عميد الأدب العربي، أبرز الشخصيات في الحركة العربية الأدبية الحديثة، وأبرز دعاة التنوير في العالم العربي، ورائدا من رواد التغريب في العالم العربي. إنه الرجل ذو العقل الجريء، المفطور على المناجزة، والتحدي، الذي استطاع نقل الحراك الثقافي بين القديم، والحديث من دائرته الضيقة التي كان عليها إلى مستوى أوسع وأرحب بكثير، هكذا وصف عبَّاس محمود العقاد طه حسين، أما الدكتور "إبراهيم مدكور فقال عنه: إنه اعتدّ تجربة الرأي وتحكيم العقل، واستنكر التسليم المطلق، ودعا إلى البحث، والتحري، بل إلى الشك والمعارضة، وأدخل المنهج النقدي في ميادين لم يكن مسلَّمًا من قبل أن يطبق فيها، أدخل في الكتابة والتعبير لونًا عذبًا من الأداء الفني حاكاه فيه كثير من الكُتَّاب، وأضحى عميدَ الأدب العربي بغير منازع في العالم العربي جميعه. قصة كفاح ولد "طه" يوم الجمعة 15 نوفمبر 1889، سابع أولاد أبيه "حسين"، في قرية "الكيلو" القريبة من "مغاغة" إحدى مدن محافظة "المنيا" في الصعيد الأوسط المصري، وما مر على عيني الطفل أربعة من الأعوام حتى أصيبتا بالرمد ما أطفا النور فيهما إلى الأبد، وكان والده "حسين عليّ" موظفًا صغيرًا رقيق الحال في شركة "السكر"، أدخله أبوه كُتَّاب القرية للشيخ "محمد جاد الرب"، لتعلم العربية والحساب وتلاوة القرآن الكريم وحفظه في مدة قصيرة أذهلت أستاذه وأترابه ووالده الذي كان يصحبه أحياناً لحضور حلقات الذكر، والاستماع عشاء إلى عنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي. دخل "طه" الأزهر للدراسة الدينية سنة 1902، فحصل فيه ما تيسر من الثقافة، ونال شهادته التي تخول له التخصص في الجامعة، لكنه ضاق ذرعاً فيها، فكانت الأعوام الأربعة التي قضاها فيها، وهذا ما ذكره هو نفسه، وكأنها أربعون عاماً وذلك بالنظر إلى رتابة الدراسة، وعقم المنهج، وعدم تطور الأساتذة والشيوخ وطرق وأساليب التدريس. ولما فتحت الجامعة المصرية أبوابها سنة 1908 كان "طه حسين" أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعدداً من اللغات الشرقية كالحبشية والعبرية والسريانية، و ظل يتردد خلال تلك الحقبة على حضور دروس الأزهر والمشاركة في ندواته اللغوية والدينية والإسلامية. ودأب على هذا العمل حتى سنة 1914، وهي السنة التي نال فيها شهادة الدكتوراه وموضوع الأطروحة هو: "ذكرى أبي العلاء" مما أثار ضجة في الأوساط الدينية المتزمتة، وفي ندوة البرلمان المصري إذ اتهمه أحد أعضاء البرلمان بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف. وفي العام نفسه، أي في عام 1914 أوفدته الجامعة المصرية إلى "مونبيليه" بفرنسا، لمتابعة التخصص والاستزادة من فروع المعرفة والعلوم العصرية، فدرس في جامعتها الفرنسية وآدابها، وعلم النفس والتاريخ الحديث، بقي هناك حتى سنة 1915، سنة عودته إلى مصر، فأقام فيها حوالي ثلاثة أشهر أثار خلالها معارك وخصومات متعددة، محورها الكبير بين تدريس الأزهر وتدريس الجامعات الغربية ما حدا بالمسؤولين إلى اتخاذ قرار بحرمانه من المنحة المعطاة له لتغطية نفقات دراسته في الخارج، لكن تدخل السلطان "حسين كامل" وحال دون تطبيق هذا القرار، فعاد إلى فرنسا من جديد لمتابعة التحصيل العلمي، ولكن في العاصمة باريس فدرس في جامعتها مختلف الاتجاهات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث وأعد خلالها أطروحة الدكتوراه الثانية وعنوانها: "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون"، كان ذلك سنة 1918 إضافة إلى إنجازه دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني، والنجاح فيه بدرجة الامتياز. "سوزان بريسو" وقصة حب العميد وفي غضون تلك الأعوام كان قد تزوج من "سوزان بريسو" الفرنسية السويسرية التي ساعدته على الاطلاع أكثر فأكثر بالفرنسية واللاتينية، فتمكن من الثقافة الغربية إلى حد بعيد. كان لهذه السيدة عظيم الأثر في حياته فقامت له بدور القارئ فقرأت عليه الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تم كتابتها بطريقة بريل حتى تساعده على القراءة بنفسه، كما كانت الزوجة والصديق الذي دفعه للتقدم دائماً وقد أحبها "طه حسين" حباً جماً، ومما قاله فيها أنه "منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم"، وكان ل "طه حسين" اثنان من الأبناء هما: "أمينة" و"مؤنس". العودة الى مصر حين عاد إلى مصر سنة 1919 عُيِّن "طه حسين" أستاذا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية، وكانت جامعة أهلية، فلما ألحقت بالدولة سنة 1925 عينته وزارة المعارف أستاذاً فيها للأدب العربي، فعميداً لكلية الآداب في الجامعة نفسها، وذلك سنة 1928، لكنه لم يلبث في العمادة سوى يوم واحد؛ إذ قدم استقالته من هذا المنصب تحت تأثير الضغط المعنوي والأدبي الذي مارسه عليه الوفديون، خصوم الأحرار الدستوريين الذي كان منهم "طه حسين". وفي سنة 1930 أعيد "طه حسين" إلى عمادة الآداب، لكن، وبسبب منح الجامعة الدكتوراه الفخرية لعدد من الشخصيات السياسية المرموقة مثل "عبد العزيز فهمي" و"توفيق رفعت" و"علي ماهر باشا"، ورفض "طه حسين" لهذا العمل، أصدر وزير المعارف مرسوما يقضي بنقله إلى وزارة المعارف، لكن رفض العميد تسلم منصبه الجديد اضطر الحكومة إلى إحالته إلى التقاعد سنة 1932. إثر تحويل "طه حسين" إلى التقاعد، انصرف إلى العمل الصحفي فأشرف على تحرير "كوكب الشرق " التي كان يصدرها "حافظ عوض"، وما لبث أن استقال من عمله بسبب خلاف بينه وبين صاحب الصحيفة، فاشترى امتياز "جريدة الوادي " وراح يشرف على تحريرها، لكن هذا العمل لم يعجبه فترك العمل الصحفي إلى حين، كان هذا عام 1934. وفي العام نفسه أي عام 1934 أعيد "طه حسين" إلى الجامعة المصرية بصفة أستاذا للأدب، ثم بصفة عميد لكلية الآداب ابتداء من سنة 1936. وبسبب خلافه مع حكومة "محمد محمود"، استقال من العمادة لينصرف إلى التدريس في الكلية نفسها حتى سنة 1942، سنة تعيينه مديراً لجامعة الإسكندرية، إضافة إلى عمله الآخر كمستشار فني لوزارة المعارف، ومراقب للثقافة في الوزارة عينها، وفي عام 1944 ترك الجامعة بعد أن احيل إلى التقاعد. وفي سنة 1950، وكان الحكم بيد حزب الوفد، صدر مرسوم تعيينه وزيراً للمعارف، وبقي في هذا المنصب حتى سنة 1952، تاريخ إقامة الحكومة الوفدية، بعد أن منح لقب "الباشاوية" سنة 1951، وبعد أن وجه كل عنايته لجامعة الإسكندرية، وعمل رئيساً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضواً في العديد من المجامع الدولية، وعضواً في المجلس العالي للفنون والآداب. وفي سنة 1959 عاد "طه حسين" إلى الجامعة بصفة أستاذ غير متفرغ، كما عاد إلى الصحافة، فتسلم رئاسة تحرير الجمهورية إلى حين. نهضة أدبية دعا طه حسين إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، ولقد أثارت آراؤه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبالي "طه " بهذه الثورة ولا بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها ولكن أستمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة فقد أخذ على المحيطين به ومن الأسلاف من المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، هذا بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونا على قدر كبير من التمكن، والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدي، وعدم التمسك بالشكل التقليدي في التدريس. الشعر الجاهلي من المعارضات الهامة التي واجهها طه حسين في حياته تلك التي كانت عندما قام بنشر كتابه "الشعر الجاهلي" فقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة، والكثير من الآراء المعارضة، وهو الأمر الذي توقعه طه حسين، وكان يعلم جيداً ما سوف يحدثه فمما قاله في بداية كتابه: أخذ على "طه حسين" دعوته إلى الأَوْرَبة، كما أخذ عليه قوله بانعدام وجود دليل على وجود النبيين "إبراهيم" و"إسماعيل" فضلا عن زيارتهما الحجاز ورفعهم الكعبة، سالكا بذلك المنهج الديكارتي في التشكيك ،ويقول في هذا الصدد. للتوراة أن تحدثنا عن "إبراهيم "و"إسماعيل" وللقرآن أن يحدثنا عنهما ولكن هذا لا يكفي لصحة وجودهما التاريخي. كما أنتقد لمساندته "عبد الحميد بخيت" أمام الأزهر في فتوى جواز الإفطار في نهار رمضان لمن يجد أدنى مشقة، واتهم بالكفر والإلحاد مناصب وجوائز اضطلع "طه حسين" خلال تلك الحقبة، وفي السنوات التي أعقبتها بمسؤوليات مختلفة، وحاز مناصب وجوائز شتى، منها تمثيلة مصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية في مدينة "فلورنسا "بإيطاليا، سنة 1960، وانتخابه عضوا في المجلس الهندي المصري الثقافي، والإشراف على معهد الدراسات العربية العليا، واختياره عضوا محكما في الهيئة الأدبية الطليانية والسويسرية، وهي هيئة عالمية على غرار الهيئة السويدية التي تمنح جائزة "بوزان". ولقد رشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة "نوبل"، وفي سنة 1964 منحته جامعة "الجزائر" الدكتوراه الفخرية، ومثلها فعلت جامعة "بالرمو" بصقلية الإيطالية، سنة 1965. وفي السنة نفسها ظفر" طه حسين" بقلادة "النيل"، إضافة إلى رئاسة مجمع اللغة العربية، وفي عام 1968 منحته جامعة" مدريد" شهادة الدكتوراه الفخرية، وفي سنة 1971 رأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية في العالم العربي، ورشح من جديد لنيل جائزة "نوبل"، وأقامت منظمة "الأونسكو" الدولية في "اورجواي" حفلاً تكريمياً أدبياً له، أيضا كان وزيرا للتربية والتعليم في مصر. من أقوال ومأثورات عميد الأدب العربي - الأصدقاء ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا نستغني عنه، وطبقة كالدواء لا نحتاج إليه إلا أحيانًا، وطبقة كالداء لا نحتاج إليه أبدا . - إن الجامعة تتألف من طالب حر وأستاذ حر - و هكذا جمعنا الزمان والمكان والشوق، أما الزمان والمكان فلا ثبات لهما، وأما الشوق فلا يورث إلا الحزن - الحنين إلى الوطن خالد لا يدري أحد أحديث هو أم قديم - الفلسفة هي مظهر الحياة العقلية القوية. وهي وسيلة الانسان إلي أن يتصور الحقائق ويحكم عليها بعقله لا بخياله. - ويل لطالب العلم إن رضي عن نفسه -فإذا ابتسم الصبح و أشرق الضحى واستيقظت الحياة ذابت كل المروعات - حذار .. فإنني لم أجد تجارة أربح من بيع الأحلام - قد يكون المرء غبياً في طبعه لكن الغباء غباء القلب. - السعادة هي ذلك الاحساس الغريب الذي يراودنا حينما تشغلنا ظروف الحياة عن أن نكون أشقياء. -إن الحب لا يسأم ولا يمل ولا يعرف الفتور. -هذه هي الحياة أنك تتنازل عن متعك الواحدة بعد الأخرى حتى لا يبقى منها شيء وعندئذ تعلم أنه قد حان وقت الرحيل. -إياك و الرضى عن نفسك فانه يضطرك الى الخمول. -إياك والغرور فانه يظهر للناس كلهم نقائصك كلها ولا يخفيها الا عليك. - كم أتمنى أن يقرأ الكاتب أكثر مما يكتب. -وما عساك من القتل تجني غير الهدم والفناء. -لا أنكر الحياة الجاهلية وإنما أنكر أن يمثلها هذا الشعر الذي يسمونه الشعر الجاهلي. -الأمة الذليلة لا يمكن أن يكون لها شعر راق، إلا في فن التضرع والاستعطاف. -الإنسان مفطور على حب البحث، والرغبة في الاستطلاع لكن الحياة وأطوارها قد تصرفه عن مقتضى هذه الفطرة. -لا تنخدعوا .. لو كان للغة وزن في تقرير. مؤلفات خالدة - الفتنة الكبرى عثمان. - الفتنة الكبرى علي وبنوه. - في الشعر الجاهلي. - الأيام. - دعاء الكروان. - شجرة البؤس. - المعذبون في الأرض. - على هامش السيرة. - حديث الأربعاء. - من حديث الشعر والنثر. - مستقبل الثقافة في مصر. - أديب - مرآة الإسلام - الشيخان - الوعد الحق - جنة الشوك - مع أبي العلاء في سجنه - في تجديد ذكرى أبي العلاء - في مرآة الصحفي. اشراف عادل الضوي – مصطفى بيومي – ناصر عراق اعده للنشر رحاب الدين الهواري مصطفى عبيد – ايهاب طاهر اسراء عبد التواب – ايمن فكري طارق السعيد -حسن محرم اخراج فني احمد حسين - أحمد يحيي