لعلكم لا تعرفون أن مؤسس داعش، وأول أمير لها هو مصرى، وأن هذا الشاب الصعيدى كان أستاذًا للبغدادى وقائدًا له، منذ عام 2003 وحتى عام 2010، ولعلكم لا تعرفون أيضًا أن أهل هذا الرجل عبدالمنعم عز بدوى، والمكنى ب«أبوحمزة المهاجر» كانوا يتظاهرون في ميدان التحرير، ويرفعون لافتات تطالب بالإفراج عن زوجة ابنهم اليمنية، حسناء قيران، المعتقلة بالعراق حتى الآن. ذكرنى ما يحصل بالفلوجة الآن بقصة أبوحمزة المهاجر، وكيف أسس داعش؟ وكيف كانت الفلوجة هي المكان الأنسب لبناء هذا التنظيم؟ القصة من البداية.. انضم عبدالمنعم عز بدوى لجماعة الجهاد عن طريق مجموعة من التنظيم في محافظة الشرقية، كان يقودها في هذا التوقيت، القيادى محمود يوسف، وقد التقيت أنا بيوسف يومًا ما، وكان يقول لى: إن الوصول للسلطة لن يتم إلا من خلال ثلاثة دوائر، الأولى دائرة الشعب، والثانية الجيش، والثالثة الحركة الإسلامية، وكان يفصل كثيرًا في شرح الدوائر الثلاث، وكان مقنعًا للغاية، ولعل أبوحمزة لم يقاوم تلك الأفكار، فانضم للتنظيم، ولما قبض على الظواهرى، ظل كامنًا وقرر السفر للإمارات. يقول التنظيم وفق شبكة «شموخ الإسلام»: إن أبوحمزة المهاجر، عندما كان في الإمارات مبعوثًا للتنظيم هناك، طورد وشرد، وأكل من حاويات النفايات، وجلس يجوب الشوارع، لا أرضًا تقله ولا سماء تظله، تنكرت له الوجوه، فبدأ ينام تحت أدراج البنايات، وتحت السيارات صابرًا محتسبًا، وبعد طول هروب ومطاردة يسر الله له الخروج والوصول إلى خراسان، عام 1999، عن طريق عمان بالأردن، وهناك التحق بمعسكر الفاروق تحت قياده أسامة بن لادن، وتخصص بصناعة المتفجرات. يكمل التنظيم: رحب به الإمام أبوعبدالله، فتدرب وتعلم وأتقن وتفنن حتى صار خبيرًا وكادرًا وقائدًا يعتمد عليه، وكان كاتبًا متفننًا وأديبًا، فهو صاحب سلسة سير إعلام الشهداء، وبعدها انتقل إلى اليمن ومنها لبغداد وخطط ودبر ونفذ، وأصبح مهندس عمليات بغداد، وجنرال المهمات، ومدبر عمليات المنطقة الخضراء وغزوة بدر بغداد، وكان تواجده في اليوسفية حزام جنوببغداد، حتى صار الأمير العسكري للعاصمة العراقية، وهو الرجل الثانى في التوحيد والجهاد، ونائب أبى مصعب الزرقاوى. عقب انتهاء الحرب في أفغانستان سافر عبدالمنعم إلى اليمن، وعمل هناك في التدريس، وفى هذه الفترة تزوج اليمنية حسناء قيران. تقول حسناء عقب القبض عليها في ديالى بالعراق: إنها تزوجت في صنعاء عام 1998، ولها منه ثلاثة أطفال، محمد ومريم وفاطمة، وكان قد دخل اليمن بجواز مصرى مزور باسم (يوسف حداد لبيب)، ومارس التعليم خارج العاصمة، وكان يبقى في القرية أكثر من شهر ويتردد عليها ليوم أو يومين. وأضافت أنه سبقها في الوصول إلى بغداد، ولحقت به قادمة من عمان عام 2002، ومكثا في الكرادة سبعة أشهر، وفى العامرية ستة، ثم انتقلا إلى منطقة بغداد الجديدة. أكدت أنها لم تعرف أن زوجها هو أبوأيوب المصرى، إلا بعد أن قتل أبومصعب الزرقاوى عام 2006، وأنها كانت تستمع إلى الأخبار من راديو صغير وتسأله عن أسباب قتل الناس والأطفال فلا يجيبها. أضافت في اعترافاتها أنه «عندما خرج من بغداد استأجر بيتًا في أحد بساتين ديالى وبعد شهر انتقل منه إلى بيت في مكان تجهله، وهو عبارة عن منزل بطابقين، وأن القوات الأمريكية هاجمت المنزل وقتلت الشخص الذي يقيم في الطابق العلوى وقبضت على زوجته (يمنية الجنسية أيضا) ثم أطلقت سراحها بعد يوم واحد. أوضحت أن زوجها «نجا من الهجوم وهربنا إلى الفلوجة أنا وهو وزوجة القتيل، وبعد معركة الفلوجة الثانية غادرنا إلى زوبع في أبوغريب، وفى 2007 سكنا الثرثار وتنقلنا في أكثر من مكان إلى أن تم اكتشاف المكان ومهاجمته وقتله مع أبوعمر البغدادى». يقول القيادى الداعشى أبومعاذ المصرى: التقيت بأبوحمزة المهاجر، لأول وهلة في (فلوجة العز) في مدينة المآذن.. كان قائدًا عسكريًا، زارنى في خندقى في أطراف حى الشهداء، جاء ليرفع همتنا وهمة مجموعتنا الصغيرة.. كنا خمسة وعشرين أخًا قتلوا جميعًا إلا كاتب هذه الأسطر، وبعد معركة الفلوجة بنحو ثلاثة أشهر من الحصار، خرجت وحيدًا طريدًا حزينًا، وبعد أسبوعين من خروجى كان اليأس يعترينى، فقد كنت مصابًا، فما شعرت إلا بدخول أبى حمزة المهاجر، الذي كنا نطلق عليه أحيانًا أبوأيوب المصرى، أو أبوهمام المصرى، الأسد الكرار، وإذا بابتسامته الجميلة التي عهدتها لا تفارق مُحياه، سلم وكبر ورحب جلس بجانبى يصبرنى على فقد الأحبة، وساردًا بأسلوبه الأدبى الجميل الشيق والعسكري كيف صارت الأحداث في المعركة من كر وفر، والتفافات وأساليب حرب العصابات، وكذلك نقد بعض الأخطاء ومعالجتها بأِسلوب حسن، وقارن بيننا وبين الأمريكان، فأذكر إنه قال لو قسنا الحرب أو المعركة بالمقاييس العسكرية فإننا انتصرنا (ما يجرى الآن هو الحرب الثالثة بالفلوجة التي تمثل رمز السنة بالعراق). عقب مقتل أبومصعب الزرقاوى عام 2006م أصبح أبوحمزة المهاجر، «عبدالمنعم عز بدوى»، هو زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وقد تم اختياره لاحقًا وزيرًا للحرب في (دولة العراق الإسلامية)، والنائب الأول لأبوعمر البغدادى، أمير التنظيم. أصبح أبوحمزة المهاجر زعيم تنظيم القاعدة من ضمن 6 أسماء رشحهم أبومصعب الزرقاوى لخلافته، ليتولى أبوحمزة المهاجر المصرى قيادة التنظيم في العراق بما يشبه الإجماع، لكن حصل خلاف في منطقة ديالى والأنبار والموصل من قبل مجموعات الأنصار، والضباط المنشقين عن الجيش العراقى بالقاعدة، واستطاع عبدالمنعم أن يحتوى الموقف وقام بتولية أبى عمر البغدادى، ولاية ديالى، كما قام في عام 2006م بطرح مناقشة التحول من التنظيم إلى سياسة (مسك الأرض) وإعلان دولة في المناطق السنية، داخل مجلس الشورى المكون من سبع فصائل هي في هذا الوقت: تنظيم القاعدة، وسرايا الجهاد، وأنصار التوحيد، والطائفة المنصورة، وكتائب الأهوال، والغرباء، وجيش أهل السنة والجماعة. أثار بعض الموجودين أن عبدالمنعم عز هو أقرب إلى أسامة بن لادن، وأنهم غير موافقين على أن تكون الدولة تابعة للقاعدة، وأنه كان مجرد قائد كتيبة في منطقة اليوسفية (23 كم جنوببغداد). كما أثاروا أنه ليس قرشيًا ولا عراقيًا، في وقت بدأت فيه عمليات العنف الطائفى تتصاعد ضد السنة في الفلوجة، لذا فقد تنازل أبوحمزة عن قيادة الدولة، لأبى عمر البغدادى، فيما كلف أبوعمر أن يكون وزيرًا للدفاع والرجل الثانى، وساعتها بايعت العشائر كلا الرجلين، فيما يعرف ب(حلف المطيبين)، وهذه اللحظات مسجلة وموجودة على اليوتيوب. يقول أبوحمزة المهاجر، في حوار نشرته المنتديات الجهادية ساعتها، حينما سئل عن إعلانهم الدولة: من الناحية السياسية، استقل الأكراد بدولة في الشمال، وعلت أصوات فيلق بدرٍ وحلفائه بفيدرالية الوسط والجنوب، وكان لهم ذلك بأن يقر مشروع الفيدرالية في البرلمان (الشركى)، فالمشهد السياسي أن الأكراد عندهم مشروع، والرافضة عندهم مشروع، فكانت الدولة الإسلامية هي مشروعنا لأهل السنة، (كان ذلك مقدمة لإعلان البغدادى الثانى الخلافة) ومن الناحية العسكرية فقد كثفنا عملنا في كل مناطق أهل السنة، ورمينا بكل ما في جعبتنا عسكريًا لهذا الهدف، فاختل توازن المحتل وأعوانه وذلك بعدما أعلن المالكى مزهوًا عند مقتل الشيخ أبى مصعب، أنه قضى على 80٪ من المقاومة ولا حاجة للتفاوض معهم، وهذا مسجل ومعلوم، فبدأ تحت ضربات رجال مجلس شورى المجاهدين يترنح، وأعطانا ظهره ننال منه كيف شئنا، ثم بدأ ينكمش ويتقهقر تاركًا معظم مناطق أهل السنة لإدارتنا، وحينها اعترف مجرم البيت الأبيض أن الوضع صعب في العراق، ووصلنا إلى النقطة الحرجة في المعادلة والتي طالما سعينا إليها، وهى أن يكون العدو في أضعف أحواله عسكريًا وسياسيًا، ونحن في أحسن أحوالنا عسكريًا واقتصاديًا، ولقد كنا صادقين أن أكثر من 70٪ من شيوخ عشائر أهل السنة بايع الدولة الإسلامية وأميرها، وذلك بعد دخولهم في حلف المطيبين. شكلت أمريكا مع الحكومة العراقية فيما بعد ما يعرف بالصحوات، لمقاتلة التنظيم، ونجحت بالفعل في القضاء على أغلب مجموعاته المسلحة، وكان قمة نجاحها في الوصول إلى الرجل الأول أبوعمر البغدادى، ونائبه أبوحمزة، وساعتها أصدر تنظيم (دولة العراق الإسلامية) بيانًا ينعى فيه مقتل كل من أبوعمر البغدادى وأبوحمزة المهاجر، وينفى خلاله تصريحات المالكى بشأن مقتلهما خلال عملية برية للجيش العراقى، وأوضح البيان أنهما كانا في منزل بمنطقة الثرثار، أعداه للاجتماع بقادة جماعة (جيش أبى بكر الصديق السلفى) بشأن دعوتهم للانضمام تحت راية التنظيم، وصادف وقتها مرور دورية للجيش العراقى بالمنطقة فاشتبكت معها مفارز الحماية المكلفة بتأمين مقر الاجتماع، وأجبرتهم على الانسحاب، مما حدا ذلك بتدخل المروحيات الأمريكية التي قذفت عدة منازل كان من ضمنها المنزل المعد للاجتماع. عند مقتله وجدوا معه بيانات شخصية تحمل اسم محمد فؤاد حسن السيد هزاع، وشهرته الشيخ شريف هزاع، من مواليد 13 يونيو 1957، (معتقل في العقرب) وذكرت أنه «لا يعمل» ويقيم بالبر الشرقى بشبين الكوم، برقم قيد 4512، وفصيلة دمه B، محافظة المنوفية. نعاه قيادات التنظيم في مجموعة رسائل جمعها موقع التوحيد والجهاد، منها: إنه الإمام المجاهد المحدث الأديب الأصولى الفقيه النحوى صاحب العلم الجم، خبير المتفجرات القديم في الجماعات، منذ الثمانينيات تنقل من جبهة إلى جبهة، ومن ساحة لساحة، طورد من أرض الكنانة، إلى أرض خراسان (أفغانستان)، ومنها إلى الإمارات، ومنها رجوعًا إلى كردستان، ذهابًا لليمن، واستقرت به رحاله في بلاد الرافدين، فأنشأ عدة مجموعات، في بلد ليس له فيها صديق، ولا رفيق، ولا قريب. وقالوا في أخرى، إنه المسئول العسكري الأول للتنظيم، يعانى من عدة أمراض، فلقد كان يعانى من فقد السوائل من جسمه، ويعانى من التهابات حادة بالكلى، هو مهندس غزوة اليزيدية التي قتل فيها ما يقارب ثلاثة آلاف، عنما دهموا سكنه ببغداد، خرج وهو في الحمام بالسروال القصير، ومعه سلاحه الكلاشينكوف، واستطاع الهرب، وكان لا يفارقه كتابان المغنى لأبى محمد المقدسى بن قدامة والمحلى لابن حزم!!. قتل أبوعمر وأبوحمزة معًا، وكان ساعتها أبوبكر البغدادى عضوًا بمجلس الشورى، فاقترح العراقى حجى بكر، أن يتم تولية أبوبكر البغدادى أميرًا، واقترعوا على ذلك، وتمت توليته بالفعل، ليبدأ عهدا جديدا داخل التنظيم، وفى العراق، بل وكل المنطقة.