أسقطت السلطات البحرينية، الجنسية عن المرجع الشيعي عيسى أحمد قاسم، أمس الإثنين، وطالبته وعائلته إما بالرحيل الفوري من البلاد، أو التعرض للترحيل القسري؛ ليثير ذلك القرار اعتراضات واسعة بين شيعة البحرين ويفتح جبهة جديدة للصراع بين القوتين الطائفيتين الإسلاميتين الأكبر، أي إيران والمملكة العربية السعودية. وُلد "قاسم" في قرية الدراز قرب العاصمة البحرينيةالمنامة، عام 1940، وتوفي والده وهو في عمر الرابعة، ودرس القرآن الكريم في الكتاتيب في سن مبكرة، وأنهى دراسته بالمرحلة الابتدائية ثم انتقل إلى المنامة حتى حصل على شهادة الثانوية بها، ثم درس بكلية المعلمين وحصل على شهادة التدريس وبدأ العمل كمدرس لمادتي اللغة العربية والتربية الدينية في 1960. وبعدها توجه إلى مدينة النجف العراقية مع صديقه عباس الريس لدراسة الفقه على يد المرجع الشيعي علوي الغريفي، ثم عاد منها إلى البحرين بعد حصوله على شهادة عليا في العلوم الإسلامية والشرعية، وعاود مزاولة مهنة التدريس لمدة عام واحد فقط، قبل أن يسافر مرة أخرى إلى النجف ليدرس "البحث الخارج" على أيدي فقهاء منهم المرجع الشيعي العراقي الكبير محمد باقر الصدر. ومع إعلان استقلال البحرين عن الاحتلال البريطاني في 1971، وانطلاق المجلس التأسيسي ووضعه للدستور، ترشح لعضويته وفاز بأعلى الأصوات، واعتبر نفسه رئيسًا للكتلة الدينية في المجلس وكان له أثر كبير في إدخال الكثير من المواد "الإسلامية" للدستور. وبعد الانتهاء من وضع الدستور تأسس المجلس الوطني في 1973 لتنفيذه واقتراح المواد، وفاز قاسم بعضويته، وظل به حتى تم حل المجلس في 1975 بسبب معارضة أعضائه لقانون أمن الدولة. كذلك كان "قاسم" من أبرز مؤسسي "جمعية التوعية الإسلامية" في 1972 لمواجهة الأفكار القومية واليسارية، والتي أُغلقت في 1984 وفُرضت على قاسم الإقامة الجبرية. وفي 1992 سافر إلى مدينة قم الإيرانية لاستكمال دراسة الفقه على أيدي أكبر المراجع الشيعية، أمثال محمود الهاشمي وكاظم الحائري وفاضل اللنكراني، وبدأ إلقاء دروس البحث الخارج بالمدينة في 1999. وعاد إلى البحرين مرة أخرى في 2001 ليمارس مهنته الأساسية في التدريس، إضافة إلى التوعية الدينية وإمامة صلاة الجمعة كل أسبوع في مساجد كبرى. وأسس "المجلس الإسلامي العُلمائي" و"مكتب البيان للمراجعات الدينية" التابع له في 2005. ولقاسم نشاطات سياسية واجتماعية واسعة في البحرين، ففضلًا عن كونه عضو الهيئة العليا للمجمع العالمي لآل البيت، أسس قاسم جمعية الوفاق الوطني الإسلامية للدفاع عن حقوق شيعة البحرين، الذين يشكلون نسبة 67% من السكان وفقًا لإحصائية مركز صحيفة الوسط للانتخابات البرلمانية في 2010. ولكن المشكلات بين قاسم والنظام البحريني بدأت في 1994، حيث يذكر موقع "المقاوم" الشيعي أن قاسم كان أحد قادة الاحتجاجات البحرينية المطالبة بعودة الحقوق الستورية التي حصلت عليها البلاد بعد الاستقلال، وتفعيل الحياة البرلمانية. وفي 1996 اتهمته السلطات بالاشتراك في مؤامرة لقلب نظام الحكم، وتأسيس مجموعة معارضة والوقوف وراء المظاهرات في البحرين. وفي 2005 دعا قاسم إلى أكبر مسيرة في تاريخ البحرين، احتجاجًا على قانون الحوال الشخصية الذي اعتبره "غير ديني"، وأسقطت المسيرة القانون بالفعل. وبعدها حظي قاسم بشعبية كبيرة، ودافعت عنه جموع الشيعة في البحرين مع كل انتقاد حكومي له، حتى انطلقت المسيرات المؤيدة له مثل "لبيك يا فقيه" في 2009، و"جمعة الفقيه" ومسيرة "لبيك يا وطني" في 2012. ويُعتبر أيضًا الأب الروحي لاحتجاجات الشعب البحريني في فبراير 2011، للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، من خلال خطاباته الداعية إلى امتداد الربيع العربي إلى البحرين. كما عارض بشدة دخول القوات السعودية إلى البحرين إبان الاحتجاجات، وقاد مسيرة التاسع عشر من مارس 2012 تحت شعار "لبيك يا بحرين"، والتي جاءت ردًا على وصف حاكم البحرين للمحتجين على نظامه بالشرذمة. ووصل صراعه مع النظام إلى ذروته بإسقاط الجنسية عنه وحظر جمعية الوفاق، لاتهامه بتأسيس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية – ممثلة في إيران -، ولعب دور رئيسي في خلق بيئة طائفية متطرفة، وتقسيم المجتمع تبعًا للطائفة وكذلك تبعًا للتبعية لأوامره. وأثار القرار ردود أفعال دولية سريعة ومتباينة، فتزعمت السعودية التيار المؤيد للقرار حيث رحبت به الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالسعودية، كما صرح مصدر مسئول بوزارة الخارجية السعودية بأن المملكة تدعم كل الإجراءات القضائية التي تتخذها حكومة البحرين لمحاربة التطرف والإرهاب. وعلى صعيد آخر غلب على المشهد الاعتراضات الدولية على القرار، والتي استدعت ممارسات القمع السابقة ضد المعارضين في البحرين؛ فبعد اعتراضات مؤسسات داخلية بحرينية مثل تيار الوفاء الإسلامي وحركة حق، قال اللواء قائد سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوير الإيراني، أن حكام البحرين يعرفون جيدًا أن التعرض لحرمة قاسم "خط أحمر لدى الشعب يشعل تجاوزه النار في البحرين والمنطقة". ونددت الخاريجة الإيرانية بما اعتبرته "تصعيد الممارسات الأمنية ضد الزعماء الدينيين والوطنيين، والاستيلاء على الوجوه الشرعية للشعب البحريني". كما أدان حزب الله اللبناني القرار معتبرًا أن الحكومة البحرينية "وصبت إلى نهاية الطريق في تعاملها مع الحراك الشعبي السلمي"، واستنكر عبد الأمير قبلان، رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، ما اسماه "جريمة إسقاط الجنسية وما سبقها من إجراءات قمعية بحق الشعب البحريني، والتضييق بشكل هيستيري على مشروع الإصلاح الدستوري". وانضمت إلى الاعتراضات حركة التوحيد الإسلامي اللبنانية التي اعتبرت القرار "عمل غير مسبوق يحرم مواطنًا من حقوقه الطبيعية والإنسانية المكتسبة"، وأدان أيضًا معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان في أستراليا القرار، وقال في بيانه أن تلك الخطوة "تأتي بعد سلسلة من انتهاكات الحريات الدينية والسياسية في البحرين والتضييق على المعارضين".