سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحمد عطا: الفلوجة معركة استمرار ل"داعش".. إيران متدخلة برضا أمريكي.. تصفية القيادات ليس مؤشرًا على تراجعه.. والإخوان يمولون التنظيم باستثمارات "ندا" و"منير"
يسمى ما يدار في مدينة الفلوجة العراقية، في الوقت الراهن، ب"عملية التحرير"، فيما يصنفه آخرون ك"حرب مذهبية" بين تنظيم "داعش" الذي يعتبر نفسه ممثلًا عن السنة والشيعة. الحرب القائمة بدأت عملياتها فعليًا الإثنين الماضي، الموافق 23 مايو، بإعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في خطاب وجهه إلى الشعب، بما أسماه ب"ساعة تحرير الفلوجة". وبشر "العبادي" إلى أن "لحظة الانتصار الحاسم" قد اقتربت. وتابع أنه على "داعش" الفرار، متوعدًا برفع علم العراق قريبًا على أرض المدينة التي تبعد نحو 60 كيلومترا شمال غربي العاصمة العراقيةبغداد.
في جانب آخر من المشهد كانت الآلة الإعلامية ل"داعش" قد صدّرت خطابًا يبرز تقدم التنظيم. وبشكل منافٍ جاء خبر وفاة قائد تنظيم "داعش" في الفلوجة، وهو شخصية لم تتوفر عنه معلومات إلا الاسم الذي قرر التحالف الدولي الإعلان عنه على لسان المتحدث باسمه الكولونيل ستيف، وهو ماهر البيلاوي. في محاولة للاقتراب من المشهد أجرت "البوابة نيوز" حوارًا مع الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد عطا، لشرح المشهد الفلوجي وموازين القوى فيه، خاصة أنه نفى روايات تراجع تنظيم "داعش" رغم مقتل قائده في المدينة.
في البداية هل يمكن أن نحدد من هم أطراف الصراع القائم في مدينة الفلوجة؟ أولًا: علينا أن نعترف بأن الجيش العراقي وجد نفسه مضطرًا للوجود قي هذه الحرب التي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. باختصار يمكننا أن نقر بأن الدولة العراقية لم يكن لديها النية للتدخل لكنها مضطرة، أما الطرف الثاني فهو تنظيم "داعش" الإرهابي الذي يتحمل مسئولية تصاعد المواجهات بهذا الشكل،والطرف الثالث هو إيران التي تسعى إلى أطراف قريبة وبعيدة من مشاركتها العلنية والكبيرة في معركة الفوجة، ومع كل هؤلاء التحالف الدولي بزعامة أمريكية الذي لا اعتبر أن تواجده غير أي شيء على الأرض سواء في سوريا أو العراق.
تحدثت عن مسئولية "داعش" عن تصعيد المواجهات، كيف ترى ذلك؟ تنظيم "داعش" نفذ في الفترة الأخيرة عمليات تفجيرية مكثفة في كل أنحاء العراق بما في ذلك العاصمة بغداد، أسفرت عن 2500 مدني، ما دفع بالدولة العراقية للإعلان عن محاربته في الفلوجة.
هل معنى ذلك أن "داعش" كان يريد أن يصل بالصراع في الفلوجة إلى هذا الحد؟ لا أعتقد ذلك هو فقط قام بعمليات تؤكد نفوذه في العراق والأطراف الأخرى مثل إيران والتحالف الدولي قاموا بدورهم ووفقًا لمصالحهم بإعلان مشاكتهم. على ذكر إيران، كيف ترى المشاركة الواسعة التي أعلنت عنها إيران في الحرب؟ المشاركة الإيراني في معركة الفلوجة يمكن أن تدخل تحت تفسيرات عديدة، منها مثلًا أن أمريكا سمحت أخيرًا بإطلاق يد إيران في العراق، مقابل أن يتم استخدام إيران كورقة في مشروع تقسيم الدولة العراقية. وهذا التقسيم سيعود على إيران بفائدة انها تؤسس لدولة شيعية كبرى في المنطقة. أما التفسير الثاني فهو أن إيران لديها تعاون خفي مع "داعش" وما يظهر من مواجهته له ليس حقيقيًا.
كيف ترى نتائج المواجهات حتى الآن؟ رغم كل الروايات المنقولة عن تراجع تنظيم "داعش" إلا أن الواقع يقول، إنه ما زال قويًا، وأعتقد أن ذلك راجع لدعمه من جهات خارجية تمده بالمعلومات وتحافظ على مناطق نفوذه. باختصار "داعش" لديه أطراف خارجية يهمه أن يستمر وسيستمر، أما الجيش العراقي فهو أشبه بالعقار المتهدم، ما يجعل أن أي تقدم لهذا الجيش أمر صعب تخيله. لماذا ترفض الروايات الرامية إلى تراجع "داعش" رغم تصفية عدد كبير من قياداته؟ تصفية القيادات لا يمكن أن نعتبره مؤشر على تراجع التنظيم، علينا أن نتحدث بالأرقام تنظيم "داعش" يسيطر الآن على 200 ألف متر مربع في سوريا يحوي فيهم 10000 عنصر "داعشي" علاوة على سيطرته على مدينة الرمادي التي تعتبر أهم منبع للبترول، كل ذلك مؤشرات على قوة التنظيم.
بخصوص "داعش" أيضًا، ما هي أهمية الفلوجة ل"داعش"؟ التنظيم يتعامل مع الفلوجة كخط دفاع مهم للموقع الجغرافي للمدينة، علاوة على أن المعركة بالنسبة له معركة استمرار وضمان للتوسع. هل يمكن أن نصنف الحرب في الفلوجة كحرب مذهبية؟ علينا أولًا قبل الإجابة عن هذا السؤال أن نتفق على أن اختيار سورياوالعراق كمناطق لزرع تنظيم "داعش" كان بعد دراسة للطبيعة الديموغرافية لشعب البلدين، حيث ثبت أن طبيعة المجتمعين تعاني من أبعاد طائفية ما يعنى أن تأسيس "داعش" هناك سيكون منتج جدًا عن زرعهما في مكان آخر. بناءً على ذلك فإن المواجهات الناشبة في هذه المنطقة تقوم على أساس أيدلوجي، ونتذكر هنا التسجيلات الأولى للمتحدث باسم "داعش" أبي محمد العدناني، عندما قال لزعيم "القاعدة" "عذرًا أيها الأمير، نحن نتواجد في العراق لهدم المزارات الشيعية.
لاحظنا وجود خطاب عدائي من "داعش" للإخوان، واتهامهم بمحاربة التنظيم في العراق، كيف ترى علاقة "داعش" بالإخوان؟ "داعش" والإخوان علاقة لها أكثر من بعد، مثلًا التنظيم الإخواني في سورياوالعراق لم يعد موجودًا أو مؤثرًا على الأقل في المشهد بعد مغادرة عناصره من البلدين. أم بخصوص العلاقة بين التنظيم الدولي للجماعة و"داعش" فالعلاقة تمويليه من الأول للثاني، وتمويل هنا لا يمكن اعتباره كبير ولكن موجود.
بشكل أكبر كيف يتم هذا التمويل الإخواني ل"داعش" ولماذا؟ التنظيم الإخواني يحرص على هذا التمويل رغم ضعفه؛ ليكون متحكمًا بدرجة ما في العمليات الإرهابية التي تحدث في دول المنطقة. والدليل على ذلك تصريحات القيادي الإخواني محمد البلتاجي، الذي قال: إن الإخوان بإمكانهم وقف العمليات الإرهابية في سيناء. وعن كيف يتم هذا التمويل؟ فهناك رجال أعمال إخوان لهم استثمارات إيرانية عراقية في أوروبا والخليج، عبر هذه الاستثمارات يتم تمويل "داعش". إذا من هم رجال الأعمال الذين تشير إليهم؟ يوسف ندا مثلًا من أبرز القيادات التي تقوم بهذا الدور، وإبراهيم منير نائب القائم بالمرشد العام للجماعة، خاصة أن له جذورًا عراقية، وكان أحد المؤسسين للتنظيم الدولي في الخارج.
في ظل الحديث عن التمويل هل يمكن أن تكون جماعة الإخوان قد أسهمت في دعم "داعش" بشريًا؟ هذا الأمر مستبعد لأن الإخوان في أغلب الظروف لا يحاربون في مسرح العمليات، وأقصى ما يقومون به هو أعمال إرهابية محدودة في المجتمع المصري كأن يستهدفون ضباط الشرطة أو ينظمون مظاهرات عنف ممنهج. ولكن في نفس السياق يجدر الإشارة إلى أن أغلب العناصر الإرهابية الموجودة في "بيت المقدس" هم نواة "الجيش الحر الإسلامي الذي كان يسعى خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة، لتأسيسه.
هل معنى ذلك أن الإخوان كانوا يخططون لتأسيس جيش موازٍ؟ بالتأكيد هم لم يثقوا في أن الجيش المصري سيستجيب لمشروعها، ومن ثم سعوا لتأسيس جيش موازٍ. نعود إلى الفلوجة... هل ترى تناقضًا في موقف إيران، في الوقت الذي نكتشف فيه احتضانها لقيادات الجهاد العالمي تعلن أنها تحارب "داعش" في العراق؟ إيران تتعامل مع الجهاد الإسلامي بمنطق المصالح، تحتضن عائلات الإرهابيين الدوليين مثل عائلة الملا منصور، زعيم حركة طالبان المغتال الأسبوع الماضي، وفي نفس الوقت تقول: إنها تحارب "داعش"، وتفسير ذلك أن لها حسابات خاصة تحكم تحركاتها في العراق، أهمها أنها تسعى لدولة شيعية كبرى تكون تحت سيطرتها، وبناء على ذلك فوجود "داعش" كممثل للدولة السنية مرفوض.
أخيرًا: كيف ترى مستقبل "داعش"؟ التنظيم -من وجهة نظري- متماسك، ولديه قدرة على الاستمرار والتوسع، والدليل على ذلك هو نقله لما يقرب من 5000 عنصر "داعشي" إلى ليبيا عبر تنظيم بوكو حرام النيجيري، وبناء على ذلك يمكن أن نتخيل أن معركة مصر مع "داعش" بشكل مباشر باتت قريبة. أتوقع مثلًا أن عام 2017 سيبدأ "داعش" في المرحلة الثانية التي تكون المواجهة فيه مع مصر وتونس وتحديدا في جبال تونس التي تحوي أعدادًا كبيرة من الجهاديين.