28 مليار دولار حجم أرباح الظاهرة فى عام المغرب والجزائر والسودان والأردن أبرز الدول المصدرة للضحايا مصر ولبنان «ممر عبور» والخليج «وجهة النساء» العمليات الإجرامية تجرى تحت ستار «نشاطات شرعية» الفقر أبرز الأسباب والمواجهة تتطلب تعاونًا دوليًا كشفت دراسة حديثة عن «مظاهر الاتجار بالنساء فى العالم العربي»، أن عدم وضع تعريف خاص بالظاهرة يعيق القدرة على ملاحقة المتهمين وإيقاع العقوبة المناسبة عليهم، ومن ثم الحد من الظاهرة التى وصل حجم أرباحها فى 2004 إلى ما يقرب من 28 مليار دولار سنوياً. وقالت الدراسة التى أعدتها المحامية السورية أمل الدبيات، وأشرف عليها الدكتور إبراهيم دراجى، بالأكاديمية السورية الحديثة، وحصلت «البوابة» على نسخة منها، إن هذه النسبة لم تدفع المنظمات الدولية لوضع تعريف عالمى خاص لظاهرة الاتجار بالنساء، بل يعاقب مرتكبوها بعقوبات ضمن جرائم أخرى مثل حقوق الإنسان والهجرة، والتهريب، والبغاء، والجريمة المنظمة. وبناء على ذلك، فإن تعريف «الاتجار بالنساء» المتعارف عليه هو «المفهوم العام للاتجار بالبشر»، رغم ما بينهما من اختلافات، فهو الاستخدام، والنقل، والإخفاء، والتسليم لأشخاص من خلال التهديد، أو الاختطاف، أو استخدام القوة، أو التحايل والإجبار، أو من خلال إعطاء أو أخذ دفعات غير شرعية، أو فوائد لاكتساب موافقة أو قبول شخص يقوم بالسيطرة على شخص آخر بهدف الاستغلال الجنسى، أو الإجبار على القيام بالعمل. ومن أبرز مظاهر الاتجار بالنساء فى العالم العربى الاتجار لغرض جنسى، أو الاتجار للعمالة المنزلية، ورغم ذلك تؤكد الدراسة أن «هذه المظاهر غير قابلة للحصر خاصة فى ظل التقدم العلمى، والتطور التقنى المتوقع أن يفرز صوراً وأشكالاً جديدة للاتجار والاستغلال ربما لم تكن مألوفة لدينا من قبل». ويترتب على الاستغلال والاتجار تجنيد وإيواء ونقل وإمداد أو توفير شخص للعمل أو تقديم خدمات من خلال القوة والخداع أو الإكراه من أجل أن يقوم بأشغال شاقة غير طوعية وللسخرة ولضمان الدين أو للعبودية، وتدفع النساء ضحايا هذه الجريمة ثمناً مخيفاً يتمثل فى الإيذاء الجسدى والنفسى بما فى ذلك الإصابة بالأمراض، وإعاقة النمو الذى غالباً ما يترك أثرا دائماً، ويتم نبذهن من قبل عائلاتهن ومجتمعاتهن. وتعانى الضحايا اللائى تتم المتاجرة بهن للاستغلال الجنسى ضرراً جسدياً ونفسياً جراء ممارسة نشاط جنسى قبل الأوان، والإجبار على تعاطى المخدرات، والتعرض للأمراض الجنسية المعدية، بما فى ذلك فيروس الإيدز (نقص المناعة المكتسبة). كما يؤدى الاتجار بالنساء -حسب الدراسة - للتفكك الاجتماعى، حيث يجعل فقدان شبكات الدعم العائلى والاجتماعى ضحية عملية الاتجار بالبشر أكثر ضعفاً وقابلية للانصياع لتهديدات التجار وطلباتهم. وتقول الباحثة أمل الدبيات: «إنه لا يمكن أن تدعى أى من الدول العربية عدم وجود الظاهرة بأرضها، خاصة فى ظل ما وصفته بعولمة الجريمة»، مضيفة: «إن هناك أسبابا تعد الأرض الخصبة لانتشار الجريمة، من بينها الأوضاع الاقتصادية السيئة، خصوصاً الفقر المنتشر فى مناطق الريف الذى تأثر بشدة بانهيار القطاع الزراعى، والهجرة من الريف إلى المدينة والنمو المتصاعد فى المراكز الصناعية والتجارية فى المدن، وعدم المساواة بين الجنسين، والممارسات التمييزية الناتجة عنها، والمسئولية الملقاة على عاتق الأطفال فى دعم عائلاتهم، وازدياد النزعة الاستهلاكية الناتجة عن الانفتاح الاقتصادى الذى تمر به مختلف الدول، وتفسخ النظام العائلى، وضعف العلاقات والروابط الاجتماعية». وتشدد الباحثة على ضرورة الاعتراف بأن هذه الأسباب أو بعضها على الأقل موجود بطبيعة الأحوال فى مجتمعاتنا العربية، مما يخلق بيئة ملائمة لتسرب بعض مظاهر وصور الاتجار بالأشخاص إلى بلادنا. وتؤكد أن الظروف الدولية المستجدة التى تحيط ببلادنا إقليمياً وجغرافيا تعزز إمكانية انتشار بعض صور ومظاهر الاتجار بالأشخاص، لأنه من المعروف أن جريمة الاتجار بالنساء واستغلالهن بأعمال السخرة والرق والدعارة هو أمر يكثر نسبياً وينتشر خلال فترة الأزمات، وبصورة خاصة الحروب، وما ينجم عنها من كوارث بشرية وظروف اقتصادية صعبة، وأزمات خانقة. وتعرض الدراسة أبرز العناوين التى تعرضها الصور حول الاتجار بالنساء فى العالم العربى ومنها: «السفير اللبنانية- لبنانيون يتفننون فى تعذيب وسرقة واغتصاب العاملات السيريلانكيات» و«اللاجئون العراقيون يتجهون إلى تجارة الجنس فى سوريا»«نيويورك تايمز- مؤسسة حقوقية فلسطينية تحذر من عمليات الاتجار بالنساء» و«وزارة الداخلية فككت أزيد من 130 شبكة للاتجار فى النساء والأطفال بالمغرب». وحول أكثر الدول العربية معاناة من هذه الظاهرة، تشير الدراسة إلى أن الدول العربية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها «مصدر للضحايا» فى حين أن أخرى تستخدم ك«ممر للعبور» إلى دول «المقصد»، وهى المحطة الأخيرة. ورغم عدم وجود معلومات دقيقة حول الاتجار بالبشر، خاصة أن معظم العمليات الإجرامية تتم تحت ستار نشاطات شرعية، إلا أن على رأس الدول الوجهة لهذه الظاهرة كل دول الخليح، فيما عدا لبنانوالأردن، ويأتى على رأس الدول التى تستخدم كممر للعبور «الأردن، والجزائر، ولبنان، ومصر، والمغرب»، أما المصدرة: «الأردن – تونس- الجزائر – السودان – الصومال – المغرب». كما أن الدول العربية ليست فقط المصدر الوحيد للاتجار بالأشخاص فى المنطقة، فقد تحولت هذه البلدان إلى أهم مقاصد الاتجار بالأشخاص الوافدين من مختلف بقاع (جنوب شرق آسيا شرق أوروبا آسيا الصغرى ووسط آسيا). ووضعت الدراسة عدة تحديات لمواجهة هذه الظاهرة التى تتطلب تبنى استراتيجية لمواجهة جرائم الاتجار بالنساء، وهو أمر يتطلب اتباع منهج دولى شامل، ويتضمن تدابير ترمى إلى منع هذا الاتجار وحماية الضحايا، وهو أمر يستلزم من الدول أن تسعى إلى القيام بتدابير متنوعة، كالمبادرات الاجتماعية والاقتصادية والبحوث والحملات الإعلامية التى تستهدف الضحايا المحتملين، وينبغى أن تشمل السياسات والبرامج والتدابير الأخرى المتخذة التعاون مع المنظمات ذات الصلة، كما ينبغى للدول أن تتخذ وتعزز تدابير أخرى بما فى ذلك التعاون الثنائى أو المتعدد الأطراف. وشددت على أن التعاطى مع جريمة الاتجار بالنساء ينبغى أن يتم ضمن منظومة متكاملة (تشريعية واقتصادية وأمنية وإعلامية واجتماعية وثقافية ودينية) من أجل مواجهة هذه الجريمة، وهذا لا يتم بمجرد صياغة قانون وإنما يحتاج إلى الكثير من الخطوات الوقائية السابقة والعقابية والعلاجية اللاحقة لضمان المواجهة الفعالة والمناسبة لجريمة الاتجار بالأشخاص عموماً والمتاجرين بالنساء على وجه التحديد. ويأتى فى المركز الأول المواجهة القانونية، خاصة أن التشريعات العربية لم تتحدث صراحةً عن فعل الاتجار، فإذا كان الاتجار ببعض صوره ومظاهره يتضمن (خطفًا.. حجز حرية.. تسهيل دعارة وحضًا على الفجور) فإن معظمها جرم بموجب النصوص العامة فى قوانين العقوبات العربية التى تحظر هذه الأفعال والممارسات، علماً بأن التشريعات العربية قد تبنت مواقف مختلفة من حيث مضمون الجزاء والعقاب، إضافةً إلى حالات تشديد العقاب وظروفه ومبرراته. وأشارت إلى أهمية إنشاء جهاز خاص أو هيئة معنية بمتابعة قضايا الاتجار المتعددة، والأبعاد والنتائج والمتشعبة فى أكثر من اتجاه، والتى تحتاج لمعالجات خاصة ذات طبيعة قانونية وأمنية واقتصادية واجتماعية مما يتجاوز قدرة أى من الهيئات المكلفة بمتابعة القوانين، كما شددت على أهمية التعاون الدولى لمواجهة جرائم الاتجار باعتبارها جريمة من الجرائم العالمية التى تتعدى الحدود الوطنية للدول. والمستوى الثانى هو تدابير إعلامية، حيث يقع على عاتق الإعلام بجميع صوره وأشكاله دور هام ومؤثر، وهو دور مزودج يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً، فالإيجابى هو نشر الوعى حول هذه الظاهرة والتنبيه من مخاطرها وفضح وسائل تجنيد ضحاياها، بينما الدور السلبى عندما يستخدم للترويج والتجنيد، والإغواء والاستقدام من خلال عروض العمل الوهمية والزائفة التى تنشر فى وسائل الإعلام دون رقابة.