لعلك لاحظت معي أن حجم البذاءة التي تنطلق من أفواه الإخوان وأنصارهم زاد بشكل كبير في فترة حكمهم، وما تلاها من سقوط مدوٍ لنظام الجماعة واليوم بعد أولى جلسات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي وإيداعه سجن برج العرب، فمن المنتظر أن تلطخ الألفاظ الفاحشة شاشات الكمبيوتر واللاب توب وغيرها، فكيف نفسر هذه الظاهرة؟ وهل تقتصر على التيارات المتأسلمة فحسب؟ أم أنها طالت جميع فئات المجتمع، بينما يظل للإخوان وأنصارهم نصيب الأسد في الاستزادة من مستنقع البذاءة؟ لا ريب في أننا اكتشفنا بعد الثورتين- يناير ويونيو- أن كتل البذاءة المتراكمة تحت مسام المجتمع المصري لا نهاية لها، وأن جراثيم الألفاظ النابية انتشرت في أوردة الملايين وشرايينها بشكل مريع، وأن المفردات الفاحشة تنتقل بين الطبقات بيسر وسهولة، فلا تخجل تلك المفردات من دخول الفلل والقصور والفنادق الفاخرة، ولا تستحي من التواجد في الأزقة والحارات والغرف المنكمشة! وفقاً لعلماء الاجتماع فإن هناك نوعين من البذاءة: بذاءة الفقراء، ومرجعها يعود إلى الجهل والفقر والشعور بالظلم وانسداد نوافذ الأمل في مستقبل أكثر إشراقاً، أما النوع الثاني فيتجلى في بذاءة الأثرياء، التي تعبر عن الغطرسة والعنجهية والغرور والتعالي على الناس، أي يمكن القول: إننا نعاني من بذاءتين: بذاءة العبيد وبذاءة السادة! من المهم جدًا لفت الانتباه إلى أن النظام البائس لحسني مبارك الذي امتد ثلاثين عامًا أسهم بالدور الأهم في تقسيم الناس إلى سادة وعبيد، فقد تآكلت الطبقة الوسطى التي تحافظ على تماسك المجتمع وتعتز بأخلاقه الحميدة وتراثه الصالح والمفيد، الأمر الذي أدى إلى تراكم القهر والغيظ والحنق في صدور ملايين المظلومين، فإذا أضفنا إلى ذلك الدور الباطش لأجهزة الأمن في عهد مبارك وسطوتها اللانهائية على الناس وبث الرعب في القلوب لاكتشفنا بسهولة حجم الضغط النفسي الرهيب الذي كابد أهواله الشعب البسيط (أفتح هذا القوس لأذكرك ببذاءة بعض ضباط وزارة الداخلية والتي يمكن أن تندرج تحت مسمى بذاءة السادة). مع انتصار ثورة 25 يناير ونجاحها في طرد حسني مبارك من عرين السلطة، احتدم الملايين في نقاشات سياسية بعد طول كبت وحرمان، ثم انفجرت براكين البذاءة بسبب تفاقم الخلافات بين التيارات السياسية المختلفة، وهكذا وجد المجتمع المصري نفسه يتمرغ في وحل الألفاظ الفاحشة والعبارات المُسفّة، لكن والحق يقال حققت جماعة الإخوان وأنصارها من التيارات المتاجرة بالدين تفوقاً مدهشاً في التعامل مع البذاءة واستثمارها ظناً منهم أن سبّ الخصوم السياسيين ييسر عليهم دحرهم وإبادتهم! ولعل هذا الأمر يعود إلى سببين: الأول: أن الجماعة تفتقد للحجة والمنطق العقلي فتضطر إلى مهاجمة مخالفيها في الرأي بأحط الألفاظ وأكثرها فُجرًا (تذكر من فضلك الكتائب الإلكترونية للإخوان التي كانت تكيل السباب الشنيع لكل من ينتقد الجماعة). أما السبب الثاني فيتمثل في أن الإخوان وأقرباءها يزعمون أنهم المتحدث الوحيد باسم الإسلام، وبالتالي يتعاملون مع من يخالفهم في الرأي بوصفهم كفارًا ينبغي نعتهم بأبشع المفردات وأكثرها بؤسًا وفحشاً، مستخدمين في ذلك لغة سوقية مبتذلة محشوّة بأخطاء إملائية ونحوية فادحة وفاضحة تكشف المزيد من ضحالة هؤلاء الشتامين وجهلهم بقواعد وأصول اللغة التي يستخدمونها ويشتمون الناس بها! (لعلك تذكر المشايخ المتاجرين بالدين وكيف كانوا يسبّون معارضيهم بأكثر الألفاظ فجاجة ووقاحة). أرجو ألا تظن أنني بهذا المقال ضد انتقاد المخالفين في الرأي والسخرية من قناعاتهم وأفكارهم، فهذا غير صحيح، لأنه ما من أمة نالت حظوظها من التطور والتقدم إلا بممارسة النقد والنقد الحاد كذلك، فلا توجد فكرة غير قابلة للنقاش، ولا يوجد شخص منزه عن الخطأ، ولا توجد مؤسسة بعيدة عن المساءلة، ولكني أطالب أن نتكئ على أدب الحوار عندما تحتدم خلافاتنا.. أطالب بذلك على الرغم من أني أدرك تمامًا أن انخفاض معدل البذاءة مرهون بمدى قدرتنا على مواجهة الجهل والفقر وتذويب الفوارق الطبقية قدر الإمكان! ملحوظة هامشية: بصراحة.. لا أدري حجم الألفاظ البذيئة التي ستنهمر على رأسي من جرّاء هذا المقال!