من أهم ما يجب توافره للمبدع من أجل التقدم فى المزيد من الإبداع وخلق المزيد من العوالم الثرية، هو تأمين اقتصادى جيد، وتوافر البيئة التى تساعده على هذا الإبداع، فليس من المعقول أن يمسك أحدهم بالقلم ليخط إبداعه فى الوقت الذى يشعر فيه بعدم الأمان الاقتصادى، أو حاجته وحاجة أسرته للمال، ومن هنا تأتى أهمية المنح الإنتاجية التى تقوم بها كل من مؤسسة «آفاق»، ومؤسسة «المورد الثقافى»، هاتان المؤسستان اللتان حملتا على عاتقيهما تشجيع وتأمين الكتاب فى المنطقة العربية اقتصاديًا؛ من أجل المزيد من الإبداع فى صورة العديد من المنح التى تُعلنان عنها كل عام. تأتى منحة الصندوق العربى للثقافة والفنون «آفاق»، كمنحة مهمة يتم منحها للكتاب المتقدمين بمشروع إبداعى جديد لم يكتمل بعد، وإن كان الكاتب بصدد كتابته، وقد كانت هذه المنحة فيما قبل على شكل مبلغ مالى يتم منحه للكاتب من أجل إكمال العمل الذى يكتبه، إلا أنه فى العامين الأخيرين، تغير شكل المنحة إلى إقامة لمدة أسبوع فى بيروت لثلاث مرات فى العام، من أجل إكمال العمل الإبداعى من خلال اللقاء بمجموعة أخرى من المبدعين الشباب ممن نالوا المنحة من الصندوق، ويكون العمل فى شكل ورشة. ربما يتيح هذا الانتقال إلى بيروت أو غيرها من الأماكن، فرصة للكاتب لاكتساب المزيد من الخبرات مع غيره من الكتاب، واكتساب خبرة بالأماكن الجديدة وهى الخبرات التى بالتأكيد سيستفيد منها أثناء كتابة العمل الإبداعى. أما مؤسسة المورد الثقافى التى أغلقت فرعها فى القاهرة منذ حوالى عام ونصف العام، بسبب التضييق عليها والظروف السياسية المتخبطة، فهى تقدم العديد من المنح المختلفة من أجل المزيد من الإبداع، ولعل أهم هذه المنح التى تقدمها منحة «مواعيد» وهو البرنامج الذى انطلق فى عام 2006م ليقدم تمويلاً جزئيًّا لنفقات سفر الفنانين والأدباء والمديرين الثقافيين، ويصل الدعم إلى 5000 دولار أمريكى للفنانين العرب؛ لعرض وتقديم أعمالهم الفنية أو الاشتراك فى الفعاليات والأنشطة الفنية والثقافية فى المنطقة، ويسعى البرنامج إلى دعم التبادل الثقافى والفنى ما بين الفنانين والمواقع المستقلة من مسارح ومعارض ومؤسسات ومنظمات ثقافية أخرى، كما يتم قبول الطلبات طوال العام، كما أن هناك منحة أخرى لا يمكن تجاهلها وهى منحة «تجوال» التى استحدثتها المؤسسة فى 2016م، وقد تم تصميم هذا البرنامج بحيث يفيد الفنانين والفاعلين الثقافيين العرب من خلال تقديم منح تصل قيمة الواحدة منها إلى 8000 دولار أمريكى كحد أقصى لدعم التنقل والسفر خارج المنطقة العربية، مما يسمح للحاصلين على المنح بعرض أعمالهم أمام جمهور جديد، والخوض فى تجارب التبادل الثقافى بمختلف أنواعه، كما تُقبل طلبات التقدم لهذا البرنامج طوال العام أيضًا. عن موضوع المنح الإنتاجية يقول الروائى نعيم صبرى: «ليس لدى فكرة عن هذا الموضوع، لكنى أرى أن من قرر خوض موضوع الإبداع ليس فى حاجة إلى أى لون من ألوان المنح، كما أعتقد أنه لو تم تكريم المبدع بعد إبداعه فهو أوقع؛ لأن الكاتب حينما يكتب يفعل ذلك لأن فعل الكتابة شيء ملح عنده، وهو جزء حياتى لديه؛ وبالتالى ليس من المهم له أن يعنى بهذا الأمر، كما أنى أتساءل: «كيف يمكن لى أن أكتب بشروط، الكتابة الإبداعية لا شروط لها، فأنا مثلًا فى الأربعة أعوام الماضية لم أكتب كلمة واحدة، فلو كانت الكتابة مشروطة بأمر ما لا يمكن لى أن أكتب إطلاقًا، فى النهاية أنا لا يمكن أن أفهم الفن المشروط؛ لأن الفن هو ثورة شخصية للكاتب وليس فى حاجة إلى أى لون من التشجيع أو المنح، ولكن بعد إنجاز العمل وتقديره فأنا لست ضده، مثل البوكر وغيرها من الجوائز، «مفيش حاجة اسمها ادينى جزرة وتقول لى اكتب»، فالعملية الإبداعية مختلفة تمامًا عن هذا التصور».