"مجنون من يطلب الاستثناء/ إن مد عدوك يده إليك ليسقيك فلا تأمنه إن كنت عاقلا.. لا تكرم إنسانا فتدفع ثمن إنسانيتك غاليا/ الويل لأهل السماحة/ لمن كان محياه محبوبا".. بهذه الكلمات برر الفنان هشام إسماعيل بطل مسرحية "زي الناس" التي تعرض الآن بمركز الإبداع الفني، جريمته التي تتمثل في قتل أجير مد له يده ب"زمزمية" ليسقيه من حر الصحراء؛ فتخيل هشام أنه يحمل حجرا سيقتله به، فبادر بقتل الأجير. تناقش "زي الناس" المأخوذة عن المسرحية العالمية "القاعدة والاستثناء" للكاتب الألماني الشهير بريخت؛ قضية اجتماعية شائكة تدخل في إطار الاتهامات والشك المتبادل بين الطبقات الاجتماعية وبعضها البعض والذي وصل لمرحلة التناحر؛ لدرجة بات معها سوء الظن هو القاعدة والخير هو الاستثناء، وأصبحت الأوضاع المقلوبة هي السائد ومنح الحقوق لأصحابها ضرب من ضروب الخيال. تدور أحداث المسرحية حول تاجر رجل الأعمال ثري يبذل كل ما في وسعه للوصول بأقصى سرعة إلى دولة بعيدة في قلب الصحراء للفوز بامتياز التنقيب فيها على البترول؛ قبل أن يفوز بهذا الامتياز أحد من المنافسين، وفي سبيل ذلك يستعين رجل الأعمال بدليل لأنه لا يعرف الطريق وأجير يقوم بحمل متاعهما والخرائط وغير ذلك من مستلزمات الرحلة الشاقة، وفي الطريق وبسبب سوء معاملة رجل الأعمال وقيامه بضرب الإثنين، فيقوم بطرد الدليل ويبقي على الأجير الذي يضل الطريق بعد عدة ايام من سيرهما فيقوم رجل الأعمال بضربه طوال الطريق عقابا له ويكسر ذراعه ويحمله فوق ما لا يحتمل؛ وفي هذه الأثناء يشتكي رجل الأعمال من العطش فيخرج الأجير من جعبته زمزمية يسقيه منها، إلا أن رجل الأعمال يظن أن أخرج حجرا يريد أن يقتله ويستولي على ما معه من أموال فيقوم بإخراج مسدس ويقتله به. وأمام المحكمة يمثل الجميع رجل الأعمال وزوجة القتيل والدليل وصاحب الفندق الذي نزلوا فيه؛ ليتم تبرأة القاتل على اعتبار أنه ثبت لها المتهم كان في حالة دفاع مشروع عن النفس سواء قيل أنه كان يتوهم هذا الإحساس أو أنه كان على حقيقة وكان الأجير يهم بقتله. وكانت المفاجأة هي أن حكم المحكمة جاء ليبرر قتل الأجير باعتبار أن ما فعله غير معقول وأن المنطق يميل إلى أنه كان يريد أن يصرع رجل الأعمال لأنه من طبقة تحس دائما أنها مظلومة ومهضومة الجانب ولم يغب عنه أنه لن يحصل على نصيبه من المال ما لم يغتصبه ولابد أن الأجير كان يرى أن انتقامه أمر طبيعي فماذا عساه أن يقتل وأن التاجر من طبقة تفوقه في كل شيء. أداء الممثلين في المسرحية اتسم بالسلاسة والإتقان وجاء متسقا مع الأدوار التي يقوم بها كل منهم وعلى رأسهم الفنان هشام إسماعيل بطل العمل وماهر محمود الذي يقوم بدور الدليل، كما أتقن أحمد السكاوي دور القاضي على طريقة "التياترو دراما" بعد أن جاء في بداية المسرحية كممثل متأخر عن تجسيد شخصيته فأخبره زملاؤه أن دوره لم يأت بعد. تشيللو محمد صلاح وإيقاعات أوسكار نجدي منحت العرض مزيدا من الحيوية، بينما جاء ديكور ورسومات سمية أبو العز متسقا مع أحداث العمل، وحرصت سمية على ألا تحرق رسومها مشاهد العمل المتتالية وخانها ذلك في المشهد الأخير "مشهد المحاكمة" حيث رسمت إحدى كفتي العدالة مائلة؛ كناية عن اختلال ميزان العدالة. إخراج العرض جاء بشكل جديد يتسم وأسلوب مركز الإبداع الذي يفجر الكوميديا من قلب المأساة، دون أن يتجه إلى القتامة المفرطة التي تغلب على بعض النصوص التي يقدمها، وقد ظهرت بصمة هاني عفيفي واضحة على العمل. ينتهي العرض بنداء من أبطال العمل يقول نصه: "تبينوا الاستثناء الذي يستتر خلف القاعدة وحيثما بدا لكم الداء فأوجدوا له الدواء." زي الناس بطولة هشام إسماعيل وأحمد السلكاوي وشادي عبد السلام وماهر محمود وكريم يحيي وسارة عادل وسارة هريدي، وأزياء د. مروة عودة وديكور ورسومات سمية أبو العز وعازف تشيللو محمد صلاح وإيقاعات أوسكار نجدي، والنص عن مسرحية القاعدة والاستثناء لبرتولد بريخت، وإخراج هاني عفيفي.