«الموت لا يعني شيئا إلا في نظر الميت نفسه، إذا كان يشعر أو يدرك، ورحمة الله ورأفته قد جنبته الشعور والإدراك بهذه اللحظة، التي يرى فيها الدنيا التي ألفها قد بعدت عنه، كما تبتعد المحطة عن أنظار المسافر فى القطار، ويرى المودعين ينصرفون من باب المحطة إلى شؤونهم ضاحكين راضين بانتهاء قيامهم بواجب التشييع والتوديع، وانتهى الأمر على ذلك».. بهذه الكلمات تخليل الأديب الكبير توفيق الحكيم، مشهد الموت بأحد فصول كتابه «في الوقت الضائع»، بأنه شاهد عزرائيل أمامه وأدار معه حوارا حول فلسفة الموت، متخيلا أنه مات والمشيعين ساروا خلف نعشه حزانى. توفيق الحكيم، أحد أبرز الروائين وكتاب المسرح فى تاريخ الأدب العربي الحديث، أثر فى جيل كامل من الأدباء والمبدعين؛ لطريقته المختلفة في الكتابة، التي ميزته عن غيره، كما أنه يعد مؤسس ورائد المسرح الذهني على مستوى العالم، وليس الوطن العربي فحسب. تمر الذكرى ال29 اليوم، على وفاة الحكيم، الذي اشتهر بلقب "عدو المرأة" وبالأخص هدى شعرواي، التي هاجمها لتوليها تشكيل عقول المرأة المصرية، خاصة أنها حذرتهن من الاستمرار في حياة الجواري وخدمة الأزواج فى البيت؛ لأنهن مساويات للرجل فى كل شىء. فى 9 أكتوبر 1898، بضاحية الرمل بمحافظة الإسكندرية، ولد توفيق إسماعيل الحكيم، لأب مصري من قرية الدلنجات بمحافظة البحيرة وأم تركية ابنة أحد الظباط الأتراك المتقاعدين، وفي السابعة من عمره، التحق بمدرسة دمنهور لينهي مرحلة الابتدائية عام 1915، ثم التحق بمدرسة حكومية بالبحيرة لإنهاء الدراسة الثانوية. بدأت رحلة فى القاهرة لاستكمال دراسته الثانوية بمدرسة "محمد على الثانوية"، وفى هذه الفترة، اهتم بالموسيقي والتمثيل والفن، وكان كثير التردد على فرقة "جورج أبيض"، وعاصر الحكيم ثورة 1919، وشارك فيه، وتم القبض عليه واعتقاله مثل حال الكثيرين من المتظاهرين، إلا أنه أفرج عنه بعد ذلك. وبعد أن حصل على شهادة البكالوريا، التحق بكلية الحقوق، وبعد التخرج عمل في أحد مكاتب المحامين المشهورين عام 1925، وظل يعمل محاميا حتى تمكن والده من إرساله في بعثة دراسية إلى باريس للحصول على درجة الدكتوراة في الحقوق. وفى باريس، تشكل جانب كبير من ثقافة الحكيم، فكان يزور متاحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح، فاكتسب ثقافة أدبية وفنية واسعة بحكم اطلاعه على الأدب العالمي كاليوناني والفرنسي، لينصرف عن دراسة الحقوق، ويتجه إلى الأدب والمسرح والقصص. وعقب مرور ثلاث سنوات، عاد إلى مصر دون الشهادة، ليعمل وكيلا للنائب العام سنة 1930، في المحاكم المختلطة بالإسكندرية ثم في المحاكم الأهلية، وانتقل إلى وزارة المعارف في سنة 1934 ليعمل مفتشا للتحقيقات، ثم نقل مديراً لإدارة الموسيقى والمسرح بالوزارة عام 1937، إلى وزارة الشؤون الاجتماعية ليعمل مديرا لمصلحة الإرشاد الاجتماعي. وفى 1954، عين مديرا لدار الكتب المصرية، وانتخب عضوا عاملا بمجمع اللغة العربية، وفي عام 1956، عين عضوا متفرغا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وكيل وزارة، وفي سنة 1959، عيّن مندوبا لمصر بمنظمة اليونسكو في باريس، ثم عاد إلى القاهرة في أوائل سنة 1960 إلى موقعه في المجلس الأعلى للفنون والآداب، وعمل بعدها مستشارا بجريدة الأهرام ثم عضواً بمجلس إدارتها في عام 1971. ويعد توفيق الحكيم رائد المسرح، وإن لم يكتب إلا عددا قليلا من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح ليشاهدها الجمهور، وكان معظم مسرحياته من النوع الذي يمكن أن يطلق عليه (المسرح الذهني)، الذي كتب ليقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالما من الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها علي الواقع في سهولة ويسر، لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي. ويحرص علي تأكيد هذه الحقيقة في العديد من كتاباته، ويفسر صعوبة تجسيد مسرحياته وتمثيلها علي خشبة المسرح؛ حيث قال: «اليوم، أقيم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز.. لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح، ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلي الناس غير المطبعة». لتوفيق الحكيم العديد من الأعمال، منها مسرحية "شهر زاد" و"الأيدي الناعمة"، ورواية يوميات "نائب فى الأرياف" و"عودة الروح" و"عصفور من الشرق"، وحصل على جوائز عديدة، منها: "قلادة الجمهورية، وجائزة الدولة في الآداب، وقلادة النيل، والدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون".