"في لحظة اليأس نصنع موتنا بأنفسنا نتجمد عندما نسمع دقة على الباب نظن أن الطارق الموت الأسود الذي سيخطفنا.. فيتقوى الوهم عندنا ليصبح كالحقيقة وتغادر الحقيقة منزلها في دواخلنا لآن لا مكان لها وندور مع الوهم في فلك مستدير إلى أن تصفعنا بالنهاية الحياة لنعود ونفيق من أوهامنا"، جزء من رائعته المسرحية "لعبة الموت"، التي يصف فيها أن الموت هاجس أسود يطرق الباب في أي وقت، فيجب ألا نفكر وننتظره، لآن الإنتظار يجعلنا نصنع الموت لأنفسنا قبل قدومه إنه الأديب والكاتب والمسرحي العظيم توفيق الحكيم، التي تحل اليوم ذكري وفاته ال29. في يوم 9 أكتوبر 1898، أضاءت ضاحية الرمل بمحافظة الإسكندرية وأعتبرت من أهم معالم المدينة، بميلاد توفيق إسماعيل الحكيم، الذي ولد لأب مصري من قرية الدلنجات بمحافظة البحيرة، وأم تركية ابنة أحد الظباط الأتراك المتقاعدين، وفي السابعة من عمره، التحق بمدرسة دمنهور لينهي مرحلة الابتدائية عام 1915، ثم التحق بمدرسة حكومية بالبحيرة لإنهاء الدراسة الثانوية. بدأت رحلة في القاهرة لاستكمال دراسته الثانوية بمدرسة "محمد على الثانوية"، وفي هذه الفترة، اهتم بالموسيقى والتمثيل والفن، وكان كثير التردد على فرقة "جورج أبيض"، وعاصر الحكيم ثورة 1919، وشارك فيها، وتم القبض عليه واعتقاله حال الكثيرين من المتظاهرين، إلا أنه أفرج عنه بعد ذلك. وبعد أن حصل على شهادة البكالوريا، التحق بكلية الحقوق، وبعد التخرج عمل في أحد مكاتب المحامين المشهورين عام 1925، وظل يعمل محاميا حتى تمكن والده من إرساله في بعثة دراسية إلى باريس للحصول على درجة الدكتوراة في الحقوق. وفي باريس، تشكل جانب كبير من ثقافة الحكيم، فكان يزور متاحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح، فاكتسب ثقافة أدبية وفنية واسعة بحكم إطلاعه على الأدب العالمي كاليوناني والفرنسي، لينصرف عن دراسة الحقوق، ويتجه إلى الأدب والمسرح والقصص. وعقب مرور ثلاث سنوات، عاد إلى مصر دون الشهادة، ليعمل وكيلا للنائب العام سنة 1930، في المحاكم المختلطة بالإسكندرية ثم في المحاكم الأهلية، وانتقل إلى وزارة المعارف في سنة 1934 ليعمل مفتشا للتحقيقات، ثم نقل مديرًا لإدارة الموسيقى والمسرح بالوزارة عام 1937، إلى وزارة الشئون الاجتماعية ليعمل مديرا لمصلحة الإرشاد الاجتماعي. كان الحكيم يطرح أفكاره من خلال كتاب أو مقالة أو مسرحية، فكان يشغل الرأي العام وينشط تفكيره، فيصبح للحياة مذاق آخر، وكما أثرى الحكيم الحياة الأدبية والمسرحية، فقد أثرى أيضًا الحياة السينمائية بمجموعة من الأفلام التي أُخذت من أعماله الروائية، وهي أفلام راقية كلما شاهدتها تشعر كأنك تشاهدها للوهلة الأولى، فقد كان للحكيم أسلوب مميز بارع يجعل القارئ لا يمل أفكاره أو تشعر أنها مقررة، ومنها "يوميات نائب في الأرياف، الرباط المقدس، الأيدي الناعم، عصفور من الشرق". وكانت تعبر تلك الأفلام عن رأي الحكيم في الحياة الاجتماعية والسياسيية في تجربة خاضها بنفسه، وهكذا حقق الحكيم أفكاره ككاتب وأديب له رأي واضح وصريح له تأثيره في المجتمع، حيث استطاعت السينما في الوقت الذي ظهرت فيه تلك الأفلام أن تضع فكر الحكيم في صورة واضحة وسهلة أمام الناس. وقد أتُهم الحكيم بالعديد من الاتهامات أهمها البخل الذي استمتع به كشائعة ثبتت في الأذهان، كما لقب الحكيم ب "عدو المرأة" ويقول: السبب في هذا الاتهام كما رواه لصلاح منتصر في كتابه "شهادة توفيق الحكيم الأخيرة" يرجع إلى السيدة هدى شعراوى بسبب مهاجمتي أسلوبها في تشكيل عقلية المرأة المصرية خاصة البنات، بأن حذرتهن من الاستمرار في حياة الجواري وخدمة الرجال والأزواج في البيت لأنهن مساويات للرجل في كل شيء واشتكى لى بعض الأزواج من البنات والزوجات، اللاتى يفكرن بطريقة شعراوى فهمه لرقى المرأة وأنه استعلاء على الرجل وعدم الخدمة في البيت فكتبت في ذلك، ونصحت الزوجة الحديثة بأن تعرف على الأقل أن تهيئ الطعام لزوجها وأن أسهل صنف يمكن أن تطبخه له هو صينية البطاطس في الفرن. وفي 1946م تزوج الحكيم أثناء عمله في "أخبار اليوم"، وأنجبت له زوجته طفلين هما إسماعيل وزينب، ولم يخبر أحدًا بأمر زواجه حتى علق مصطفى أمين قائلًا "نحن الصحفيين مهمتنا الحصول على الأخبار ونحصل عليها من السراى ولا نعرف بزواج الحكيم" ويكتب مصطفى أمين عن زواجه في مقال له بعنوان "عدو المرأة يتزوج بشروطه" وينقله لنا الدكتور أحمد سيد محمد في كتابه "توفيق الحكيم.. سيرته وأعماله" فيقول: إنه أخفى عليهم أمره ثم اعترف لهم بأنه تزوج من سيدة مطلقة لها ابنتان، وأن الزواج عقلى الغرض الأول منه تأسيس بيت يصلح لحياة فنان، الكتب فيه أهم من الفراش، والموسيقى فيه أكثر من الطعام!. وروى الحكيم واقعة طريفة حدثت بينه وبين أم كلثوم حين كانت نقيبًا للموسيقيين، حين طلبت منه تبرعًا للنقابة، فأعطاها محفظته الخاوية، وعندها اكتشفت كوكب الشرق أن الحكيم يخبئ نقوده في علبة النظارة، فباغتته بقولها: "ياخبر.. حاطط الفلوس في عينيك!"، وبرر الحكيم ذلك بأنه لم يكن يخبئ النقود من باب البخل، إنما كان يخشى من السرقة فقط. اشتهر توفيق الحكيم على مدى تاريخه الطويل بالعديد من المعارك الفكرية التي خاضها أمام ذوي الاتجاهات الفكرية المخالفة له؛ فقد خاض معركة في أربعينيات القرن العشرين مع الشيخ المراغي شيخ الأزهر آنذاك، ومع مصطفى النحاس زعيم الوفد، وفي سبعينيات القرن العشرين خاض معركة مع اليسار المصري بعد صدور كتاب "عودة الوعي"، وكانت آخر معارك الحكيم الفكرية وأخطرها حول الدين عندما نشر توفيق الحكيم على مدى أربعة أسابيع ابتداء من 1 مارس 1983 سلسلة من المقالات بجريدة الأهرام بعنوان "حديث مع وإلى الله". ترك توفيق الحكيم كنزً من الأعمال الأدبية التي ترجم العديد منها، والتي جاء أهمها" رواية عودة الروح، رواية يوميات نائب في الأرياف، قصة عدالة وفن، نهر الجنون، الشيطان في خطر، بين يوم وليلة، المخرج، بيت النمل، الزمار، شمس النهار، صلاة الملائكة، الطعام لكل فم، الأيدى النعامة، شاعر على القمر". شغل الحكيم العديد من المناصب رئيس اللجنة العليا للمسرح بالمجلس الأعلى للفنون والآداب سنة 1966، مقرر للجنة فحص جوائز الدولة التقديرية في الفنون، نائب فخري بمجلس الأدباء، رئيس للهيئة العالمية للمسرح عضو في المجلس القومي للخدمات والشئون الاجتماعية، رئيس لمجلس إدارة نادي القصة، رئيس للمركز المصري للهيئة العالمية للمسرح. كاتب متفرغ بصحيفة الأهرام. وحصل الحكيم على العديد من الجوائز تقديرًا لإنجازاته ومنها "قلادة الجمهورية عام 1957، جائزة الدولة في الآداب عام 1960، ووسام الفنون من الدرجة الأولى، قلادة النيل عام 1975، الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 1975، أطلق اسمه على فرقة "مسرح الحكيم" في عام 1964 حتى عام 1972، أطلق اسمه على مسرح محمد فريد اعتبارًا من عام 1987.