سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالفيديو.. بدعة "الحج الأصغر" في البحر الأحمر.. مئات الآلاف يطوفون حول ضريح أبي الحسن الشاذلي.. زوار المقام يؤدون كل المناسك ويصعدون "جبل حميثرة".. تكبير وابتهالات وأناشيد صوفية في ظلال الرايات الخضر
من فاته الحج الأكبر إلى مكة، فليدرك "الحج الأصغر"، لضريح ومسجد "سيدي أبي الحسن الشاذلي".. هكذا يعتقد آلاف الصوفية والمريدين والبسطاء، في مصر وعدد من الدول العربية، الذين يقطعون آلاف الأميال في الصحراء، حيث يقبع ضريح القطب الصوفي، لتأدية "حج" لم تتحدث عنه كتب الحديث أو تراث الفقه الإسلامي أو المذاهب الأربعة، ورغم ذلك فإنهم يصرون على تأدية كل المناسك من طواف حول الضريح وصعود ل"جبل حميثرة" ويذبحون الهدي، متوجهين إلى الله تعالى بالدعاء أن يتقبل منهم حجهم. في كل عام وفي بداية شهر ذي الحجة الشهر الذي تؤدى فيه مناسك الحج الشعيرة الخامسة للإسلام، يتهيأ ربما مئات الآلاف، فرادى وجماعات، لينطلقوا في رحلة عبر الصحراء القاحلة الموحشة في طريق لا يسلكونه إلا لنفس السبب كل عام، في مواكب مختلفة، تشمل الكبار والصغار والأطفال والشباب، كبيرة من مختلف المدن والقرى المحيطة، يحملون معهم أضحياتهم أو ما يسمونها ب"الهدي"، ليصعدوا الجبل وليقضوا فيه يوم التاسع من ذي الحجة ثم ينزلون منه ليطوف بعضهم ثم ينحروا أضحياتهم، ثم يختموا زيارتهم ويبدءوا في الانصراف من المكان بعد يوم العاشر من ذي الحجة أول أيام عيد الأضحى. تمتزج المنطقة بالناس وخيم الباعة في مولد أبي الحسن، وترفع الرايات الخضراء اللون الأخضر يرفعه بعض الصوفية كناية عن شرف الانتساب لأهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم، مرددين "يا ساكن حميثرة.. فوقك قبة منورة.. أروي العطاشا يا شاذلي.. بكاسات معطرة"، "شاذلى يا أبو الحسن.. ادعيني وأزورك سنوى.. وأتملى بنورك سنوى.. شاذلى يا أبو الحسن"، بهذه الكلمات المأثورة يدخل ذوار مولد القطب الصوفي مناسك "الحج الأصغر"، بحسب اعتقادهم. فعلى بعد 150 كيلو من مدينة مرسى علم، يوجد هناك "وادى حميثرة"، حيث يقع بداخله قرية صغيرة جدا تسمى "أبو الحسن الشاذلي"، سميت على اسم أحد أقطاب الصوفية، والذي وافته المنية في ذلك الوادى عند مروره به إلى ميناء عيذاب التي تقع جنوبالبحر الأحمر، للذهاب لقضاء فرائض الحج، حيث يتوافد الآلاف من المنتمين للطرق الصوفية الشاذلية من كل بقاع الأرض بمشاركة أهالي محافظة البحر الأحمر ومحافظات وسط الصعيد المجاورة، لحضور مولد القطب الصوفي سيدي أبو الحسن الشاذلي، بالقرب من ضريحه ومسجده. "شاذلي يا أبو الحسن" هذا هو النداء الذي يردده الجميع، خاصة الطوائف والطرق الصوفية التي تخرج من ساحاتها المبنية قريبا من المقام، تحمل البيارق بين غناء القصائد وترديد الابتهالات، تخرج كلها بعد صلاة العصر، فيما يسمى بالدورة، وتتجمع حول المقام، القائم بسرة الوادي، حيت تلتف كل جماعة وتؤدي أذكارها توقيعا وغناءً ورقصا بالبيارق، كما تشارك النساء أيضا في الاحتفال، فبعض السيدات تضع طبقا به حناء فوق رأس واحدة منهن، وتذهب به نحو المقام معها إحدى العرائس وتشبه ليلة الدخلة، فيتم الغناء على الدف والطبلة مرددين "شاذلي يا أبو الحسن". إفترش الباعة الجائلون الطريق الترابى بطول الوادى، يبيعون كل شىء من السبح إلى البطاطين إلى الحلوى والحمص ولعب الأطفال، وصور الشاذلى ومشايخ الصوفية، لتتحول المنطقة إلى سوق كبيرة. ويعد أبو الحسن الشاذلي من أشهر من وفد إلى مصر من صوفية المغرب العربي في القرن السابع، حيث تعلم على يد شيخه عبد السلام بن مشبش في المغرب، ثم أراد أن يستزيد من العلم فرحل إلى تونس وفيها بدأ الدراسة العلمية وسلك طريق التصوف إلى أن أذن له شيخه وأستاذه عبد السلام بن مشبش في أن يرشد غيره فاتجه إلى شاذلة، وهى قرية في تونس ومنها وفد إلى مصر التي أحسنت استقباله وأحرز فيها درجة في المقامات والأحوال واعتبر من أهم أقطاب الصوفية في مصر. وفى طريقه إلى الحج مع مريديه توفى الشاذلي ودفن في وادي حميثرة بالبحر الأحمر ومن يومها أصبح ضريحه مزارا وملجأ للمتصوفة والباحثين عن الهدوء والتأمل. يتكرر المشهد في جميع القرى، سيارات نقل وعشرات من الأسر، رجال ونساء وأطفال يفترشون سطحها ومعهم هديهم وطعامهم ويعلو كابينة القيادة مكبر صوت يردد التواشيح والأغاني الدينية في شكل مهرجان ديني كبير وتدق الطبول والمزامير لتهون مشقة الطريق إلى "صحراء عيزاب" عن طريق ادفو أو القصير أو قنا فكل الطرق تؤدى إلى حميثرة. و بمجرد وصولك للمولد تجد الساحات تنتشر حول الضريح، ساحة الحاجة زكية، والساحة الأحمدية، وساحة الأشراف، وساحة السادة الرفاعية، والمرغنية، وأولاد الشيخ عبدالسلام، والسلمانية، والبرهامية الشاذلية، حيث تبدأ الطقوس بالطواف حول المقام ثم الابتهال بالأدعية، وقراءة القرآن الكريم، وبإنشاد النشيد الموحد للجميع" شاذلى يا أبوالحسن"، كما تعقد حلقة ذكر بجوار المقام ويحمل جميع الموجودين بالساحة الرفاعية السيوف والعصى للرقص بطريقة الحجل ويتنافس الشيوخ والشباب والأطفال لإظهار المهارات والقدرة على الصبر والتحمل. ويتخذ الذين لا تساعدهم ظروفهم على الحج إلى مكةالمكرمة في نفس أيام الحج الأعظم، الرحال إلى ضريح الشاذلي ليقفوا على جبل حميثرة متجهين بقلوبهم إلى عرفات الله، ويقضون العيد في رحاب ساحة الشيخ العابد، على حد اعتقادهم". وفي رحلتهم إلى الحج الأصغر "على وصفهم" رصدت "البوابة نيوز" احتفالات مريدى المولد الذي يبدأ عادة برحلة الصعود لجبل حميثرة، ثم زيارة الضريح وإقامة الاحتفالات في الساحات المحيطة وينتهى مع تكبيرات صلاة عيد الأضحى المبارك، بعد صعود المحبين للجبل يتجهون إلى الضريح، وبعد خروجهم منه يرددون "لبيك اللهم لبيك". ولا يبدو غريبًا وقوع خلافات بين رواد المولد فيما يتعلق بسلوك فولكلوري مصري، حين يصر بعض زوار المولد على مناداته بالحج سواء في حميثرة أو بعد عودته لمحل إقامته باعتباره أدى مناسك الحج الأصغر، لا سيما أن هناك إصرارًا بين عدد لا بأس به من الرواد على تكرار نفس مناسك الحج والطواف أمام قبر الشاذلي. اللافت أن هذا المولد شهد تراجعًا ملحوظًا في عدد مريديه منذ العام الماضى بعد أن كان يزوره مليوني زائر إلى أقل من 250 ألفًا بفعل الاضطرابات الأمنية وتدهور الوضع الاقتصادي، كذلك يتطلب المشاركة فيه نذورًا وهدايا أصبحت تفوق طاقة المواطنين، وهو ما امتد للرواد العرب القادمين في المغرب والذين لم يتجاوز حضورهم العشرات هذا العام بعد أن كانت أعدادهم تقترب من الألفين خلال الأعوام الماضية. فيما نفى عدد من الصوفيون اعتبارهم لمولد أبو الحسن الشاذلى "حج أصغر"، مشيرين إن الهدف من وقوفهم على جبل "الحميثرة" هو إقامة مولد سيدى أبوالحسن الشاذلى، وليس لإقامة شعائر الحج الأصغر أو التعبد كما ردد البعض، داعيًا الذين يهاجمون الصوفيين، إلى حضور المولد لكى يروا الحقيقة. على الجانب الآخر أعلن اللواء أحمد عبدالله محافظ البحر الأحمر، حالة الطوارئ القصوى بجميع القطاعات الخدمية لمدينة مرسي علم وإلغاء الإجازات للاحتفال بالليلة الختامية لمولد "العارف بالله" سيدى أبو الحسن الشاذلى. حيث تم تخصيص دوريات أمنية ومرورية على الطريق من مرسي علم وحتى قرية الشيخ الشاذلى مرورا بسيدى سالم لتأمين زوار الشيخ وتأمين الطريق مع تواجد سيارات الإسعاف بشكل مكثف، بالإضافة لدعم الوحدة الصحية بالقرية بأطباء من مديرية الصحة في كل التخصصات وتوفير الأدوية اللازمة، ونقل عشرات الأطنان من مياه الشرب إلى الساحات المنتشرة بجوار ضريح الشيخ. من جانبها أعلنت مديرية الصحة، حالة الطوارئ بالمدينة، وتم الدفع بعدد كبير من سيارات الإسعاف والأطباء وأطقم التمريض، كما تم تعزيز الخدمات الأمنية بالمدينة والدفع بعدد من سيارات الإطفاء لمواجهة أي ظروف طارئة. وأكد اللواء محمد الحمزاوى مدير أمن البحر الأحمر، استمرار الخدمات الأمنية المدعمة حتى انتهاء الاحتفالات مع تكبيرات عيد الأضحى المبارك.