذا عن الأسباب التى أدت إلى العجز عن التوصل إلى توافق «ليبى- ليبى» حتى الآن؟ - ليست هناك قضايا جوهرية كبيرة تحول دون التفاهم، لكن المسألة تتعلق بالثقة، فالأطراف الليبية المتنازعة لا تثق فى بعضها البعض، وهو ما نأمل أن يزول بتواصل الحوار وتعميقه بين مختلف الأطراف، كما أن هناك أطرافا إقليمية وإجنبية لا تزال تتدخل فى الشأن الليبى، وشق من الليبيين واقع تحت تأثيرها، وهو ما لا يساعد على التوصل إلى تفهم سريع ووفاق بين مختلف الأطراف الليبية، والأمر لا يزال بحاجة إلى بعض الوقت، لكن هناك تصميم ورغبة حقيقية فى مواصلة الحوار لتحقيق الوفاق المطلوب، وبطبيعة الحال هناك توجه لإجراء تعديل على حكومة فايز السراج لتحظى بموافقة مجلس النواب فى طبرق، وقت قد لا يكون بعيدا.
■ هل يمكن في ظل المعطيات الحالية التوصل إلى اتفاق.. خاصة فى ضوء رفض السراج سابقا لمطالب البرلمان بتغيير شخصيات فى الحكومة؟ - ذلك صحيح، إلا أنه يبدو الآن السراج يميل إلى إجراء تغييرات على حكومته لتنال ثقة البرلمان، وعلى كل حال لابد من تنازلات من هنا وهناك، من أجل تجاوز الصعوبات والعقبات الحالية.
■ تلك الأطراف التى تابعت حوارها خلال الفترة الماضية.. برأيك هل هى قادرة على تقديم تلك التنازلات؟ - ممكن، وأعتقد أن السراج سيحدث بعض التغيير على الحكومة قبل أن تعرض مجددا على مجلس النواب، كما أن هناك ضغطا من المجتمع الدولى على كل الأطراف الليبية للتوصل إلى حلول، لأن ما يحدث فى ليبيا لا يهم الليبيين فقط، لكنه يهم الوطن العربى وأطرافا ومنظمات دولية عديدة منها «الأممالمتحدة، الاتحاد الأوروبى، الاتحاد الإفريقى» ودول أوروبية عديدة مثل إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إلخ، وتلك الدول كانت حاضرة بقوة فى كل الاجتماعات التى خصصت لمناقشة الأوضاع فى ليبيا، وآخرها الاجتماع الذى عقد فى تونس بداية الشهر الجارى، والذى حضره ممثلون عن تلك الدول، إضافة إلى ممثلى دول أخرى، منها روسيا وتركيا وقطر ومصر والمغرب وتونس، ولكثير من الأطراف مصالح اقتصادية فى ليبيا، باعتبارها مصدرا مهماً للبترول فضلا عن قربها من أوروبا، كما أن هناك مصالح استراتيجية تتعلق بالأمن فى البحر المتوسط، ومكافحة الهجرة غير النظامية، والهجرة غير الشرعية عبر ليبيا نحو أوروبا. لذا فالرهان الليبى كبير ويهم أطرافا عديدة بما فيها دول الجوار مثل تونس ومصر، ومن ثم أعتقد أن الضغط والتشجيع من أجل الوصول إلى حل سيتواصل، وأنا شخصيا آمل فى أن يتم الوصول إلى حل قبل نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل 2017، لأن المسألة الليبية أخذت أكثر مما تستحق، ولأن الخلافات ليست بالحدة أو بالنوعية الموجودة فى بلدان أخرى، فليست هنالك طائفية أو أحزاب متصارعة، وهنالك قسم كبير من التجانس فى المجتمع الليبى برغم ما يقال عنه بأنه مجتمع قبلى، لكن هذه القبائل قامت فى كثير من الأحيان بدور إيجابى، ويمكن فى كثير من الأحيان الاستفادة منها، عبر صنع كثير من الاتفاق المطلوب، وبالتالى فى تحقيق الاستقرار والأمن، وحل قضايا الشعب الليبى الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ■ ما أهم الملامح التى ناقشها اجتماع تونس؟ - الاجتماع لم يسفر عن قرارات أو توصيات أو حتى استنتاجات، فهو كان تشاوريا فقط، حيث تحدث بعض أعضاء لجنة الحوار الليبى وبعض السفراء، ومن خلال ذلك اتضح أنه توجد خلافات قائمة بين جماعة طرابلس من جهة وجماعة شرق ليبيا – بنى غازى- من جهة أخرى، والخلاف على ما يبدو أيضا لا يزال قائما بين مجلس النواب والإسلاميين المتمركزين فى الجهة الغربية، وخاصة فى طرابلس، وأيضا فإن المجلس الرئاسى بقيادة فايز السراج يتلقى انتقادات من هنا وهناك. من جهتهم، عبر السفراء عن رغبتهم فى إنهاء هذا الملف بالحل الأسلم المتمثل فى التوافق ومصادقة مجلس النواب على حكومة فايز السراج، لتقوم بدورها كما ينبغى، وتبسط الأمن وتواصل ملاحقتها لتنظيم داعش الإرهابى، وأن تتصدى لحل القضايا الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وخاصة أن الرصيد من العملة الأجنبية فى ليبيا بدأ ينفد، وبالتالى فإن حياة المواطنين المعيشية والتربوية وحتى الأمنية مهددة.
■ كيف تقيم دور المبعوث الأممى مارتن كوبلر.. وهل ارتكب حسبما يرى البعض أخطاء سابقة «برناندينو ليون»؟ - لا أعتقد أنه وقع فى أخطاء كبيرة رغم بعض الانتقادات التى توجه إليه، لكن الملف الليبى يحتاج أيضا الحضور العربى والجامعة العربية، وهو ما عبرت عنه أطراف ليبية مؤخرا، كذلك فى لقاء قيادات ليبية رفيعة المستوى، مع الأمين العام للجامعة السيد أحمد أبو الغيط خلال زيارته الأخيرة إلى تونس، حينما التقى قيادات ليبية عالية المستوى طالبته بحضور قوى للجامعة، وألا يغيب العرب عن الساحة الليبية، لأن القضية عربية بالأساس، ومن جهته أبدى الأمين العام نيته فى تعميق حضور الجامعة العربية فى المباحثات التى تجرى بخصوص الشأن الليبى، وهو ما أكده أيضا خلال كلمته فى افتتاح أعمال الدورة ال146 لمجلس وزراء الخارجية العرب، مشيرا إلى أنه ربما يعين مندوبا للجامعة ليهتم بالملف الليبى، وهو ما أعلن عنه أيضا فى ختام أعمال الاجتماع، وأنه يجرى التشاور حوله.
■ برأيك.. ما الأخطاء التى وقعت فيها الجامعة العربية في ما يخص ليبيا خلال الفترة الماضية؟ - لا أعتقد أن الجامعة العربية ارتكبت خطأ منهجيا أو استراتيجيا بالنسبة لليبيا، فالكل يعلم أن الأزمة الليبية سرعان ما تحولت إلى أزمة إقليمية ودولية، وبالتالى فإن مجلس الأمن الدولى هو الذى تعهد أو تكفل بهذا الملف، الذى أصبح يمثل قضية أمن دولى، والعرب كان لهم دور داخل مجلس الأمن، كما أن كل الاجتماعات والمؤتمرات العربية التى انعقدت من 2011 إلى الآن جعلت الملف الليبى فى صدارة اهتماماتها، مثل الملف السورى واليمنى الآن، لكن كان بإمكان الجامعة العربية أن يكون حضورها أقوى على الساحة الليبية، وكان يمكنها تعيين مبعوث خاص لها خلفا للدكتور ناصر القدوة الذى اعتذر عن مواصلة الاهتمام بهذا الملف فى 2015، بسبب عدم توفيقه فى الوصول إلى حل. وعلى كل حال فإن العرب حاولوا أيضا عدم التشويش على جهود الأممالمتحدة وجهود المبعوث الأممى إلى ليبيا، وأن يواكبوا عمل مجلس الأمن الدولى، لكن الآن أصبح الجميع مقتنعا أن عودة الجامعة العربية بقوة إلى الساحة الليبية أصبحت أمرا مهما فى الفترة الحالية.
■ هل صحيح ما قيل من أن القدوة قال فى اجتماعه الأخير مع وزراء الخارجية العرب إنه لا يمكن لأى مبعوث عربى أن يؤتى بثمار للحل بسبب اختلاف الدول على نهج تعاملها مع الأزمة.. وإلى أى مدى تسهم الخلافات العربية - العربية فى تعطيل الحل الليبى؟ - هناك اختلاف فى وجهات النظر فى الملف الليبى بين الدول العربية وبعضها، وهو أمر لا يعد خافيا، وكلمة بعض قد تحتمل القلة أو قد تعنى الواحد، وبصف عامة كلما كان العرب على رأى واحد، فإن حل قضاياهم يكون أكثر سرعة وأكثر جدية وجدوى.
■ وهل يمكن فعلا توحيد المواقف العربية تجاه الملف الليبى؟ - ممكن، لكن الذى يجعل المواقف العربية متحدة هو توحد الليبيين أنفسهم، فإذا كانوا على رأى واحد، فلن يجد أى طرف آخر منفذا لطرح موقف مخالف أو حل مخالف، إذا أفضل طريقة لسد الطريق أمام أى تدخل أجنبى هو وحدة الموقف الليبى، وهو ما يستلزم تنازلات من مختلف الأطراف، وتغليب المصلحة الوطنية الليبية على المصالح الضيقة، فهناك جماعات ربما تخاف على مستقبلها أو مستقبل مناطقها وتريد ضمانات أكبر، فيجب على جميع الأطراف أن يطمئن بعضهم بعضا.
■ حديثك هذا يشير إلى أن جزءا من الأزمة هو مناطقية وقبلية أيضا؟ - مناطقية ليس بمعنى انفصالية أو قبلية، وإنما بمعنى الحاجة إلى التوازن وإلى الاطمئنان على مستقبل كل المناطق، وألا يكون التفوق والغلبة لمنطقة على أخرى.
■ ربما يدفعنا ذلك للحديث عن إمكانية مستقبل فيدرالى لليبيا؟ - هذا أمر مستبعد جدا، وقد طرح فعلا لكنه لم يكن مقبولا إطلاقا من جانب الليبيين، فليس هناك ما يدعو إليه، باعتبار أن المجتمع الليبى هو مجتمع متجانس تماما، وحتى الإثنيات الموجودة وخاصة الأمازيغ منسجمون مع الأغلبية العربية منذ قديم الزمان، والموارد الطبيعية لليبيا كبيرة وتكفى لتوفير الرفاهية والازدهار لكل الشعب الليبى، وليس هناك ما يدعو لهذا النظام الفدرالى، والأزمة فى رأيى هى أزمة ثقة، يمكن حلها بتعميق الحوار وطمأنه كل الأطراف، وألا يقصى أحد من الحل، وأن يكون هناك حل ليبى عبر الحوار والتوافق، وكل هذا ممكن فالشعب الليبى معروف بحكمته وتمسكه بالقيم الأصيلة وحرصه على وحدة ليبيا.
■ بعد قرار مجلس الجامعة العربية الوزارى الأخير بتعيين مبعوث جديد للجامعة.. ما السمات التى يجب أن تتوافر فيه؟ - هذا أمر يقدره الأمين العام، وهو فى رأيى شخصية أن يكون أكثر قدرة على لم شمل الليبيين وتحقيق التوافق وتقريب وجهات النظر فيما بينهم، وأن يكون قادرا على تقريب وجهات النظر للتسريع بالحل التوافقى، إلى جانب السمات الدبلوماسية المعروفة، من صبر، وانكباب على الملف، وحسن إصغاء إلى كل الأطراف، وهى سمات يمكن أن تتوفر فى كثير من الشخصيات العربية السياسية والدبلوماسية من مختلف الأقطار العربية دون أستثناء.
■ ماذا عن مركز الجامعة العربية فى تونس ومسار عمله خلال الفترة القادمة، خاصة أن الأمين العام كان مؤخرا فى تونس ومن المؤكد أنه بحث معك مسار عمله المستقبلى؟ - نحن قدمنا فى تونس تفاصيل كثيرة للأمين العام حول مركز تونس ومقترحات حول تطويره، وهو قد تأسس سنة 1990 عندما عادت الأمانة العامة من تونس إلى القاهرة، وما يشكوه أنه ليس له تنظيم هيكلى، وقد ترتب على ذلك أن الذين يتقاعدون لا يعوضون، بحيث إنه أصبح شبه فارغ من كوادره، ولذا ألححنا على الأمين العام فى تعيين بعض الخبراء من ذوى الكفاءة العالية ليساعدوا فى إنجاز الدراسات التى تهم فى عمل المركز، وأيضا فى الشئون المغاربية والمؤتمرات والاجتماعات الكثيرة التى تنعقد فى تونس، كما أنه من المسائل المطروحة الآن بناء مقر للمركز على الأرض التى وهبتها الدولة التونسية للجامعة العربية منذ أكثر من عشر سنوات، وهو ما تحدث فيه الأمين العام مع وزير الشئون الخارجية التونسى، وإن شاء الله يتم بناء هذا المقر خلال السنوات القليلة المقبلة.
■ ماذا عن أبرز الفعاليات التي يقيمها المركز خلال هذه الفترة؟ - نعقد كل سنة ما يقرب من 10 مؤتمرات وندوات، وعقدنا فى يونيو الماضى مؤتمرا حول التنمية المستدامة فى المغرب العربى، وسنعقد خلال الفترة القادمة مؤتمرا حول الهجرة والنزوح فى الدول العربية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، وأيضا مؤتمرا عن نضال المغاربة فى تحرير فلسطين، وعقدنا الدورة الأولى له العام الماضى، وكان هناك إلحاح على أن يكون سنويا، كما أن هناك دعوة من جامعة القدس المفتوحة، بعقد الدورة الثالثة فى القدس فى يناير من العام المقبل، وأيضا إقامة مؤتمر حول إلغاء العبودية فى الحضارة الإسلامية بمناسبة مرور 170 عاما على إلغاء العبودية فى تونس فى 26 يناير 1846، كما سنعقد ندوة دولية حول تشغيل الشباب فى الوطن العربى، إلى جانب استضافتنا لشخصيات علمية وسياسية عربية لتقديم محاضرات ضمن فضاء بيت العرب، والتحضير لمحاضر عن الثورة العربية الكبرى، بمناسبة مرور 100 عام على الثورة العربية الكبرى.