أقامت جامعة جيجل الجزائرية يومى 18 و19 إبريل الماضى ملتقى دولى بعنوان «الرواية الجزائرية بين الخصوصية والعالمية» وهو المؤتمر الذى اهتم بخصوصية السرد فى الرواية الجزائرية؛ نظرا لما مرت به الجزائر من تاريخ طويل مع الاستعمار الفرنسي؛ الأمر الذى ترك الكثير من الأثر على السرد الجزائرى الذى يهتم بالمقاومة وتصوير التاريخ النضالى والاستشهادى من أجل وطن حر استطاعوا استرداده بكرامة فى النهاية. تم افتتاح المؤتمر فى التاسعة صباحا يوم 18 إبريل الماضى بكلمة عميد كلية الآداب واللغات الدكتور عبدالحميد بوكعباش، وكلمة الأستاذ عثمان لالوسى، ثم كلمة الدكتورة وسيلة سنانى منظمة الملتقى، والدكتور محمد الصالح خرفى، ثم الدكتور خالد أقيس، وبعد إعلان بدء الملتقى الدولى الذى ضم العديد من المهتمين بالأدب الجزائرى من العديد من الدول المختلفة بدأت المداخلات للباحثين. ضم الملتقى أسماء مهمة منهم الدكتور فرانشيسكو ليجيو الدكتور فى جامعة روما، وقد قام بترجمة الكثير من الروايات الجزائرية إلى اللغة الإيطالية، والدكتورة يولندا غواردى الدكتورة فى جامعة ميلانو، وقد قامت بترجمة الكثير من الأدب الجزائرى أيضا، والطيب ولد لعروسى من معهد العالم العربى فى باريس، والدكتور عبدالمنعم شيحة من جامعة القيروان فى تونس، وغيرهم الكثير من الباحثين فى الجامعات الجزائرية، كما ضم الملتقى العديد من الأسماء الجزائرية المهمة فى الرواية الجزائرية منهم سمير قسيمى، وهاجر قويدرى، وعبدالوهاب بن منصور، ومحمد مفلاح، وفيصل الأحمر، وغيرهم. فى جيجل التى تُسمى بعذراء الشرق؛ نظرا لطبيعتها الساحرة البكر وجمال المناظر فيها، كان هذا الملتقى حول خصوصية السرد الروائى الجزائرى، وقد بدأت أولى المداخلات من المترجمة الإيطالية يولندا غواردى التى أكدت أهمية ترجمة الأدب العربى إلى اللغات الأخرى من أجل تعريف القارئ الغربى بهذا الأدب؛ ومن أجل العمل على تغيير المفهوم النمطى عن الشرق الذى لا يرى فى الشرق سوى عالم أسطورى يسبح فى الخيالات والقصص، كما أوضحت إشكالية مهمة فى الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى؛ حيث يحرص المترجمون على انتقاء الأعمال العربية التى تتحدث عن الفساد والعلاقات الجنسية، والعنف الجنسى فقط، فى حين أن الأعمال الجيدة التى تهتم اهتماما واضحا بفنون السرد والتجديد فيها لا تلقى الاهتمام من المترجمين، وبالتالى يكون الاهتمام ليس على أساليب الكتابة بقدر نقل صورة مخالفة لواقع المجتمعات العربية؛ وهو الأمر الذى يقوى من الاعتقاد بأن العرب لا يكتبون ولا يجددون، وبالتالى فهو مجتمع بعيد تماما عن الكتابة الحقيقية والجيدة. تحدثت يولندا عن الندرة الواضحة فى الترجمة من العربية إلى الإيطالية؛ فمنذ عام 2000م حتى عام 2013م لم يُترجم سوى 13 عملا روائيا فقط من العربية إلى الإيطالية وهو دليل على عدم اهتمام الإيطاليين بالأدب العربى. تؤكد يولندا أن الترجمة ليست سوى وسيلة لبناء صورة عن العالم العربى المجهول بالنسبة للغرب أو لأوروبا، ومن خلال هذه الترجمات يكون التصور الحقيقى عند الغرب؛ ومن هنا تأتى خطورة ترجمة الكثير من الأعمال الروائية التى لا تهتم بأساليب السرد فى حين أنها تُصور المجتمعات العربية فى صورة بائسة فيها الكثير من العنف، والخرافة، كما أن التركيز على ترجمة هذه الأعمال دون غيرها هى وسيلة مهمة من أجل إبقاء صورة الشرق الأوسط فى شكل المتخلف والمجتمع العجيب الأسطورى الذى يجعل الغرب ينظر إليه باندهاش مراقبا له، غير راغب فى الاختلاط به، ولعل من أهم النتائج السلبية للاهتمام بترجمة هذه الأعمال، على حسب ما ذهبت إليه يولندا، هو إظهار الثقافة العربية باعتبارها مُكبلة بالماضى، راغبة فى الرجوع إلى الخلف دائما ولا تعيش فى الحاضر ولا يعنيها المستقبل، ومن ثم لا يمكن لها التطور أبدا. تحدث الدكتور الحبيب مونسى الأستاذ فى جامعة سيدى بلعباس فى مداخلته التى كانت بعنوان «كيف تصنع المحلية العالمية» عن أمور غرائبية لا علاقة لها بالسرد الفنى بقدر ما لها اتجاه أيديولوجى يعمل على جذب الأدب باتجاه المدرسية والتعليمية والتلقينية أكثر من كونه إبداعا قادرا على التحليق فى العديد من الفضاءات، ومن ثم كان رأيه -الذى لا علاقة له بالإبداع الأدبي- أن الروائى ليس من حقه أن يكتب الرواية كما يشاء، بل لا بد من مطالبته أن يكتبها حسب بناء معين؛ لأنها- حسب قوله- مجرد ورشة لا بد أن يكون الكاتب فيها بنّاء يبنى كما هو موضوع البناء الموضوع مُسبقا، كما يرى أن الرواية التى لا يكون من ورائها درس مُستفاد هى رواية لا معنى لها ولا داعى لها. خلط الحبيب مونسى فى حديثه وقال العديد من المعلومات الخاطئة التى تدل على عدم معرفته الجيدة بالإبداع والثقافة، منها أنه حينما تحدث عن رواية «مائة عام من العزلة» للروائى الكولومبى جارثيا ماركيز ادعى أنه كاتب أرجنتينى، كما ادعى أن ماركيز حينما تُرجم إلى العربية تم إفساد نصه أكثر من مرة حيث تُرجمت أعماله من الإسبانية إلى الفرنسية والإنجليزية ومنهما إلى اللغة العربية، وهذا ما تنفيه الحقيقة؛ حيث تمت ترجمته من الإسبانية إلى العربية مباشرة، ولعل أهم من قام بهذه الترجمات الفلسطينى المقيم فى سوريا صالح علمانى، والمصرى المقيم فى إسبانيا الدكتور طلعت شاهين، ولكن مونسى بدا أنه لا يعرف هذه المعلومات جيدا؛ ومن ثم اعتمد على معرفته الثقافية القاصرة؛ ما يدل على أن الكثيرين ممن يشتغلون بالنقد أو البحث الأدبى لديهم الكثير من القصور الثقافى الذى لا يؤهلهم للعمل على الثقافة. فى حديث الدكتور محمد الصالح خرفى ما يؤكد أهمية الاهتمام بالمكان المحلى فى الأعمال الروائية؛ وهو الأمر الذى يُكسب هذه الأعمال المزيد من الخصوصية فى السرد؛ فكل عمل روائى اهتم بالمكان جعله عملا متميزا ومُكتسبا للكثير من الخصوصية، وهو النقص الذى يراه فى الأعمال الروائية الجزائرية حسب قوله فى حين أنه قارن الرواية الجزائرية المهتمة بهذا الموضوع بالرواية المصرية التى تهتم كثيرا بالمكان المحلى. فى كلمة الروائى فيصل الأحمر المهتم بأدب الخيال العلمى يتساءل هل نحن أمة من الممكن أن تستقبل الخيال العلمى، وما أهمية رواية الخيال العلمى، ويحاول الإجابة عن هذا التساؤل المهم، كما يتحدث عن رواية البريطانى جورج أورويل 1984 وكيف تخيل المستقبل باعتباره خيالا علميا، كما تحدث عن الروائية الجزائرية صفية كتو ومجموعتها القصصية «الكوكب البنفسجى» والتى كانت من الكتابات الجزائرية القليلة التى اهتمت بأدب الخيال العلمى. يقول الأحمر: إن الأدب العلمى وُجد فى المجلات؛ لذلك لا يوجد بحث أسلوبى نقدى للاهتمام بهذا اللون من الأدب؛ لأنه كان مُوجها منذ البداية للعموم، أو لأنه يستهدف السينما والتليفزيون، وبالتالى يكون هذا الاتجاه سببا فى جعله أدبا لم يُكتب بتؤدة ومن ثم ليس أدبا ثريا من الناحية الأدبية. ربما كان فى حديث الأحمر شيئا من الحقيقة، حيث لا يهتم نقاد الأدب كثيرا بأدب الخيال العلمى، وربما لا يكتبون عنه كثيرا، كما أن الكتاب المهتمين بهذا اللون من الكتابة قلائل جدا فى المنطقة العربية، ولكن لعل نهاد شريف، وصبرى موسى فى مصر تم تناولهما نقديا بشكل مهم فيما كتباه. يأتى ملتقى الرواية الجزائرية بين الخصوصية والعالمية باعتباره ملتقى مهما للتعريف بأهمية الرواية الجزائرية التى يجهلها الكثيرون فى الدول العربية التى تعتمد على مركزية الأدب المصرى من دون الالتفات إلى غيرهم من الآداب التى تتحرك فى شكل ثرى ومن ثم تُضيف الكثير إلى الحركة الأدبية العربية.