تراجع في 3 بنوك.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الثلاثاء    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم 16 يونيو 2025    الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال رئيس هيئة أركان الحرب في إيران    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الثلاثاء بالمواعيد والقنوات الناقلة    تشكيل الهلال المتوقع أمام ريال مدريد في كأس العالم للأندية    بدء لجان امتحان مادتي اللغة الأجنبية الثانية والاقتصاد بالثانوية العامة    انتشار أمني بمحيط مدارس 6 أكتوبر لتأمين امتحان اللغة الأجنبية الثانية للتانوية العامة    «الأرصاد» تكشف حالة الطقس على القاهرة وجنوب الصعيد اليوم    الجد بدأ.. توافد طلاب الثانوية العامة بكفر الشيخ على اللجان لأداء امتحان اللغة الأجنبية الثانية    رغم حرارة الطقس.. أولياء الأمور يرافقون أبناءهم في ثاني أيام الثانوية العامة    طلاب الأدبى بالثانوية الأزهرية فى الأقصر يؤدون امتحان الفقه اليوم.. فيديو    تركي آل الشيخ يكشف كواليس زيارته لمنزل الزعيم عادل إمام    ابن النصابة، تعرف على تفاصيل شخصية كندة علوش في أحدث أعمالها    تفتيش الطلاب والطالبات علي أبواب لجان امتحانات الثانوية العامة في الدقهلية    وزير دفاع أمريكا: نتبنى موقفا دفاعيا في المنطقة.. ونحافظ على يقظتنا واستعدادنا    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| مواجهات نارية في كأس العالم للأندية 2025    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    «سكاي أبوظبي»: 240 مليار جنيه مبيعات مشروع «رأس الحكمة»    انقطاع واسع في خدمة الإنترنت في طهران    بعد أزمة الاستبعاد.. جلسة صلح بين ريبيرو ونجم الأهلي في أمريكا (تفاصيل)    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 17-6-2025 مع بداية التعاملات    طريقة عمل كيكة الجزر، مغذية ومذاقها مميز وسهلة التحضير    8 أطعمة تصبح أكثر صحة عند تبريدها، والسر في النشا المقاوم    5 تعليمات من وزارة الصحة للوقاية من الجلطات    ترجمات| «ساراماجو» أول أديب برتغالي يفوز بجائزة نوبل أدان إسرائيل: «ما يحدث في فلسطين جريمة»    سلوفاكيا تجلي مواطنيها ومواطنين أوروبيين من إسرائيل عبر الأردن وقبرص    إيران تشن هجوما جديدا الآن.. إسرائيل تتعرض لهجمات صاروخية متتالية    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام بالميراس في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    3 أيام متتالية.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    خامنئي يغرد تزامنا مع بدء تنفيذ «الهجوم المزدوج» على إسرائيل    أشرف صبحي يكشف كواليس تدخلاته في أزمة زيزو.. ويؤكد دعمه الكامل للأهلي    ماكرون: نؤيد وقف إطلاق النار ومستعدون ل مفاوضات نووية جديدة مع إيران    إغلاق جميع منشآت التكرير في حيفا بعد ضربة إيرانية    وكالة إس إن إن: إيران تعتزم مهاجمة قاعدة جوية عسكرية إسرائيلية حساسة    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    تفاصيل محاضرة ريبيرو للاعبي الأهلي    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بشوارع عاصمة البحيرة| صور    إلهام شاهين تروي ل"كلمة أخيرة" كواليس رحلتها في العراق وإغلاق المجال الجوي    حدث بالفن | عودة إلهام شاهين وهالة سرحان من العراق والعرض الخاص لفيلم "في عز الضهر"    بسبب إغلاق مطار بغداد.. إلهام شاهين تكشف تفاصيل عودتها لمصر قادمة من العراق    "سقوط حر" يكشف لغز جثة سوداني بفيصل    د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!    "حقوق الإنسان" بحزب مستقبل وطن تعقد اجتماعًا تنظيميًا بحضور أمنائها في المحافظات    تراجع أسعار الذهب العالمي رغم استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران    أمريكا: حالات الإصابة بمرض الحصبة تقترب من 1200 حالة    مستشارة الاتحاد الأوروبي: استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران يمثل مصدر قلق    قطع أثرية بمتحف الغردقة توضح براعة المصريين القدماء فى صناعة مستحضرات التجميل    محافظ كفر الشيخ: إقبال كبير من المواطنين على حملة «من بدرى أمان»    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    إيبارشية قنا تستقبل أسقفها الجديد بحضور كنسي    اتحاد المرأة بتحالف الأحزاب يعلن الدفع بمجموعة من المرشحات بانتخابات مجلسي النواب والشيوخ    وزير العمل والأكاديمية الوطنية للتدريب يبحثان تعزيز التعاون في الملفات المشتركة    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    محافظ المنوفية: مليار و500 مليون جنيه حجم استثمارات قطاع التعليم خلال ال 6 سنوات الأخيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى ال93 لمولده.. محمد حسنين هيكل ضوء لا ينطفئ في الصحافة والثقافة
نشر في البوابة يوم 21 - 09 - 2016

فيما تحل بعد غد "الجمعة" الذكرى الثالثة والتسعين لمولد الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل وهي أول ذكرى تحل بعد رحيله عن الحياة الدنيا فان "ضوء هيكل مازال ساطعا في الصحافة والثقافة وهو حقا ضوء لا ينطفئ لأنه قبس من روح مصر الخالدة".
وبمجد الإنجاز وأصالة الصحفي المثقف، يبقى محمد حسنين هيكل قيمة غالية ورمزا عزيزا للجماعة الصحفية والثقافية المصرية فيما تبقى كتاباته وأفكاره ومواقفه تضئ دروبا وتشعل بروقا وتلهم جموع المثقفين على امتداد الوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج.
ومن هنا فليس من قبيل المبالغة القول بأن محمد حسنين هيكل الذي رحل عن الحياة الدنيا في السابع عشر من شهر فبراير الماضي تحول بالفعل على مدى رحلته الطويلة والثرية مع الكلمة لأسطورة لن تموت وأيقونة باقية للأبد في بلاط صاحبة الجلالة وعالم الكلمة.
ولا يمكن لأي منصف أن يماري في أن رحلة هيكل لما يقرب من ال75 عاما بين الصحافة والسياسة كما هي بين الصحافة والثقافة تشكل نموذجا وأمثولة "لمجد الإنجاز" لصحفي كان يغوص في بحر العمر ساطعا عبقا ومسكونا بالإبداع فلا تزيده تلاوين الخريف إلا تألقا.
وتشهد قوائم مبيعات الكتب في مصر والعالم العربي وحتى في الغرب على أن محمد حسنين هيكل رغم رحيله عن الحياة الدنيا مازال طرفا رئيسيا في الحياة الثقافية ومازالت كتاباته تثير الجدل بين مؤيدين ومعارضين لتستنفر الحواس وتطرح الأسئلة المحرضة على التفكير.
ولئن كان محمد حسنين هيكل قد رفض دوما "إضفاء القداسة" على أي تجربة إنسانية بما في ذلك التجربة الناصرية التي كان صوتها الأكثر تأثيرا ولسانها الأعظم بلاغة فلن يكون من المناسب أو المستساغ رفض أي مراجعات أو انتقادات لكتابات هيكل وأفكاره وحتى مواقفه مادامت مثل هذه المراجعات النقدية ملتزمة بأدب الحوار وقيمة الإخلاص للبحث عن الحقيقة.
ومن النماذج المقبولة لتلك المراجعات النقدية ما كتبه الدكتور فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة الذي قضى في الحادي عشر من مارس عام 2010 فيما خاض معركة فكرية مع محمد حسنين هيكل في ثمانينيات القرن الماضي عندما أصدر كتاب "كم عمر الغضب: هيكل وأزمة العقل العربي" ردا على الكتاب الشهير لهيكل: "خريف الغضب".
وفيما يتهم مثقفون عرب السياسة بازدراء الثقافة فان هيكل "الأستاذ" و"عميد الصحافة العربية" الذي وصفه البعض بأنه "أعظم صحفي في القرن العشرين" هو صاحب مقولة: "لا سياسة بلا ثقافة ولا ظهير للسياسة إلا الثقافة"، كما أنه المهموم دوما بأحوال الصحافة في مصر والعالم العربي وعالم الجنوب على وجه العموم حتى أنه شارك في خريف عام 1960 في ندوة نظمتها جامعة كولومبيا الأمريكية عن الصحافة في العالم النامي.
ومحمد حسنين هيكل ولد يوم الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1923 ببلدة باسوس في القليوبية أي العام الذي عرفت فيه مصر أول دستور في تاريخها الحديث كثمرة من ثمار ثورة 1919 غير أنه عاش فترة طفولته في القاهرة المعزية ما بين الغورية والحسين والأزهر وهي المنطقة الأثيرة لأديب مصر النوبلي نجيب محفوظ.
وإذ تأثر في طفولته ببراعة والدته في الحكي وكان يصل لمسامعه صوت امه وهي تقرأ لأبيه في كثير من الليالي سيرة الظاهر بيبرس وأسطورة "الأميرة ذات الهمة" فإنها وقع مبكرا في عشق القراءة منذ أن عرف الطريق للكتب التي يحتفظ بها خاله "سلام" في بيت جده لوالدته وراح ينهل من كتب التراث وترجمات الآدب والأساطير الشعبية.
ولمحمد حسنين هيكل نحو 40 كتابا أولها كتاب "إيران فوق بركان" الذي صدر عام 1951 واغلب كتبه ترجمت للغات عديدة وبعضها كتب أصلا بالإنجليزية ووصفه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بأنه "رجل صناعته الكلمة" لتبقى العلاقة الفريدة بينهما نموذجا دالا للعلاقة الوثيقة بين السياسة والصحافة.
وكتب هيكل مقدمات للعديد من كتب كبار المثقفين في مصر والعالم مثل كتاب "كرومر في مصر" لمحمد عودة وكتاب "ماذا يريد العم سام" للمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي وكذلك كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" للمفكر الفرنسي روجيه جارودي ناهيك عن كتاب "غزة-أريحا سلام أمريكي" للمفكر الفلسطيني الأصل والراحل العظيم إدوارد سعيد.
وهو وان كان اسمه يقترن بجريدة الأهرام في عصرها الذهبي فقد شغل أيضا منصب وزير الإعلام والإرشاد القومي في عام 1970 كما شغل قبل ذلك كأحد أبرز نجوم مؤسسة أخبار اليوم رئاسة تحرير جريدة الأخبار ومجلة آخر ساعة وتولى صياغة العديد من خطب الرئيس جمال عبدالناصر وكتابه "فلسفة الثورة" الصادر عام 1953 فضلا عن الميثاق الوطني الذي أعلن عام1962.
وبدا محمد حسنين هيكل حريصا على منح فرصة المشاركة في عملية صنع القرار بالمواقع التي شغلها لمثقفين بارزين مثل الدكتور عبد الوهاب المسيري والدكتور عبد الملك عودة اللذين كانا من أهم أعضاء فريقه أثناء شغله منصب وزير الإعلام بينما كان الطابق السادس بصحيفة الأهرام في ظل قيادته يفخر بكوكبة مجيدة من المثقفين المصريين وفي مقدمتهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وحسين فوزي ويوسف إدريس ولويس عوض.
وفي الوقت ذاته، كان الأستاذ محمد حسنين هيكل حريصا على مد الجسور مع مثقفين بارزين على مستوى العالم مثل الأديب ووزير الثقافة الفرنسي الراحل أندريه مالرو والفيلسوف الوجودي الراحل جان بول سارتر وكذلك الصحفي الفرنسي الكبير إريك رولو والمفكر الراحل إدوارد سعيد بينما حق لتجربته الصحفية العريضة أن تكون موضع اهتمام باحثين واكاديميين في الداخل والخارج وان تناقش الجامعات عدة أطروحات للماجستير والدكتوراه حول منجزه الصحفي.
وسواء بالكلمة المكتوبة في الصحف والكتب أو عبر الشاشة الصغيرة، سعى الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي يفضل وصفه "بالجورنالجي" للإجابة على تساؤلات تبدو محيرة مثل السؤال الكبير: مصر والمصريون إلى أين؟!
ولأنه قبس من روح مصر ومصدر للحكمة، فان الحوار مع هيكل انطوى دوما على أهمية استثنائية وكثيرا ما طال قضايا الثقافة والفكر والأدب والإبداع والهوية فيما كان "الأستاذ" قد دعا في مقابلة تليفزيونية "لثورة ثقافية مفرداتها تقديم صحيح الدين وصحيح التاريخ وصحيح العلم" وهو ما استدعى تعليقا من جانب المفكر السيد يسين الذي اعتبر "أننا بحاجة ملحة لثورة ثقافية ترسخ جذور الدولة الحديثة والمواطنة وتقضي على منابع التطرف واتجاهات الإرهاب".
وقال السيد يسين أن الأستاذ محمد حسنين هيكل في تحديده لملامح الثورة الثقافية المثلثة الأبعاد والتي تقتضي ترسيخ قيم صحيح الدين وصحيح التاريخ وصحيح العلم حدد بذلك محاور أساسية يمكن أن تقوم عليها النهضة المصرية الجديدة.
وفي المقابل لن تنسى الذاكرة الثقافية والصحفية أن محمد حسنين هيكل هو الذي حرص على حضور ندوة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام في عام 1973 لمناقشة بحث أعده السيد يسين بعنوان: "الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر".
ومن المفارقات في مسيرة هيكل الصحفية- الثقافية المديدة أن منصب رئاسة تحرير مجلة الهلال الثقافية العريقة عرض عليه وهو مازال في شرخ شبابه لم يتجاوز العشرين عاما إلا بسنوات قليلة فيما كان نقيب الصحفيين الراحل والكاتب الكبير كامل زهيري قد باح يوما ما بأنه يعتبر أن أكبر أخطائه تركه رئاسة تحرير مجلة الهلال بمتعتها الثقافية حتى وان كان قد انتقل لمواقع قيادية اعلى في الصحافة المصرية.
أما محمد حسنين هيكل فقد ظل يحلق بين الصحافة والسياسة بزاد ثقافي أصيل فيما اسهم بدور كبير في المرحلة التأسيسية لمجلة "وجهات نظر" الثقافية المصرية وكان قرائه ينتظرون الإصدار الشهري لهذه المجلة من أجل متعة قراءة هيكل وهو "يتمشى ويتجول" في أروقة الماضي والحاضر ويبحر كعادته بين الصحافة والسياسة بقدرات ثقافية فذة.
وحتى آخر مقابلة تليفزيونية قبيل رحيله مضى هيكل يشعل بروقا تضىء العتمة وسط المعركة على روح مصر وهى معركة ثقافية بالدرجة الأولى فيما يشدد دوما على أن الثقافة عنصر مهم من عناصر الإستراتيجية المصرية.
وبقدر ماجاءت رحلة هيكل بين الصحافة والسياسة مرتكزة على الثقافة وهو المعبر عن قيم ثقافية وإنسانية وإيجابية اصيلة مثل قيمة العمل وتجاوز اللافعل فقد أوضح أنه" في الصحافة لا تفيد المجاملة ولايشهد لك الا ما تستطيع أن تقدمه وتضع عليه اسمك."
ولعل أهمية عامل التكوين الثقافى للصحفى تتجلى بكل الوضوح في نهج الأستاذ محمد حسنين هيكل حيث "المعالجة بالعمق والحفر المعرفى عند الجذور والتحليق بأجنحة المعرفة نحو افاق المستقبل" والتأكيد على أهمية عدم نزع الأحداث عن سياقاتها التاريخية فيما كان قد استعاد مرحلة اعداده في بدايات مسيرته الصحفية المديدة ليقول:"هذا الاعداد كان بالأساس ثقافيا..وثقافيا هنا تعنى المشاهدة والتفكير والاطلاع والمعايشة" مؤكدا أيضا على عامل التنشئة في بيت "يحمل استعدادا ثقافيا كبيرا."
وقال محمد حسنين هيكل:"الكتب جزء مهم في كل بيت اذهب اليه..في الإسكندرية..في الغردقة..في المنزل الريفى في برقاش" فيما يرى أن الثقافة هي "حصيلة كل المعارف التي تتوافر للإنسان من خلال معايشة الحياة والتاريخ والزمن..ولذلك فمن الخطأ أن نتصور أن الثقافة هي الفن فقط أو الرسم فقط أو الأدب فقط."
واذا كان المفكر الإستراتيجي الراحل جمال حمدان لم يعرف عنه أدنى نفاق أو شبهة مجاملة لأحد على حساب الحقيقة فان لرأيه كل الأهمية عندما وصف محمد حسنين هيكل بأنه أحد اعظم الصحفيين المعاصرين في العالم أن لم يكن اعظمهم على الإطلاق.
اما المفكر والكاتب المغربى عبد الاله بلقزيز فيقول:"في امكانك وانت تقرأ للأستاذ محمد حسنين هيكل أو تستمع اليه متحدثا أن تحسبه أكبر من صحفى وأكثر: مؤرخ..باحث استراتيجي..رجل دولة مرموق في موقع القرار..باحث في علم السياسة..مفكر..الخ."
ويضيف بلقزيز:"ولن تكون متزيدا حين تفترضه على هذا النحو وتحمل عليه هذه الصفات جميعا فقد نجح في أن ينتج نصا صحفيا عصيا على التعيين الحصري من شدة ما اكتنزه من ادوات وموارد ليست مما يعتاد حسبانه من عدة الصحافة وعتادها".
ومن ثم فان محمد حسنين هيكل -كمل ينوه عبدالاله بلقزيز- هو "في جملة عدد جد قليل من الصحفيين في العالم المعاصر تقرأ كتبه ويحتفظ بها في المكتبات الشخصية ويرجع اليها عند الحاجة" معيدا للأذهان أن عشرات الكتب التي أصدرها هيكل "باتت مراجع معتمدة للمؤرخين وعلماء السياسة والباحثين في مجالات الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية والتاريخ السياسي العربي المعاصر".
ومع تعدد إبعاد الكتابة عند هيكل فإنها اصر دوما على تعريف نفسه بأنه "صحفي" أو بتعبيره الأثير "جورنالجي" وهو ما يفسره عبد الاله بلقزيز بأنه ليس من باب التواضع وإنما تعبير عن مفهوم يتبناه محمد حسنين هيكل للصحافة باعتبارها " نمط من المعرفة والكتابة والتفكير قوامه الجمع المنظومي بين مجالات معرفية شتى" مضيفا:" وفى هذا التعيين لمعنى الصحافة انتقال استراتيجي للمفهوم بل وإعادة تأسيس جديد لمعنى الصحافة".
ومحمد حسنين هيكل صاحب الكتاب الشهير عن "أزمة المثقفين" الذي صدر عام 1961 كمحصلة لمناقشات استمرت ثلاثة اشهر مع لفيف من المثقفين المصريين يحفظ عن ظهر قلب مئات أن لم يكن آلاف الأبيات من عيون الشعر العربي وهو الذي ارتبط بصداقة وثيقة للغاية مع الكاتب الراحل توفيق الحكيم كما استطاع في اشد الأوقات قتامة بالنسبة لحرية التعبير أن يدفع شرورا عن بعض هؤلاء المثقفين الكبار كالحكيم ونجيب محفوظ.
وهيكل الذي اهتم بقضايا "القوة الناعمة لمصر" كان يعيد للأذهان أن الكثير من مشاهير الصحافة والأدب في العالم عملوا في الصحافة المصرية الصادرة بلغات أجنبية أو كمراسلين لكبريات الصحف العالمية في مصر أثناء الحرب العالمية الثانية ومنهم على سبيل المثال جورح أورويل وقد تعلم الكثير من بعضهم.
ولم يترك محمد حسنين هيكل أي فن صحفي لشأنه وإنما استخدم كل فنون الصحافة ومزج بينها مزجا إبداعيا ليحولها أحيانا إلى فن واحد، فكان بحق في تفرده مجمع الصحافة وأيقونتها غير أنه أوضح قاعدة مهنية هامة بقوله: "إن الصحفيين ليسوا أدباء أو مفكرين أو فلاسفة يتحدثون عن معنى الوجود وصيرورة الكون لكنهم يتحدثون عن الحياة اليومية ومتابعة أخبارها ولذلك فمن المهم شرح وتحليل الخبر طبقا لقاعدة: لا رأي إلا على قاعدة خبر".
واذا كان الصحفيون والمثقفون المصريون والعرب يفخرون بتسابق صحف عالمية على النشر للأستاذ محمد حسنين هيكل فضلا عن كتبه التي صدرت أصلا بالإنجليزية عن كبريات دور النشر الدولية فان طريقة "الأستاذ" في الكتابة كانت ومازالت فاتنة لكل عاشق للكلمة ومتذوق لجماليات اللغة ناهيك عن إعلاء "الوثائق" التي لا يكاد يكتب شيئا وهو عنها بمعزل بكل ما يعنيه ذلك من حجية وصدقية للكلمة.
سلام عليه في الذكرى الأولى لمولده بعد رحيله من الحياة الدنيا، إنه حقا تاج صاحبة الجلالة وفخرها في الرحلة الطويلة بين الصحافة والسياسة والثقافة، إنه محمد حسنين هيكل الذي تحول بالكلمة إلى "ضوء لا ينطفئ"، ضوء من مصر وقبس من روحها الخالدة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.