الاجتماع الأول للمجلس التنفيذي للدورة (57) للمؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية    عمومية المحامين توافق على زيادة المعاشات وعزل مراقب الحسابات (فيديو)    عبيد عبد القوي يعلن انسحابه من سباق انتخابات النواب في الفيوم    وزير الاتصالات: "كريتيفا" تقدم منظومة متكاملة لإعداد الكفاءات القادرة على مواكبة متطلبات سوق العمل    غدا.. "دبلوماسية الذكاء الاصطناعى" جلسة نقاشية في منتدى رؤساء الجامعات الروسية والعربية    جولة إعلامية موسعة لوزير السياحة بالولايات المتحدة لتعزيز مكانة مصر على خريطة السياحة العالمية    مطار فيلنيوس في ليتوانيا يعلق العمل بسبب بالونات في مجاله الجوي    برشلونة يعزز صدارة الدوري الإسباني بخماسية مثيرة ضد ريال بيتيس.. فيديو    منتخب مصر يفلت من هزيمة أمام الإمارات بتعادل قاتل 1-1 في كأس العرب    شيكابالا يطالب مجلس الزمالك بالرحيل بعد أسوأ فترات النادي    إعادة فتح ميناء نويبع البحرى وانتظام حركة الملاحة بموانئ البحر الأحمر    طالب يُنهي حياته شنقًا داخل منزل أسرته في قنا    بعد 4 أشهر من الزفاف.. زوج ينهي حياة زوجته بالمنوفية    شاهد، البرومو الأول لمسلسل سنجل ماذر فاذر    أول ظهور فني لزوجة مصطفى قمر في كليب "مش هاشوفك"    محمد كريم على السجادة الحمراء لفيلم جوليت بينوش In-I in Motion بمهرجان البحر الأحمر    قطر وسوريا تبحثان تعزيز التعاون التجاري والصناعي    هرتسوج معلقًا علي طلب ترامب العفو عن نتنياهو: إسرائيل دولة ذات سيادة    جامعة كفر الشيخ تنظم مسابقتي «المراسل التلفزيوني» و«الأفلام القصيرة» لنشر ثقافة الكلمة المسؤولة    أسعار مواد البناء مساء اليوم السبت 6 ديسمبر 2025    مستشار أوكراني: كييف تتجه لاستهداف العمق الروسي لإيلام الاقتصاد    تعليق مفاجئ من حمزة العيلي على الانتقادات الموجهة للنجوم    «هيئة الكتاب» تدعم قصر ثقافة العريش بألف نسخة متنوعة    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    بسمة عبدالعزيز: الشباب هم القوة الدافعة للتصنيع والتصدير    قرار قضائي ضد مساعدة هالة صدقي في اتهامات بالتهديد والابتزاز    جوائز ب13 مليون جنيه ومشاركة 72 دولة.. تفاصيل اليوم الأول لمسابقة القرآن الكريم| صور    «أسرتي قوتي».. قافلة طبية شاملة بالمجان لخدمة ذوي الإعاقة بالمنوفية    أسلوب حياة    بايرن ميونخ يكتسح شتوتجارت بخماسية.. وجولة مثيرة في الدوري الألماني    تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي    جيش الاحتلال الإسرائيلي يصيب فلسطينيين اثنين بالرصاص شمال القدس    أصالة تحسم الجدل حول انفصالها عن زوجها فائق حسن    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 9 مسلحين في عمليتين استخباراتيتين بولاية خيبر باختونخوا    سكرتير عام الجيزة يتابع جهود رفع الإشغالات وكفاءة النظاقة من داخل مركز السيطرة    محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة    بيطري الشرقية: استدعاء لجنة من إدارة المحميات الطبيعية بأسوان لاستخراج تماسيح قرية الزوامل    اسكواش – تأهل عسل ويوسف ونور لنهائي بطولة هونج كونج المفتوحة    الإعدام لمتهم والمؤبد ل2 آخرين بقضية جبهة النصرة الثانية    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    نظام «ACI».. آلية متطورة تُسهل التجارة ولا تُطبق على الطرود البريدية أقل من 50 كجم    عمرو عابد يكشف سر عدم تعاونه مع أبطال «أوقات فراغ»    الدوري الإنجليزي.. موقف مرموش من تشكيل السيتي أمام سندرلاند    حل أزمة عجز المدرسين.. كيف تمت معالجة أحد أكبر تحديات التعليم؟    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    احذر.. الإفراط في فيتامين C قد يصيبك بحصى الكلى    الشرع: إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    اسعار المكرونه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى أسواق ومحال المنيا    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلاد الشمال شباب لا ينقطع
نشر في البوابة يوم 08 - 08 - 2016

لم أنس ذلك المشهد الذى رأيته فى الدنمارك، برغم مرور نحو ربع قرن.. زوجان عجوزان يبنيان غرفة فى الحديقة الواقعة بين فيلتهما وسورها تحت أشعة الشمس الباردة.. كان السور يتكون من قوائم خشبية متباعدة وغير مرتفعة كل منها على شكل سهم مغروسة مؤخرته فى الأرض.. وفوق بساط العشب الأخضر الذى يفترش أرض الحديقة كانا يبنيان الغرفة الصغيرة بالمسامير وألواح الخشب، فاندهشت كما اندهش قوم نوح حينما رأوه يبنى السفينة ذات الألواح والدسر!.. كان اندهاش قوم نوح لأن نبى الله كان يبنى سفينته فى الصحراء بعيدًا عن الماء، أما اندهاشى آنذاك فقد كان لأنهما عجوزان يفعلان ما لا يفعله فى بلادنا إلا الشباب.
إذ كان الزوج يقف على إحدى الدرجات العليا لسلم متحرك من الخشب يرتكز من تحت على بساط عشب الحديقة الجميلة، ويستند من فوق إلى أحد جدران الغرفة الصغيرة التى كان يستكمل بناءها بمهارة يحسد عليها بينما كانت زوجته تقف فوق بساط العشب تحته تناوله المسامير اللازمة وألواح الخشب المناسبة.
اقتربت وقتئذ من سهام سور الحديقة، لأرى عن قرب تلك الصورة الجميلة، كان رأسى يعلو رؤوسها، ولهذا كنت أرى بوضوح كل ما يقع أو يدور خلفها، وقد مكننى من ذلك أيضًا فى ذلك الآن تباعد المسافات فيما بين تلك السهام، ولما ازداد الاقتراب ابتسما لى، ولم أكن أدرى هل كانت ابتسامهما لى من باب إنسانى، لأنهما سُرَّا لما رأيانى وأنسا باقترابى أم لاندهاشهما من شدة فضولي!، والحق أنى تشجعت وألقيت عليهما التحية فردا عليَّ بأحسن منها ودعيانى لدخول الحديقة، فقبلت ولبيت الدعوة التى كنت ولا ريب وقتئذ أنشدها.
لم أستح أن أسألهما بمزاح كما يُسألُ طفلان: ماذا تفعلان؟!، قالا بسعادة بالغة: نبنى هذه الغرفة الرائعة، قلت: لِمَ؟!، قالا: لم نستقر بعد إن كنا سنأكل فيها طعامنا أم سنخصصها لإقامة الكلب؟!، قلت: لست أدرى إن كان لى أن أسألكما عن عمريكما أم لا؟!، قالا: ثمانينيان، قلت بصوت لا يخلو من إشفاق: أليس من العجيب أن تبنيا بأيديكما هذه الغرفة باستخدام سلم وخشب ومطرقة ومسامير وأنتما فى هذا العمر الكبير؟!.. أليس هذا العمل الشاق كان من الأولى أن يقوم به عمال شباب بينما تكونان أنتما على كرسيين مريحين تجلسان؟!، قالا وهما إلى الفيلا يشيران: كنا فى شبابنا عصفورين نشيطين وبنينا بأيدينا هذا العش فلماذا ونحن فى هذا العمر لا نبنى بأيدينا أيضًا للعش ملحقًا؟!.. قلت: لقد تلقيت منكما أكثر من درس منها حب العمل وعدم الركون إلى الكسل، وأن ما من شيء يبدو أجمل فى عين الإنسان مما صنعته يداه، وأن الشعور بالحيوية والشباب لا علاقة له بالأعمار، وأن تعاون الزوجة مع الزوج فى اقتسام التعب وبذل الجهد، هو دينامو يولد المودة والحب.
سألتهما عن أبنائهما فقالا: مشغولون عنا، وقالت لى الزوجة: من فضلك انتظر، ومشت إلى الفيلا ودخلتها وغابت ثم عادت ومعها برطمان مربى وملعقة نظيفة وقالت: أنا أصنع المربى بيدى، وأرجو أن تذوقها فذلك يسرنى، قلت: إن هذا أمر رائع غير أنى فى الوقت الحالى لا أرغب فى ذلك أشكرك، قالت: الملعقة كما ترى شديدة النظافة والمربى صنعتها بعناية وفى ظل حدود قصوى للنظافة، فلا ترتاب.. وقال لى زوجها من فوق السلم وهو يطرق على مسمار: صدقها فأنا شاهد على أفعالها وصدق أقوالها.. وفتحت الزوجة البرطمان، وملأت بنفسها الملعقة فأكلت أحلى مربى مصنوعة من فاكهة لا أعرفها.. وأثنيت على من صنعتها. ثم قالت لى وهى تشير فى اتجاه بإصبع السبابة: انظر إلى ذلك القفص فى أقصى الحديقة.. فلما نظرت إلى حيث أشارت رأيت أكبر أرنب يمكن أن تراه العيون لا يقل حجمه عن حجم خروف!.. قلت لها مندهشًا: هذا هو أكبر أرنب رأيته فى حياتي!.. قالت: نعم أنا التى ربته وأفتخر.. قلتُ: تستطيعين أن تدخلى به موسوعة جينيس.. قال زوجها ضاحكًا من فوق السلم: فكرة لا بأس بها سنضعها فى اعتبارنا.. ثم قالت لى وهى تمشى مبتعدة عنى: اتبعنى سأريك «فلانا»، قلت: من «فلان» هذا؟!، قالت: كلبنا، قلت مازحًا: من المؤكد أنك تريديننى أن أفر هاربًا من هذا الباب أو من بين تلك السهام!، قالت: هل تخاف من الكلاب؟!، قلت: فى بعض الأحيان!، فتبسما ضاحكين.
اكتشفت أن تبسمهما لى حين اقترابى كان بدافع إنسانى، فلقد كان يسرهما لقائى وما أبديته بهما من اهتمامى ربما لرغبتهما فى كسر حاجز وحدتهما الثلجى، والاستمتاع معى بالدفء الاجتماعى. فلقد كانا باديين داخل محيط سور الحديقة ذى السهام، كأنما يعيشان فى وادٍ بين جبال من الثلج الشفاف كالزجاج يرون من خلالها باقى الوديان، ولكنها تعزلهما عما فيها من ناس. وتلك فى بعض الأحيان طبيعة الحياة فى بلاد الشمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.