أثارت تصريحات وزير الشباب والرياضة الفرنسي باتريك كانير حول وجود المئات من الأحياء الفرنسية مثل حي "مولينبيك" البلجيكي جدلا واسعا في الأوساط السياسية الفرنسية وانتقادات من قبل أحزاب اليسار. وجاءت تصريحات كانير في سياق نتائج التحقيقات المشتركة بين فرنسا وبلجيكيا للكشف عن شبكة منفذي هجمات 13 نوفمبر الماضى بباريس التي خلفت 130 قتيلا والتي أظهرت أن العديد من الإنتحاريين الذين شاركوا في هذه الاعتداءات كانوا منحدرين، من حي مولينبيك أو كان يمثل محطة لهم بشكل أو بأخر. كما تأتي بعد عملية القبض في 18 مارس الجاري في الحي نفسه، على صلاح عبد السلام، أحد المخططين لهجمات باريس بعد مطاردة دامت أربعة أشهر والتي على الأرجح نتج عنها وقوع تفجيرات بروكسل في 22 مارس الجارى في المطار الدولي ومحطة "مالبيك" بحي المؤسسات الأوروبية. وقال كانير -في مقابلة أجراها أمس /الأحد/ مع عدد من وسائل الإعلام الفرنسية-:"مثلما نعرف، مئات الأحياء تمثل أوجه تشابه محتملة مع ما حدث في مولينبيك." وتحدث الوزير الفرنسي عن تركيز الفقر والبطالة في مولينبيك الذي يكاد يخلو أيضا من الخدمات العامة إضافة إلى المناخ الطائفي السائد هناك وما اسماه بالمافيا والاقتصاد السري، فضلا عن تراجع دور المسؤولين المنتخبين في هذا الحي. واعتبر كانير أن أعمال الشغب في 2005 ساهمت في تنامي التيار السلفي "المتشدد " في الأحياء الشعبية في فرنسا وأنه كان لذلك تأثيرا على قسم من الشباب الذين وقعوا فريسة للمروجين لهذاالتيار. وبدوره قال جيوم لاريفيه المتحدث باسم حزب "الجمهوريون" (يمين وسط) أن هناك ما يماثل "مولينبيك" في بعض أحياء فرنسا وهو ما كرره من قبله برونو لومير القيادي والمرشح للانتخابات التمهيدية في الحزب نفسه. ومن جانبه، انتقد جوليان داري المستشار الإقليمي للحزب الاشتراكي لمنطقة "آيل دو فرانس" تصريحات باتريك كانير، دعا إلى عدم وصم سكان هذه الأحياء بالكامل الذين سئموا أن توجه لهم أصابع الاتهام، معترفا في الوقت ذاته أن الأحياء المقصورة على الأقليات في فرنسا تعد أرضا خصبة لتنامي الجريمة وتشكل نواة للتيارات الإسلامية المتطرف التي تستغل بعض النقاط الاجتماعية. كما رفض جون كريستوف كومبادليس السكرتير الأول للحزب الاشتراكي الفرنسى مقارنة وزير الشباب والرياضة، معتبرا أن فرنسا ربما بها جيوب أو مباني أو شوارع تواجه مشكلات مماثلة"لمولنبيك" ولكن لا توجد أحياء كاملة. وعبر كومبادليس عن معارضته لأي خطاب من شأنه النيل من الوفاق الوطني، داعيا إلى التركيز على النماذج الناجحة وليس على المظاهر السلبية، مؤكدا أن إستراتيجية مكافحة الإرهاب لا بد أن تركز على عزل الإرهابيين وليس المسلمين، مجددا معارضته للمقارنة بين الضواحي الفرنسية وحي مولينبيك. ومن جهته، أكد رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس - غداة وصف وزير المالية الفرنسي ميتشيل سابان الطبقة السياسية البلجيكية، بالسذاجة في تعاملها مع الإسلاميين المتطرفين- أن فرنسا لا تسعى لإعطاء دروسا لبلجيكا حول الطائفية... وقال "نحن أيضا لدينا أحياء تحت سيطرة تجار المخدرات وشبكات الإسلاميين والسلفيين." ولكن بغض النظر عن الخلاف بين السياسيين الفرنسيين ما بين مؤيد ومعارض لوجود أحياء بفرنسا تشبه "مولينبيك"، والذي تبين خلال الأعوام الماضية أنه يؤوي عشرات من منفذي ومدبري عمليات إرهابية في أوروبا، إلا أن الإحصاءات تشير بالفعل إلى أن الفرنسيين الذين قضوا في سوريا منحدرون من مناطق بعينها مثل "لونيل"(جنوب) حيث سافر نحن 20 شابا للقتال في سوريا في2015 وهناك أيضا أحياء في المنطقة الباريسية ومدن مثل "روبيه" و"تراب" في شمال فرنسا وحي "ميراي" بتولوز (جنوب) الذي خرج منه محمد مراح الذي قتل في 2012 سبعة أشخاص منهم ثلاثة أطفال يهود وحاخام، مع جرح ستة أخرين، وهناك أيضا بلدة أرجونتوي التي شهدت مداهمات للشرطة الخميس الماضي أسفرت عن ضبط كميات من الأسلحة والمتفجرات وعن احباط مخطط إرهابي "في مرحلة متقدمة" بحسب وزير الداخلية برنار كازنوف. وقد سبق وحذّر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، من أن بلاده تعاني من "فصل عنصري وفصل في المناطق وفصل اجتماعي وإثني"، متحدثا عن "العلل" التي تعاني منها البلاد التي طالتها هجمات متطرفين فرنسيين. كما شدد على ضرورة مكافحة خطاب الإخوان المسلمين في فرنسا، ومكافحة الجماعات السلفية المتشددة في الأحياء، متحدثا عن مناطق حساسة يتفاقم فيها الفقر في مدن البلاد الكبرى، والتي تضم نسبة كبيرة من المهاجرين. ودعا فالس إلى تكاتف الجهود لمحاربة الفكر المتطرف وذلك خلال لقائه، الأسبوع الماضي، مع هيئة الحوار للمنظمات الإسلامية في فرنسا لمحاولة فهم الفكر المتطرف والأسباب التي تجعل الشخص يلجأ إليه للوقاية الأكثر منه والحد من انتشاره. وتدرك فرنسا التهديد الكبير الذي يشكله وجود فرنسيين على صلة بداعش أو يقاتلون في صفوفه خاصة إذا عادوا للاراضي الفرنسية، بعد أن تدربوا على حمل السلاح وصناعة المتفجرات، دون أن ترصدهم الأجهزة الأمنية. وتقول الحكومة الفرنسية إن 609 فرنسيين أو مقيمين في فرنسا يقاتلون حاليا في صفوف تنظيمات متطرفة في سوريا والعراق. وتؤكد الحكومة أن 168 فرنسيا قتلوا في مناطق النزاع فيما عاد 300 إلى فرنسا، وإضافة إلى 1000 يخضعون للمراقبة، فضلا عن توقيف 334 آخرين. وتشير أيضا إلى أن 800 شخص في فرنسا أبدوا استعدادهم للسفر لمناطق القتال في سوريا والعراق، وإلى أن 2029 فرنسيا أو مقيما في الأراضي الفرنسية على صلة بتنظيمات متطرفة. وتواصل فرنسا جهودها لمكافحة التطرّف بالتذكير باستمرار على ضرورة إعلاء قيم الوحدة الوطنية بين جميع أبناء الشعب الفرنسي وبإطلاق حملات مضادة للأفكار الدعائية التي تقوم بها الشبكات الإرهابية على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.