دخل وقف لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا بوساطة من الولاياتالمتحدةوروسيا حيز التنفيذ مساء أمس الاثنين وذلك في ثاني محاولة أمريكية روسية هذا العام لوقف الحرب الأهلية المستمرة منذ خمسة أعوام. وأعلن الجيش السوري الهدنة الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي (1600 بتوقيت جرينتش) ليبدأ سريانها في تلك اللحظة قائلا إن "نظام التهدئة" الذي سيستمر سبعة أيام سيطبق في جميع أنحاء سوريا وإنه يحتفظ بحق الرد بشكل حاسم "باستخدام جميع الوسائط النارية على أي خرق من جانب المجموعات المسلحة". وأصدرت جماعات معارضة تحارب للإطاحة بالرئيس بشار الأسد بيانا مشتركا فصلت فيه تحفظاتها الشديدة على الاتفاق الذي وصفته بأنه "مجحف" في تأكيد لمخاوف عبرت عنها رسالة للولايات المتحدة يوم الأحد. ولم يذكر البيان تأييدا واضحا لوقف إطلاق النار لكن مصادر في المعارضة قالت إن الجماعات ستلتزم به. وذكرت مصادر مقاتلة من الجانبين إن الهدوء ساد الساعات الأولى من التهدئة لكنها أشارت إلى زيادة في الخروقات في وقت لاحق. وروسيا داعمة رئيسية للأسد بينما تدعم الولاياتالمتحدة بعض الجماعات المعارضة التي تحارب للإطاحة به. وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن التقارير الأولية تشير إلى بعض التراجع في العنف. وأضاف أن من السابق لأوانه استخلاص نتيجة قاطعة عن مدى فعالية الهدنة لكنه أكد أن بعض التقارير عن خروقات سترد "من هنا وهناك". وتتضمن الأهداف الأولية للاتفاق السماح بدخول المساعدات الإنسانية وتنفيذ ضربات أمريكية روسية مشتركة تستهدف الجماعات الجهادية التي لا يشملها الاتفاق. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن توصيل المساعدات لمدينة حلب المحاصرة سيبدأ على الفور. وقال بشر حاوي وهو أحد سكان الشطر الذي تسيطر عليه المعارضة من حلب إن المدينة سادها الهدوء منذ دخلت الهدنة حيز التنفيذ بعد يوم من القصف العنيف. وقال لرويترز من حلب عبر خدمة رسائل إلكترونية "إنه أمر ممتاز لكني قطعا لا أثق في النظام. يمكنه أن يقصف في أي وقت." وعبر سكان في غرب حلب الذي يخضع لسيطرة الحكومة وتقصفه المعارضة من حين لآخر عن شكوكهم أيضا في صمود الهدنة. وقال ساكن في حلب يدعى خالد "كلما تكون هناك هدنة يقصفنا المتشددون. نتمنى أن تتحسن الأمور وينتصر الجيش." وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القوات الحكومية نفذت ضربات جوية وقصفا في محافظتي حماة وحلب كما قصفت مناطق تحت سيطرة المعارضة قرب دمشق لكنه أشار إلى أن الخروقات ليست خطيرة. وقال أحد مقاتلي المعارضة في منطقة حلب إن الطائرات الحربية فتحت النيران شمالي المدينة. وفي تلك الأثناء أفاد مصدر عسكري سوري بأن جماعات مسلحة في حلب أطلقت نيران القناصة باتجاه مبان سكنية وأطلقت ثلاث قذائف مورتر على منطقة خاضعة لسيطرة الحكومة على مشارف المدينة. ويأتي وقف إطلاق النار في وقت أصبح فيه موقف الأسد في ساحة القتال أقوى مما كان عليه في الشهور الأولى من الحرب بفضل الدعم العسكري الروسي والإيراني. وقتل مئات الآلاف من السوريين في الصراع بينما تشرد 11 مليونا مما أثار أسوأ أزمة لاجئين في العالم. *الأسد أكثر جرأة قبل ساعات من بدء الهدنة تعهد الأسد الذي زاد جرأة باستعادة سوريا بالكامل. وفي إيماءة لا تخلو من الرمزية عرض التلفزيون السوري لقطات للأسد وهو يزور ضاحية داريا في دمشق والتي استعادت الحكومة السيطرة عليها الشهر الماضي بعد استسلام قوات المعارضة فيها تحت ضغط حصار خانق. وأدى الأسد صلاة عيد الأضحى إلى جانب مسؤولين آخرين في ساحة مكشوفة بمسجد في داريا. وقال الأسد في مقابلة بثتها وسائل إعلام رسمية وهو يقف وسط وفد مرافق له عند تقاطع طرق خلا من غيرهم "الدولة السورية مصممة على استعادة كل منطقة من الإرهابيين." ولم يتطرق بالذكر إلى وقف إطلاق النار لكنه قال إن الجيش سيواصل عمله دون تردد وبغض النظر عن أي ملابسات داخلية أو خارجية. واتفاق وقف إطلاق النار هو أجرأ تعبير حتى الآن عن آمال إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القدرة على العمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب. وباءت كل المبادرات الدبلوماسية السابقة بالفشل. وتعارض إدارة أوباما الأسد لكنها تريد تحويل التركيز في القتال من الحرب الأهلية متعددة الأطراف بين الأسد وخصومه الكثيرين إلى حملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر على مناطق كبيرة من سوريا والعراق. ويحظى اتفاق وقف إطلاق النار بدعم دول أجنبية مثل إيران حليفة الأسد وتركيا إحدى أهم الداعمين للجماعات التي تحارب للإطاحة به. لكن صمود الهدنة يعني التغلب على تحديات كبيرة من بينها الفصل بين المعارضين القوميين الذي يحظون بالحماية بموجب وقف إطلاق النار والمقاتلين الجهاديين الذين لا يشملهم الاتفاق. وتقول المعارضة المسلحة إن الاتفاق يفيد الأسد الذي يبدو أن موقفه العسكري تحسن منذ انهيار آخر هدنة توسطت فيها موسكووواشنطن في وقت سابق هذا العام. كانت داريا التي تبعد بضعة كيلومترات عن دمشق قد سقطت في أيدي القوات الحكومية بعد سنوات من الحصار والقصف وساعدت السيطرة عليها الحكومة في تأمين مناطق مهمة إلى الجنوب الغربي من العاصمة قرب قاعدة جوية. وبدعم أيضا من القوة الجوية الروسية وجماعات مسلحة مدعومة من إيران طوق الجيش الشطر الذي تسيطر عليه المعارضة من حلب التي كانت أكبر مدن البلاد قبل الحرب والمقسمة بين الجانبين منذ سنوات. *روسيا قلقة في الساعات التي سبقت سريان الهدنة استعر القتال على عدة جبهات مهمة بينها حلب ومحافظة القنيطرة الجنوبية. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن ضربة جوية في محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة أدت إلى مقتل 13 شخصا على الأقل. وبموجب الاتفاق من المتوقع أن توقف القوات الحكومية وجماعات المعارضة القتال لبعض الوقت كإجراء لبناء الثقة. وخلال تلك الفترة ستتاح الفرصة لجماعات المعارضة للانفصال عن الجماعات المتشددة في مناطق مثل حلب. لكن من الصعب فصل الجماعات التي يشملها وقف إطلاق النار عن المتشددين الذين لا تشملهم لاسيما فيما يتعلق بجبهة النصرة التي كانت فرع تنظيم القاعدة في سوريا قبل أن تغير اسمها في يوليو تموز إلى جبهة فتح الشام. وتلعب الجماعة دورا محوريا في معركة حلب حيث تقاتل متحالفة مع جماعات معارضة أخرى لكن اتفاق وقف إطلاق النار لا يشمل الجماعة. وتقول جماعات معارضة إن القوات الحكومية أو حلفاءها قد يتخذون من وجودها ذريعة لقصف أهداف أخرى. وقالت وزارة الخارجية الروسية إنها تشعر بالقلق من رفض بعض جماعات المعارضة السورية ومنها جماعة أحرار الشام التي تحارب بالتنسيق مع جبهة فتح الشام اتفاق وقف إطلاق النار. لكن مصدرا في المعارضة أبلغ رويترز أن أحرار الشام ستدعم وقف الأعمال القتالية في إعلان سيصدر في وقت لاحق يوم الاثنين. وتقول الولاياتالمتحدة إن الاتفاق يتضمن ألا ترسل الحكومة طلعات جوية قتالية في منطقة متفق عليها بذريعة تعقب مقاتلي جبهة فتح الشام. غير أن المعارضة تقول إن ثمة ثغرة تسمح للحكومة بمواصلة الضربات الجوية لنحو تسعة أيام بعد بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. وعبرت جماعات معارضة رئيسية من بينها جماعات مدعومة من خصوم أجانب للأسد في رسالة إلى واشنطن يوم الأحد عن مخاوف شديدة. وقالت الجماعات المعارضة في الرسالة التي اطلعت عليها رويترز إن اتفاق وقف إطلاق النار تضمن نفس العيوب التي سمحت للحكومة بإجهاض هدنة سابقة إذ أنه لا يشمل أي ضمانات أو آليات للمراقبة أو عقوبات على من ينتهك بنوده. وأضاف الخطاب أنه ينبغي أن يشمل الاتفاق جبهة فتح الشام نظرا لأن الجماعة لم تنفذ أي هجمات خارج سوريا برغم صلاتها السابقة بالقاعدة. وقالت جبهة فتح الشام إن الاتفاق يهدف لإضعاف قوات المعارضة الفعالة المناهضة للأسد ودفن الثورة.