ليست عندى أية نية أن أدافع عن مهنة الصحافة التى أشرف بالانتماء لها، ولا عن زملائى الصحفيين، وأنا واحدة من جماعتهم العظيمة، لن أدافع عن مهنة لم تهادن رغم كل الحروب الخسيسة والجاهلة التى واجهتها مع كل الأنظمة منذ- على سبيل المثال- حملة الراحل العظيم إحسان عبدالقدوس فى المجلة العظيمة الرائدة «روزاليوسف» فيما عرف بفضيحة الأسلحة الفاسدة أيام الملك فاروق، وحتى آخر شوكة سامة برزت فى سلالة الفساد السرطانية فى لحظتنا الراهنة. لن أدافع رغم التجاوزات التى تبلغ حد السخف والتدنى، تلك التى تطلقها أفواه وألسنة تلوك الكلام تقربا من ذوى السلطة، وألسنتهم تنضح بما فى عقولهم تأكيدا للقاعدة العلمية النابعة من الخبرة الاجتماعية للشعوب أن «الإناء ينضح بما فيه»، لكن ومع هذه الهجمة الدنيئة التى لن تكون الأخيرة على مهنتنا، فالجهلة الشتامون لا يعرفون ولن يعرفوا قيمة أن تكون كاتبا. مع هذه الهجمة الرخيصة التى أعقبت موقف الجماعة الصحفية ومجلس النقابة الرافض لانتهاك وزارة الداخلية لحرم نقابتهم، فقد تذكرت رسالة قديمة فى الزميلة «صباح الخير» للكاتب الكبير صلاح حافظ وهو لمن يجهله يوصف بمايسترو الصحافة المصرية، انضم للحركة الشيوعية فى أربعينيات القرن، وقضى فى المعتقلات ثمانى سنوات من عمر شبابه، وهو من وصف انتفاضة 18 و19 يناير بالانتفاضة الشعبية، متحديا وصف السادات لها بأنها انتفاضة الحرامية. وفى لقاء له مع السادات سأله الأخير: «إيه رأيك يا صلاح فى 18 و19 يناير، انتفاضة شعبية ولا انتفاضة حرامية؟» فأجابه صلاح مبتسما: «إن هناك عوامل موضوعية أدت إلى الانتفاضة، وإن دخول العابثين فى صفوفها لا يعنى أنها انتفاضة حرامية»، فرد عليه السادات: «يعنى يا صلاح (الدوجما) اللى فى دماغك زى ما هى. طيب كنت هختارك رئيس تحرير لروز اليوسف. خليك بقى المرة دى». الذى دفعنى للكتابة عن صلاح حافظ رحمه الله، بقدر عطائه وتفاصيل هذه الرسالة أكتبها من الذاكرة، وكانت منشورة فى عدد خاص فى الزميلة صباح الخير لكتابات قديمة لكتابها الكبار، والواقعة أن ابن صلاح حافظ كان قد ترك رسالة لوالده يهاجم فيها الصحافة التى كشفت عن قضية فساد كبرى، والابن كان يرى أن القضية مفتعلة فكان رد والده، وأكرر أننى أكتب من الذاكرة بعد أن قرع ابنه ولام نفسه أنه لم يحسن تربيته وتوجيهه لانشغاله بالعمل الصحفى، ذاكرا حقائق لم يخترعها ولم نخترعها، أن ما يتم نشره حول قضايا الفساد له مصادر موضوعية أهمها تحريات الشرطة وتحقيقات النيابة، وفى لومه لابنه هنا يوضح أننا لا نلبس شريفا ثوب الفاسدين، ولا نتجنى على أحد، وبالمناسبة يقفز إلى الذاكرة بعض من قضايا الفساد التى كشفتها الصحافة المصرية العظيمة وعلى سبيل المثال صفقات المبيدات المسرطنة، جرائم الخصخصة فى شركات القطاع العام وقضية تهريب الآثار التى كان بطلها- أو كبش فدائها- العضو البارز فى الحزب الوطنى، هذه هى معارك الصحفيين الذين وصفهم السادات فى حربه ضدهم بأنهم: «صحفيين أوباش بيقبضوا ألوفات»، وقال عنهم مبارك فى حربه عليهم وقد شهدت سنوات حكمه أعلى نسبة اعتقالات للصحفيين أن «الصحفيين مش على راسهم ريشة». إذًا ستظل الصحافة أيقونة الضمير المصرى، وأيقونة الدفاع عن حقوق هذا الشعب العظيم، ولن يرهبها إعلامى شتام ولا ميليشيات «خالتى فرنسا» التى حاصرت نقابة الصحفيين، وبالمناسبة أيضا لن نرد على النائبة التى وقفت خلف الميكروفون فى البرلمان، وبالمناسبة هذا البرلمان وهذا الموقع سبق أن وقف فيه العقاد وسعد زغلول والنحاس وأبوالعز الحريرى وممتاز نصار- هذه النائبة التى أثارت ضحك وسخرية وتهكم المجلس قالت: «الصحفيين دول لازم يندبحوا، واضرب المربوط يخاف السايب» وهى جاهلة بأن فى الدول المتقدمة مثل هذا التحريض جريمة تقودها إلى السجن، وفى إطار موسم الردح المبتذل الذى نعيشه هل نرد بردح مماثل، ونقول للست «النايبة» «إلهى تنبدحى بسكينة تلمة ويفرمك تروماى» أم أنه لا يليق أن ننجر لهذا المستوى الهابط؟!.