ذكر القرآن الكريم تطهير الكعبة فى قوله تعالى «وطهّر بيتى للطائفين والعاكفين والركّع السجود»، وتقول الروايات التاريخية عن فتح مكة فى عهد الرسول أنه أمر أصحابه بغسل وتطهير الكعبة والجزء السفلى من جدرانها الداخلية بماء زمزم، وشاركهم فى ذلك، واستمر على هذه الحال من العام الثامن وحتى العام الحادى عشر للهجرة، موليًا تلك المهمة إلى أميره على مكة، وكذلك خلال حكم أبى بكر الصديق، وكان أمير مكة فى ذلك الحين هو عتاب بن أسيد. واستمر الخلفاء من بعد النبى الكريم على سنة غسل الكعبة، وتولية غسلها لأمير مكة، من عمر بن الخطاب إلى عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، وخلفاء العهود الأموية والعباسية والعثمانية الذين شارك بعضهم فى الغسل والتطييب بأنفسهم، ومنهم عبد الله بن الزبير الذى أعاد بناءها ثم طيبها بالكامل بالعنبر والمسك من الداخل والخارج، وكان يقذفها برطل من العطر يوميًا. ويُروى عن السيدة عائشة أيضًا أنها قالت «طيّبوا البيت فإن ذلك من تطهيره، ولئن أطيّب الكعبة أحبّ إليّ من أن أهدى لها ذهبًا وفضة». ثم استمر حكام المملكة العربية السعودية فى الاهتمام بغسل الكعبة، التى لم يُحدد لها فى التاريخ الإسلامى أيام بعينها، ولكن قرر الملوك غسل الكعبة فى يومين معلومين كل عام، هما الأول من شعبان استعدادًا لاستقبال المعتمرين فى رمضان، والسابع من ذى الحجة أثناء أداء المسلمين لمناسك الحج؛ ويتضمن ذلك اليوم أيضًا تغيير كسوة الكعبة. وتشمل طقوس غسل الكعبة حضور رئيس سدنة الكعبة أى المسئولين عن خدمتها عقب شروق الشمس، ليفتح باب الكعبة ويغمرها المشاركون فى عملية الغسل بماء زمزم وماء الورد والمسك والعود والبخور، مرتدين أثوابًا من الكشمير تحميهم أثناء عملية الغسل. ويشارك فى الغسل الملك السعودى أو من ينوب عنه، ولكن تحظى مشاركته بمراسم خاصة حيث يدخل الكعبة من باب الملك عبدالعزيز على سلم خاص، ويصلى ركعتين بالداخل فى موضع صلاة الرسول المحدد ببلاطة رخامية غامقة، ثم يطوف بالكعبة. وجرى العرف على أن يتبعه فى الدخول أمير مكة والوزراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية ورؤساء بعثات الحج. ونظرًا لما يتسبب فيه غسل الكعبة فى وقت الحج من وقوع ضحايا من المتوفين والمصابين، نتيجة تدافع الحجاج للمشاركة فى الغسل، تأجل غسل الكعبة فى عام 2015 إلى العام الذى يليه، وقررت الرئاسة العامة لشئون الحرمين بالمملكة، فى مايو الماضى، الاكتفاء بغسل الكعبة مرة واحدة كل عام، فى الخامس عشر من محرم، وفسّرت ذلك بأنه «لمراعاة المشاريع القائمة والتوسعات، وحفاظًا على سلامة رواد بيت الله الحرام والتيسير عليهم فى أداء نسكهم وعبادتهم». وأثار غسل الكعبة الجدل أحيانًا بين بعض الشيوخ، لمشاركة بعض الفنانين والشخصيات العامة فى غسل الكعبة مثل عبدالحليم حافظ، ورفض بعض الشيوخ ذلك فيما وجه البعض الآخر بطاقات دعوة إليهم للمشاركة. وفى حين يعتبر مجموعة من العلماء غسل الكعبة وتطييبها من أحب الأعمال إلى الله، أصدر بعض شيوخ السلفية فتاوى بأنه لم يكن من سنة النبى وأصحابه، وأن دعوة الكبراء إلى حضوره بدعة.