لا ينكر عظمتك إلا جاهل التاريخ وغافل صحيح الحديث وسفر التكوين، إذ يشهد الإنتاج العلمى والأدبى النبوغ المصري، عقليات لا تستغنى عنها ناسا ولا جامعات الشريعة بالمدينة المنورة، شعب أحب الدين والدنيا أحبته، المصريون حبر المكتبات العربية ونجوم فضاء الفن وخطباء الجمعة بإسبانيا ودعاة باليابان مثل الجرجاوى من سوهاج الذى أسلم بسببه اثنا عشر ألف يابانى. سباقون فى اكتشاف كروية الأرض، فالصعيدى النصرانى حسَب قطر الأرض بتأمله حركة الظل لما يغرس عصاه بالأرض، بقياسه اختلاف قُطر كل ظل لكل بلد سافر إليه، مصر حضارة أزهرت وعين شمس منها أشرقت، حضارة مصر كانت قبل إمبراطورية الصين وبعد إمبراطورية بريطانيا. ثورة الفيسبوك وثورة الجياع لقبان لا يليقان بما تجلى من ظاهرة حضارية مبهرة ومضرب مثل لكيفية ابتداء ثورة وإنهائها مع أقل نسبة ضحايا، ثورتها تفوقت على الثورة الفرنسية التى أغرقت باريس دماء، رغم أن الشعب المصرى كان فى أسخن محيط خارجى للإرهاب وعدد ثوار الداخل تجاوز 86 مليونًا! شخصية المصرى نحتتها حضارات عديدة، كالهكسوسيين والبابليين والليبيين والنوبيين ولعل أشهرها الحضارة الفرعونية، بدأت فى 3000 ق.م ثم اكتسحتها الإمبراطورية الفارسية، فتفشت أسماء فارسية مثل «شيرين»، وبعدها الروم، فالفتح الإسلامى فالفاطمية فالأيوبية فالمماليك فالعثمانية إلى غاية يومنا هذا، والحضارات فيها وجدت قبل 5451 عامًا، فما بالك أن ثمة حضارات كثيرة لم تذكر؟! وصدق د. مصطفى محمود حين قال: «بمصر لو ترفع طوبة يطلع لك تاريخ!». لا ننسى انهزام الصهاينة أمام رجال مصر، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض». الحديث ضعيف السند لكن الواقع قوى الدليل، أحبطوا استخبارات إسرائيل فى حرب 6 أكتوبر باستخدامهم لغة النوبة التى تُنطق ولا تكتب، وكانت فكرة الحاج أحمد إدريس التى اعتمدها السادات لكى يعجز الصهاينة عن ترجمة محاوراتهم. المصرى لم ولن يغزو غيره بالرغم من أنه أول شعب فى تاريخ البشرية يدك عظام المغول الذين التهموا آسيا والخلافة العباسية وشرق أوروبا، فكيف استطاعت السواعد المصرية دحر أشرس عرمرم عرفته البشرية حين كان يُمول المغول من قارتين؟ شعب كالنيل لا يهدى البشرية سوى الحياة، أو لم يروِ قلوبنا بجهابذة الأدب والشعر؟ أو لم ينر بصائرنا بفقهائه ودُعاته؟ فكيف نتكلم عن مصر وننسى المصرية التى لها مئات الألقاب المتوارثة من شتى الحضارات، والتى لا يكون معناها إلا السيدة مثل «هانم»؟ هذه المصرية ليست قمة الهرم بل هى الهرم كله! كليوباترا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فالمصرية زهرةٌ لا تتجلى إلا بالبيئة العقلانية الخصبة لأشجار الدر. نقلاً عن الجريدة الكويتية