صناعة الدواء فى مصر قضية أمن قومى، باعتبارها واحدة من أهم الصناعات الاستراتيجية التى تخص صحة المصريين وحياتهم، وبالرغم من أهمية تلك الصناعة الحيوية، إلا أنها شهدت انهيارا على جميع المستويات، أولها عدم قدرة السوق المحلية على منافسة المستورد، بسبب الفشل فى التسويق والتوزيع، الأمر الذى ساهم فى تراجع عمليات الإنتاج، صاحب ذلك زيادة مطردة فى أسعار الأدوية المستوردة والأخرى المحلية، التى تنتجها الشركات الاستثمارية، غير المعنية بالأبعاد الاجتماعية، بما يمثل عبئا على كاهل البسطاء فى هذا البلد. انهيار تلك الصناعة لم يأت من فراغ، إنما تقف خلفه أسباب عديدة، فى مقدمتها تنامى ظاهرة الفساد الإدارى والمالى الذى بلغ حدا غير مسبوق فى الشركات الوطنية المملوكة للدولة، الأمر الذى ترتب عليه تحقيق خسائر هائلة بلغت 352 مليون جنيه فى 7 شركات إنتاجية من إجمالى 11 شركة عاملة فى التصنيع والتجارة والتوزيع، فضلا عن عدم تولى القيادات ذات الكفاءة، لإدارة هذا القطاع الحيوى. الغريب أن هذه الشركات كانت حتى وقت قريب تحتل المراكز الأولى على مستوى الشرق الأوسط فى صناعة وتجارة الدواء، وبفعل الفوضى السائدة داخل قطاع الدواء انهارت فجأة، ثم نجد أن القطاع الاستثمارى جذب إليه بعض رؤساء الشركات الخاسرة، «لاحظ الشركات الخاسرة»، لتولى إدارة الشركات الاستثمارية، وإذا عرف السبب وراء الاستعانة بهم بطل العجب، حيث ساهم هؤلاء فى تخريب الشركات الوطنية لصالح القطاع الخاص، عبر التوقف تماما عن إنتاج بعض الأدوية، وتأجير خطوط الإنتاج لصالح المستثمرين لتصنيع هذه الأدوية. «البوابة» تفتح هذا الملف الشائك وتكشف الحقائق الخفية، وراء انهيار صناعة الدواء فى مصر، لكى يفيق القائمون على صناعة القرار من غفوتهم، ويضعوا حدا لتلك المهازل التى تصل إلي حد الجرائم ويدفع ثمنها 90 مليون مصرى أغلبهم من الفقراء ومحدودى الدخل. بداية انهيار الصناعة تمتلك الدولة إحدى عشرة شركة حكومية، تعمل وفق القانون تحت مظلة الشركة القابضة للأدوية التابعة لوزارة قطاع الأعمال، حسب التعديل الوزارى الأخير ومن قبله وزارة الاستثمار، أما الشركات فهى «سيد والنيل وممفيس والقاهرة والعربية والإسكندرية والنصر للكيماويات والمصرية لتجارة وتوزيع الأدوية والجمهورية والعبوات الدوائية ومصر للمستحضرات الطبية». هذه الشركات أصبحت بفعل الفوضى الإدارية وغياب الأجهزة الرقابية، شركات مديونة، والبعض منها عجز عن الوفاء بدفع مرتبات العاملين والموظفين بها، وذلك فى الوقت الذى تزدهر هذه الصناعة فى القطاع الخاص، بالرغم من أن ميزانية شركة واحدة من ميزانيات الإحدى عشرة شركة المملوكة للدولة تفوق ميزانيات القطاع الخاص مجتمعة، السؤال الذى يطرح نفسه: من المسئول عن هدم صناعة وتجارة الدواء الوطنية، ولصالح من يتم هدم تلك الكيانات الاقتصادية؟. بحسب المستندات التى بحوزتنا فإن الخسائر بلغت درجة لم تعد خافية على أحد، بدأت مع تولى عادل عبدالحليم رئاسة الشركة القابضة للأدوية خلفًا لمجدى حسن، والذى شهد عهده بداية الانهيار الحقيقى الذى تمثل فى تصفية الشركات الحكومية لصالح القطاع الخاص، الأمر الذى ترتب عليه انهيار الميزانيات وتراجع المراكز المالية لهذه الكيانات. فنتائج أعمال الشركات التابعة للعام المالى 2015 وفق الميزانيات الرسمية لكل شركة على حدة، تؤكد أنها لم تشهد هذا الانهيار منذ تأسيسها، حيث كانت الشركة القابضة هى الكيان المسيطر فعليًا على معظم السوق الدوائية المصرية، من حيث تداول المواد الخام والإنتاج والاستيراد والتصدير والتسويق والتخزين والتوزيع من خلال الشركات التابعة لها، ونجحت فى تغطية أكثر من 74٪ من حجم السوق الدوائية المصرية المتداولة فى الفترات السابقة، فضلًا عن أنها ظلت تتنافس على الريادة فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا كواحدة فى أهم مصنعى وموزعى ومسوقى الدواء والمستحضرات الطبية التى من شأنها تحسين الجودة فى كل التخصصات الطبية، ولكن نتيجة سوء الإدارة والتخبط والقيادات التى تتولى من أصحاب الثقة وليس الكفاءة أصبحت القابضة للأدوية والشركات التابعة معرضة للتصفية والإغلاق بسبب الخسائر المتتالية. المستندات تشير إلى التراجع فى أرباح بعض الشركات عن السنوات السابقة، بصورة لم يسبق لها مثيل مما يهددها بالانهيار والتصفية، فيكفى أن نعلم أن أرباح الشركات التابعة ال (11) قد انخفضت من 526 مليون جنيه إلى 276 مليون جنيه فقط فى عام 2015، نتيجة توقف عدد من خطوط الإنتاج بصورة نهائية، وانتهاء صلاحية عدد من الأصناف الدوائية بالمخازن، فضلا عن وجود 4 شركات إنتاجية خاسرة بلغ إجمالى خسائرها «157 مليون جنيه» وهى شركات «النصر للكيماويات الدوائية – شركة مصر للمستحضرات الدوائية – شركة ممفيس للأدوية – شركة العبوات الدوائية». كما توجد 5 شركات إنتاجية بلغ إجمالى أرباحها (157 مليون جنيه) وهى شركات: «سيد للأدوية – النيل للأدوية – الإسكندرية للأدوية – القاهرة للأدوية – العربية للأدوية»، فضلا عن وجود شركتين تجاريتين بلغ إجمالى أرباحهما «258 مليون جنيه» فى مقابل أرباح الشركة القابضة للأدوية 328 مليون جنيه خلال عام. لم يتدهور الأمر إلا فى ظل تولى عادل عبدالحليم، رئاسة الشركة القابضة للأدوية، بالإضافة إلى ارتكاب رئيس الشركة القابضة للأدوية مخالفات مالية جسيمة، قام الجهاز المركزى للمحاسبات بتدوينها وقد جاءت ضمن تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات للعام المالى الحالى قيام الشركة القابضة للأدوية وشركاتها التابعة بمخالفة القوانين. لم يلتزم رئيس الشركة القابضة بالقوانين المنظمة واللوائح الإدارية والمالية، ومنح الأعضاء المنتدبين للشركات مكافآت فى مناسبات مختلفة على مدار العام، وقد بلغ إجمالى المنصرف خلال العام المالى نحو «514 ألف جنيه» بالإضافة إلى «515 ألف جنيه» و«494 ألف جنيه» خلال عام واحد، بالمخالفة لتعليمات رئاسة مجلس الوزراء ووزارة التخطيط والتنمية والاستثمار بعدم زيادة أجور الأعضاء المنتدبين لرئاسة الشركات، والتى أشارت إلى عدم مشروعية ما تم صرفه، ولكن ما زالت الشركة القابضة تتبع نفس الأسلوب، ضاربة عرض الحائط بهذه التعليمات، حيث قامت الشركة القابضة للأدوية، بصرف منح المناسبات للأعضاء المنتدبين بالشركات التابعة خلال ثلاث سنوات قيمتها 2 مليون جنيه، وذلك رغم الخسائر التى يحققها قطاع الدواء. وكشفت المستندات عن قيام رئيس الشركة القابضة للأدوية بمخالفة القانون، وقصر تعيين أعضاء مجالس الإدارات للشركات على بعض الأشخاص، والاكتفاء عند تجديد العضوية بتبديل مواقعهم رغم عدم تحقيقهم للأهداف خلال فترة عضويتهم، متجاهلًا أصحاب الخبرات وتغيير الدماء فى الشركة. وأكد الجهاز المركزى أن الشركة القابضة لصناعة الدواء خالفت القوانين وقامت بإهدار المال العام، فقد قام رئيس الشركة القابضة بالالتفاف على ملاحظات الجهاز المركزى الخاص بصرف المزايا العينية للأعضاء المنتدبين ومتحديًا هذه الملاحظات وقام بتاريخ 9/7/2015 بمضاعفة راتب (السادة الأعضاء المنتدبين) ليصبح (20 ألف جنيه) فى الشهر، وقام بعرض هذه الزيادة على مجلس إدارة الشركة القابضة للأدوية، وتمت الموافقة عليه بجلسة مجلس إدارة الشركة القابضة رقم (343) على أن يبدأ تطبيق الزيادة اعتبارًا من تاريخ 1/7/2015. يذكر أن الأجر المقطوع للأعضاء المنتدبين كان قبل الزيادة (10.800 جنيه شهريًا) للعضو المنتدب، وذلك يؤكد أن قيمة الزيادة الشهرية 9200 جنيه لعدد (12) عضوا منتدبا × 12 شهر سنويًا بزيادة قدرها 1.324.800 جنيه فى السنة الواحدة، أى أن رئيس الشركة القابضة للأدوية غضب من اعتراض الجهاز المركزى للمحاسبات على صرف «515 ألف جنيه» كمزايا عينية ومادية، للأعضاء فقام بزيادتها 3 أضعاف تقريبًا. فى السياق ذاته، أشار تقرير صدر عن المركزى للمحاسبات فى 2015 إلى مخالفة رئيس الشركة القابضة للأدوية لقرارات الجمعية العمومية المنعقدة بخصوص نقل شركتى القاهرة وسيد للأدوية لأرض 6 أكتوبر التى تم شراؤها بمبلغ «62 مليون جنيه» بمساحة «261 ألف متر مربع» بخطة تنفيذ 3 سنوات، ولكن ظهرت بوادر تعثر فى التنفيذ وتم مد أجل الانتهاء من الإنشاء فى ثلاث سنوات. اعتمدت الدراسات على التمويل الذاتى بتكلفة إجمالية مليار جنيه تقريبًا وقد انتهت المهلة الممنوحة للبدء فى المشروع بتاريخ 24/9/2014 مما يؤكد عدم سلامة القرارات والدراسات التى تمت تحت مسئولية الشركة القابضة بالكامل، وقد بلغ ما تم إنفاقه حتى 30/6/2014 نحو 9.7 مليون جنيه بخلاف قيمة الأرض، تتمثل فى تكاليف دراسات ومكافآت للجان ومصروفات حراسة لصالح المستثمر الأجنبى، مما اعتبره المركزى للمحاسبات إهدارا للمال العام. لم يتوقف إهدار الملايين فى قطاع الدواء عند هذا الحد، فقد أكدت المستندات والتقارير التى حصلنا عليها أنه صدر أمر توريد من الشركة القابضة للأدوية إلى شركة (أكت) لتنفيذ مشروع الميكنة لشركات القطاع المرحلة الأولى شركات (ممفيس – النيل سيد) وتم صرف مبلغ (9.203 مليون جنيه) ولم يتم الاستلام الابتدائى للمشروع حتى تاريخه رغم مرور أكثر من 6 سنوات على بداية الميكنة داخل قطاع الدواء نتيجة رفض الشركات التابعة الاستلام لعدم تنفيذ الشركة المنفذة ملاحظات الشركات، وبعد مرور ثلاث سنوات على استلام الأجهزة والشبكات، والانتهاء من التنفيذ الأمر الذى يترتب عليه التقادم التكنولوجى للأجهزة، وعدم الاستفادة من المشروع وإهدار ما تم صرفه مما يعتبر إهدارا للمال العام أيضًا. وقامت الشركة القابضة للأدوية خلال العام المالى 2013/2014 بمنح بعض الشركات التابعة لها قروضًا بلغت 378 مليون جنيه، وهى شركة النصر للكيماويات الدوائية بنحو (81.4 مليون جنيه)، وشركة العبوات والمستلزمات الطبية، نحو 13 مليون جنيه، وشركة مصر للمستحضرات الطبية نحو (40.7 مليون جنيه). كما قامت الشركة القابضة بتسوية جميع القروض المستحقة على تلك الشركات التابعة لها وهى «376.2 مليون جنيه» مقابل تسوية الخسائر التى تم ترحيلها والبالغة 330.8 مليون جنيه، وتسوية الاحتياطات بنحو 71.6 مليون جنيه وزيادة رأس المال بمبلغ 45.4 مليون جنيه دون وجود خطط واضحة لإصلاح هذه الشركات التى ما زالت تحقق خسائر. وأشار تقرير الجهاز المركزى إلى أن الشركة القابضة بسبب سوء إدارتها لملف الدواء، حملت بعض الشركات التابعة لها غرامات خلال العام المالى بلغت 45.634 مليون جنيه، تمثلت فى غرامات تأخير تحملتها الشركات لصالح الموردين من خلال شركة الجمهورية بنحو (32.4 مليون جنيه) نتيجة التأخير فى السداد (1٪ عن كل شهر تأخير طبقًا للعقد) وغرامات لصالح العملاء من خلال الشركة المصرية لتجارة الأدوية بنحو 8 ملايين جنيه، نتيجة التأخير فى توريد مناقصة وزارة الصحة، ويرجع ذلك لعدم التنسيق مع الخطط والإمكانيات الإنتاجية للشركات التابعة والباقى بنحو (5.674 مليون جنيه) غرامات أخرى (مخالفات مرورية – عملاء .. إلخ) والمتسبب الرئيسى فى هذه المبالغ، هو رئيس الشركة القابضة للأدوية لعدم متابعته للشركات التابعة فى السداد لشركة الجمهورية، وعدم متابعته لتوريد مناقصة وزارة الصحة مع رؤساء الشركات التابعة. خسائر الشركات بالأرقام كشفت المستندات زيادة الخسائر هذا العام بشركة النصر للكيماويات الدوائية حتى بلغت 87 مليون جنيه بزيادة قدرها 17 مليون جنيه علي العام السابق، وذلك بسبب توقف معظم مصانع شركة النصر عن العمل فى تصنيع الأدوية وتحويلها إلى «هياكل»، علمًا بأن الخسائر المرحلة بلغت حوالى 303 ملايين جنيه. خسائر شركة العبوات والمستلزمات الدوائية وبلغت خسائرها وفق الميزانيات المعتمدة من الجمعية العمومية 33 مليون جنيه مقابل 27 مليون جنيه العام الماضي، أى أن الخسائر زادت بمقدار 6 ملايين جنيه، علمًا بأن إيراد النشاط ارتفع فى عمليات البيع خلال عام 2015 وبلغ 67.2 مليون جنيه، مقابل 62.6 مليون جنيه عام 2014، أى بزيادة 5 ملايين جنيه. أما شركة مصر للمستحضرات الطبية، فقد زاد إيراد البيع 20 مليون جنيه فى العام الأخير، بينما الشركة تعلن خسائر متتالية ب 61 مليون جنيه فى الأعوام الثلاثة الماضية. وبلغ إيراد النشاط الجارى للعام المالى 2015 حوالى 199 مليون جنيه، مقابل 179 مليون جنيه عام 2014، أى بزيادة قدرها 20 مليون جنيه فى حين أن الشركة أعلنت خسارتها ما قيمته 16 مليون جنيه عام 2015م مقابل خسائر قدرها (20 مليون جنيه) عام 2014، مقابل خسائر قدرها (25 مليون جنيه) عام 2013. أما شركة «ممفيس» التى تعتبر أقدم وأعرق الشركات العاملة فى مجال الأدوية والصناعات الكيماوية فى منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأت نشاطها عام 1940، وكان أهم أنشطتها دراسة النباتات الطبية المصرية، حيث تعمل على استخراج المواد والعناصر النشطة داخلها، إلى جانب تنفيذ خطة واسعة المدى بشأن إجراء التجارب والدراسات الكيماوية والدوائية والطبية، والتى يشارك فيها العديد من أساتذة الجامعات الباحثين، وقد تم تسجيل براءات اختراع عالمية نتيجة هذه الأبحاث، ولكن سوء الإدارة حوّل أهم كيان طبى ودوائى وبحثى إلى «خرابة»، وقد بلغت خسائر الشركة عام 2015 (10.275 مليون جنيه) مقابل أرباح قيمتها 14 ألف جنيه عام 2014. وأبدى مسئولو الجهاز المركزى للمحاسبات، تحفظًا على القوائم المالية للشركة العربية للأدوية عن السنة المالية 2015 وذلك بسبب مخالفات الشركة التى تتمثل فى أن القوائم المالية لم تتضمن مصروفات بنحو 6.735 مليون جنيه منها مصروفات بنحو 3.3 مليون جنيه تم إدراجها على الخسائر المرحلة منذ سنوات، بالإضافة إلى أن المخصصات التى كونتها الشركات غير كافية لمواجهة الالتزامات المتوقعة، الأمر الذى جعل الشركة العربية لا تحقق أرباحًا نهائيًا، بل حققت خسائر قدرها 15.1 مليون جنيه بالإضافة إلى خسائر تم ترحيلها تقدر ب 10.5 مليون جنيه. رغم ذلك لم يأخذ رئيس الشركة القابضة بتحفظات الجهاز المركزي، واعتبر الشركة حققت أرباحًا وليست خسائر، لتقليل عدد الشركات الخاسرة، وهذا يؤكد أن الشركة العربية فى طريقها للدخول فى نفق مظلم مثل شركة ممفيس. وفى شركة النيل للأدوية إحدى أكبر الشركات فى تصنيع الدواء، فقد أدت السياسة الفاشلة لإدارتها لانخفاض إيراد النشاط الجارى هذا العام حسبما كشفته المستندات إلى 287 مليون جنيه مقابل 336 مليون جنيه بنسبة انخفاض (15٪) بقيمة 49 مليون جنيه، مما تسبب فى انخفاض صافى أرباح النشاط إلى 8 ملايين جنيه مقابل 20 مليون جنيه العام الماضى بنسبة 60٪، وقد حاولت الشركة تحسين نتائج الأعمال بإضافة أرباح وهمية وترحيل مديونيات سابقة، الأمر الذى يدق ناقوس الخطر بالنسبة لمستقبل شركة النيل، فهل تلحق بشركة ممفيس العام القادم؟. وشهدت شركة سيد للأدوية انهيارًا ملحوظًا فى السنوات الأخيرة، حيث أضافت الميزانيات التى بحوزتنا إلى إيراد النشاط الجارى للشركة 373 مليون جنيه عام 2015 فقط، مما أدى إلى انخفاض الأرباح شاملة الضرائب لتبلغ 11 مليون جنيه بنقص قدره 21 مليون جنيه، علمًا بأن هناك مخصصات اعترض عليها الجهاز المركزى قيمتها 13 مليون جنيه، وهكذا تكون «شركة سيد» قد تحولت هى الأخرى من المكسب إلى الخسارة، وذلك لأول مرة منذ عام 2005. وبلغ إيراد النشاط الجارى للشركة 462 مليون جنيه هذا العام، بنسبة زيادة قدرها 11٪، ورغم ذلك انخفض صافى أرباح النشاط إلى 60 مليون جنيه بنقص قدره 600 ألف جنيه، بالرغم من تخفيض استغلال الزيادة فى إيراد النشاط، وتحويله إلى أرباح، وذلك بسبب زيادة المصروفات، كما أن الجهاز المركزى للمحاسبات، اعترض على قيام شركة القاهرة بتخفيض مصروفات الشركة فى الميزانية بمقدار 5.5 مليون جنيه وإثبات – المركزى للمحاسبات - مديونية على العميل «شركة أبواب» 2 مليون جنيه، تتحملها الشركة نتيجة تثبيت مصروفات تصنيع منتجات لصالح «شركة أبواب». وهذا يعنى أن أرباح شركة القاهرة تراجعت بمقدار 26 مليون جنيه، ولم تزد بمقدار مليون جنيه، كما جاء فى الميزانية الخاصة بالعام الحالي، مما يشير إلى تزوير ميزانية الشركة، ولكن رئيس الشركة القابضة للأدوية حتى يظهر أن الشركات التابعة قد ربحت حتى ولو كان ربحًا وهميًا، فقد اعتمد الميزانية وبها أرباح وهمية قيمتها 58 مليون جنيه عام 2015 بزيادة مليون جنيه علي عام 2014، رغم أن النتائج الحقيقية تبين أن الأرباح انخفضت إلى 22 مليون جنيه. وفى شركة الإسكندرية للأدوية إحدى أهم شركات إنتاج المستحضرات الكيماوية والطبية والبيطرية والعقاقير والأغذية ذات الطبيعة الخاصة ومنتجات الكاوتشوك وغيرها من المستلزمات الطبية، فقد بلغ صافى ربحها حوالى 84 مليون جنيه عام 2015، ويرجع السبب فى هذه الزيادات الكبيرة فى إيراد النشاط والأرباح شاملة الضريبة إلى زيادة أسعار كروبلات البنج الأحمر والأخضر الذى تضاعف سعره نتيجة ارتفاع سعر الدولار وزاد بنسبة 100٪ وكان يوجد بمخازن البيع كميات كبيرة من هذا المنتج مما تسبب فى زيادة الأرباح شاملة الضرائب بمقدار 20 مليون جنيه، وهى زيادات سريعة ليس للإدارة أو الإنتاج أو البيع أى دخل فيها. أما الشركة المصرية للأدوية، وهى إحدى أهم الشركات التجارية للأدوية فى مصر، بالإضافة الى أنها المسئولة عن توزيع الأدوية المدعومة من ألبان الأطفال والأنسولين وأدوية الكبد، وشهدت الشركة فى الآونة الأخيرة تدهورًا كبيرًا، حيث انخفضت الأصناف التى توزعها الشركة من مئات التوكيلات إلى عدد محدود جدًا، ولولا اعتماد الدولة على الشركة فى توزيع الأدوية المدعمة لانهارت. وتشير الميزانيات إلى أن إيراد النشاط الجارى للعام المالى 2015 بلغ 6.237 مليون جنيه بخسارة قدرها (815 مليون جنيه) بنسبة زيادة (15٪) ونتيجة للفساد المنتشر فى الشركة، فقد انخفضت الأرباح بمقدار 10 ملايين جنيه عام 2015، فقد بلغت الأرباح 252 مليون جنيه، مقابل 262 مليون جنيه عام 2014. هذا فى الوقت الذى زادت قيمة مبلغ فروق الأسعار «الدعم» من وزارة الصحة الذى تمنحه للشركة المصرية إلى مبلغ 327 مليون جنيه عام 2015، مقابل 250 مليون جنيه عام 2014، بزيادة 77 مليون جنيه، وهذا يعنى أن أرباح الشركة المصرية انخفضت بمقدار (87 مليون جنيه) عام 2015. ونتيجة لاعتراض الجهاز المركزى على القوائم المالية والفساد الموجود بداخلها، تم تحويل مجلس الإدارة السابق للنيابة، وإقالتهم من مناصبهم ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، كما تشير المعلومات المتداولة فى أروقة الشركة، إلي أن الإدارة الجديدة تسير على نفس النهج، وأن الوضع الحالى قد يؤدى إلى انهيار الشركة، فبعد أن كانت الشركة وكيلًا لأكبر الشركات العالمية فى بيع الأدوية، وكانت الدولة تعتمد عليها بشكل أساسى فى توريد الأدوية من الشركات الكبرى، أصبحت مثل مندوبي المبيعات وتعتمد فى البيع على أصناف تعد على أصابع اليد الواحدة. المستندات أكدت أن مجلس إدارة الشركة الجديد، تحت رئاسة دكتور عادل طلبة، يعتمد على سياسة المجاملات، ويطيح بالقيادات النشطة لحساب أشخاص عليهم اتهامات مالية وإدارية، وقد حصلت «البوابة» على قرار تعيين للدكتور ناصر إبراهيم صدر بالإشراف على قطاع فى جنوب الصعيد رغم إهماله الجسيم وإهداره المال العام، حسبما أفادت المستندات. أما شركة الجمهورية للأدوية، فبحسب الميزانية التى حصلت عليها «البوابة» أنه بلغ إيراد النشاط الجارى (910 ملايين جنيه) عام 2015، وبلغت الأرباح شاملة الضرائب 6 ملايين جنيه عام 2015، مقابل 11 مليون جنيه عام 2014، وانخفضت ميزانية الشركة، مما يؤدى إلي إلحاق التدمير بها هى الأخرى. المستندات كشفت سوء إدارة ملف الدواء الحكومى، وإهداره وتدميره لصالح الكيانات الخاصة، فقد حصلت «البوابة» على ميزانية لإحدي الشركات الخاصة التى كانت تعمل فى مقر الشركة المصرية منذ سنوات قليلة، وكانت المفاجأة أن شركة واحدة استثمارية وهى شرك (إيبيكو للأدوية) قد ربحت خلال 6 شهور فى الفترة من 1/1/2014م حتى 30/6/2014م، مبلغًا قدره 245 مليون جنيه، وهو ما يقارب أرباح الشركة القابضة للأدوية وشركاتها التابعة والبالغة 276 مليون جنيه، رغم أن ال (11) شركة التابعة للقابضة للأدوية بلغت مبيعاتها خلال عام 908 ملايين جنيه، فى حين أن شركة «إيبيكو» بلغت مبيعاتها فى خلال الستة أشهر عن عام 2014م ما قيمة 798 مليون جنيه. وذلك يعنى أن شريكة إيبيكو للأدوية تحقق أرباحًا شاملة للضرائب خلال عام تقريبًا ضعف ما حققته الشركة القابضة للأدوية خلال عام بكل شركاتها التابعة، الأمر الذى يدل على حجم الفساد المالى والإدارى فى هذا الملف. إفلاس قطاع الدواء الحكومي من جانبه يقول محمود فؤاد رئيس مركز الحق فى الدواء ل«البوابة» إن القطاع الحكومى للدواء فى مصر، يشهد انهيارًا بسبب السياسات الفاشلة التى يدار بها أدت لانهياره وإفلاسه. وكشف فؤاد أن ما يحدث لهذا القطاع الحيوى والمهم مقصود، لأن مافيا الأدوية العالمية والقطاع الخاص، تريد تدمير الصناعة الوطنية وللأسف الدولة لا تهتم وكأن الأمر لا يعنيها. وأضاف رئيس مركز الحق فى الدواء، أن الشركات الحكومية التى تعمل فى مجال صناعة وتجارة الأدوية وعددها 11 شركة تتعرض لنهب منظم للمال العام، وإهدار للكوادر وغياب أى رؤية للإصلاح لدى المسئولين. وأكد فؤاد أن معظم هذه الكيانات، لا يستطيع صرف مرتبات العاملين بها، ومكبلة بالديون، مضيفًا أن معظم خطوط الإنتاج بها توقفت لتخلو السوق الدوائية للقطاع الخاص، وذلك يتم بعلم ومساعدة المسئولين لتدمير هذا القطاع الحيوى والمهم، مشيرًا إلى أن شركة واحدة من شركات القطاع العام، وهى «المصرية للأدوية» تسحب من البنوك أكثر من 5 مليارات جنيه محملة بالفوائد بسبب المديونيات لدى وزارة الصحة والفساد داخل إداراتها. واختتم فواد حديثه، بأنه لا بد من وضع روشتة لإصلاح الهيكل واعتباره قضية أمن قومي، والبدء فورًا فى إصلاح قطاع الدواء الحكومى، قبل أن تتم تصفيته وبيعه وتسريح العاملين به، لأن هذا القطاع هو حائط صد ضد مافيا الدواء فى القطاع الخاص، وذلك لحماية المواطن وإحداث توازن فى أسعار الدواء، موضحًا أن القطاع هو المسئول عن وصول الأدوية المدعمة لمستحقيها، حتى لا تتسرب إلى القطاع الخاص وتباع بأضعاف ثمنها. شهادة المركزي للتعبئة يبلغ عدد شركات الدواء التى تعمل بالسوق المصرية 59 شركة أدوية منها 11 شركة حكومية تقع تحت إشراف الشركة القابضة ووزارة الاستثمار، و48 شركة بالقطاع الخاص، حسب أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء الصادرة منتصف عام 2015. إحصائية الجهاز المركزى، تشير إلى أن قطاع الدواء الحكومى لم يشهد أى تطوير منذ سنوات، مشيرًا إلى أن الإحصائيات أثبتت أن القطاع العام لم يتوسع فى إنشاء شركات أدوية جديدة، والتوسعات تتم من خلال القطاع الخاص فقط، كما أنه لا توجد عمليات متطورة للبحث العلمى داخل هذه الشركات الحكومية، ورغم أن المسئولين الذين تولوا هذه الشركات قاموا بتدميرها حسبما تشير الأرقام، فالبحث العلمى لسوق الدواء الحكومية توقف حسبما تشير إليه الأرقام. وتكشف خريطة صادرات الأدوية خلال العشر سنوات الأخيرة ارتفاع قيمة صادرات الدواء واللقاحات والأمصال الطبية من 296.4 مليون جنيه عام 2003 إلى نحو 1.9 مليار جنيه عام 2013 بنسبة 526.8٪، وارتفاع قيمة الواردات من 1.9 مليار جنيه عام 2003 إلى 12.7 مليار جنيه عام 2013 بنسبة 553.4٪، وبلغ أعلى عجز فى الميزان التجارى للدواء 10.9 مليار جنيه عام 2013 وأن أقل عجز لهذه التجارة بلغ 1.4 مليار جنيه عام فى 2006. وكشفت دراسة حديثة أعدها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع قيمة العجز فى الميزان التجارى للأدوية فى مصر بحلول عام 2018 بنحو 24.3 مليار جنيه، وذلك نتيجة لزيادة قيمة الواردات التى لم تقابلها زيادة مماثلة فى قيمة الصادرات. وتعد العراق واليمن من أهم الأسواق المفتوحة أمام الصادرات الدوائية المصرية، فى حين تعتبر ألمانيا وسويسرا المصدر الرئيسى للواردات الدوائية المصرية. وتأتى مصر فى المرتبة 51 بين دول العالم وبنسبة 0.1٪ من إجمالى صادرات العالم تسبقها فى الترتيب جنوب إفريقيا ولاتفيا ولوكسمبورج، ويليها فى الترتيب قبرص والسعودية وماليزيا، وتتقدم الأردن على الدول العربية لتأتى فى المرتبة 39 بين دول العالم والأولى عربيًا من حيث صادرات الدواء تليها مصر فى المرتبة الثانية، وتحتل الجزائر المرتبة 106 عالميًا والمرتبة 15 عربيًا، تأتى إسرائيل فى المرتبة 17 بين دول العالم بنسبة 1.2٪ من إجمالى صادرات الدواء فى العالم، فمصر حسب الإحصائية ستشهد عجزًا كبيرًا فى سوق الأدوية خلال عام 2018 عن عام 2013 حسب الدراسة المعدة. وتأتى مصر فى المرتبة 44 بين دول العالم وبنسبة 0.38٪ من واردات العالم تسبقها فى الترتيب السعودية والجزائروجنوب إفريقيا، وتليها فى الترتيب إيران والإمارات وإسرائيل، تتقدم السعودية الدول العربية لتأتى فى المرتبة 20 بين دول العالم والأولى عربيًا من حيث واردات الدواء، تليها الجزائر فى المرتبة الثانية ومصر فى المرتبة الثالثة وتحتل موريتانيا المرتبة 126 عالميًا والمرتبة 14 عربيًا، وتأتى إسرائيل فى المرتبة 49 بين دول العالم بنسبة 0.35٪ من إجمالى واردات الدواء. وفيما يتعلق بإنتاج مصر من الأدوية، فقد كشفت الدراسة الرسمية عن ارتفاع إنتاج الأدوية فى مصر خلال عشر سنوات ليصل الى 19.3 مليار جنيه لعام 2013 بنسبة زيادة 253.9٪ عن عام 2003، يمثل قيمة الإنتاج بالقطاع الخاص 87٪، والقطاع العام والأعمال العام 13٪ من الإجمالي. وارتفع إنتاج الدواء بالقطاع الخاص خلال العشر سنوات من 4.2 مليار جنيه عام 2003 إلى 16.8 مليار جنيه عام 2013 بنسبة 298.9٪، كما ارتفعت قيمة إنتاج الدواء بالقطاع العام والأعمال العام من 1.2 مليار جنيه عام 2003 إلى 2.5 مليار جنيه عام 2013 بنسبة 102٪. وتوقعت زيادة بنحو 64.5٪ فى إجمالى قيمة إنتاج مصر من الأدوية عام 2018 عن عام 2013. ومن المتوقع حدوث زيادة فى قيمة المتاح للاستهلاك من الأدوية ليصل إلى 56 مليار جنيه عام 2018 بنسبة زيادة 85.5٪ عن عام 2013.