شغل أشرف مروان، رجل الأعمال المصرى والجاسوس الأشهر حتى الآن الذى لقى حتفه فى 27 يونيو 2007 بعد عملية إسقاطه من شرفة منزله بلندن، العديد من الأوساط السياسية والعسكرية والاستخباراتية، فى مختلف دول العالم، وقام الكثير من الكتاب والمؤلفين بمحاولة الكشف عن أسرار الرجل، فى محاولات لوصفه بالوطنية تارة، واتهامه بالخيانة تارة أخرى، ومن أشهر الكتب التى تناولت قصته «الملاك أشرف مروان.. الموساد ومفاجأة حرب الغفران» الذى كتبه يورى بار جوزيف أستاذ العلوم السياسية فى جامعة حيفا، الكتاب كان باللغة العبرية، فى عام 2010 فى حوالى 430 صفحة لدار النشر الإسرائيلية «زيمورا بيتان»، ورغم مرور 6 سنوات على الكتاب فإن دار النشر البريطانية الأمريكية «هاربر» تقوم بإعادة الكتاب ولأول مرة باللغة الإنجليزية، فى خطوة مثيرة للجدل، وسيتم صدوره فى 2 أغسطس المقبل. دار النشر «هاربر» تعيد الكتاب تحت عنوان لافت «الملاك.. الجاسوس المصرى الذى أنقذ إسرائيل»، وفى حوالى 368 صفحة، وهو ما يؤكد من جديد سيطرة اليهود وإسرائيل على دور النشر والإعلام فى الولاياتالمتحدة، خصوصا أن «هاربر» التى تعد أكبر دار للنشر عالميا، كانت قد أغضبت إسرائيل العام الماضى عند قيامها بحذف اسم إسرائيل من «أطلس الشرق الأوسط» الذى نشرته مؤخرا، وقد قامت مباشرة بإزالة جميع نسخ الأطلس متعهدة بإتلاف ما تبقى منها. حيث إن الأطلس الذى قامت بطباعته كان سيباع فى دول الخليج، وأن حذف اسم إسرائيل منه تم تحسبا لردود فعل المستهلكين فى تلك الدول، وأن دار النشر الكبرى قامت بحذف اسم إسرائيل من أطلس الشرق الأوسط حتى يلقى رواجا فى المدارس الخليجية والمستهلكين من الدول العربية. الكتاب يعاد نشره وترجمته بعد عام من تلك الواقعة كاعتذار للكيان الإسرائيلى، وهو ما يؤكد ما تقوله تل أبيب عن أشرف مروان، بأنه لم يكن عميلا مزدوجا بل كان الدجاجة التى تبيض ذهبا لإسرائيل، وأنه لم يبق سرا فى مصر إلا وكشفه أشرف مروان لليهود حتى جلسات القيادات السياسية والعسكرية فى القاهرة، فضلا عن اللقاءات مع قادة الاتحاد السوفيتى السابق وصفقات الأسلحة حتى خطة حرب أكتوبر التى لم تعرفها سوريا حتى فى ذلك الوقت، وأن بسببه فقد بقيت الجولان تحت سيطرة الكيان الإسرائيلى وبعيدة عن سيطرة الجيش السورى. وينفى الكتاب، فى طبعته باللغة الإنجليزية، الجدل حول كونه جاسوسا مزدوجا، بل إنه يؤكد أن مروان قدم للموساد مواد استخباراتية تتعلق بالمحادثات التى كان يجريها الرئيس الراحل محمد أنور السادات مع نظيره السوفيتى ليونيد برينجنيف، حيث كان مروان يعمل سكرتيرا للسادات، حيث قام بإرسال وثائق إلى جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل قالت للرئيس الأمريكى الراحل ريتشارد نيكسون إن لإسرائيل رجلا فى بيت الرئيس المصرى، لدرجة أن هنرى كسينجر وزير الخارجية الأمريكية آنذاك شعر ب«القرف»، كما يصف الكتاب من المعلومات التى كان يرسلها مروان إلى إسرائيل، وفى الوقت نفسه قام السفير الروسى فى واشنطن أناتولى دوبرين بتحذير مصر، حيث أخبر المسئولين بأنهم مخترقون بواسطة المخابرات الإسرائيلية. الكتاب يتناول الحياة المثيرة والموت الغامض لأشرف مروان، من وجهة نظر الإسرائيليين، فضلا عن أنه زاد على النسخة العبرية رؤية جديدة على التاريخ الحديث والمضطرب للشرق الأوسط التى بلغت ذروتها فى ثورات الربيع العربى فى 2011، مضيفا أن أشرف مروان كان قادرا على الوصول إلى أعمق أسرار الحكومة المصرية، لكن مروان نفسه كان سرا، لدرجة أن الكتاب قد زعم أن مروان قام بتنبيه الموساد فى وقت سابق للهجوم المصرى السورى المشترك فى حرب 1973، مؤكدا أنه أنقذ إسرائيل من هزيمة ساحقة، وهو ينفى بذلك هزيمة إسرائيل من الأساس. ونفى الكتاب ما قاله الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إيلى زعيرا، بكون أشرف مروان كان عميلا مزدوجا وأضر بإسرائيل لصالح مصر، وهو يتهم الأمن المصرى بعملية اغتياله، لأنه سبب إحراجا للحكومة المصرية، حيث كانت تفاصيل الدقائق الأخيرة من حياة مروان هى الأكثر غموضا، وبحسب شهود عيان فإن اثنين ذا ملامح شرق أوسطية المظهر كانوا فى مكان الحادث، خاصة أن مروان كان يستعد لكتابة مذكراته وتسريب الأسرار التى من شأنها أن تحرج العديد من الرؤساء والملوك، حيث عمل ضمن المخابرات المصرية والإسرائيلية والإيطالية والأمريكية والبريطانية، ولم يتم العثور على أى وثائق فى شقته بلندن بعد اغتياله، ما يدل على سرقتها حيث أجزاء كبيرة من حياة مروان وموته لا تزال مبهمة. يؤكد الكتاب أن مروان ذهب إلى السفارة الإسرائيلية فى إنجلترا، وذلك قبل وقت قصير من وصول السادات إلى الحكم، وطلب التحدث إلى أحد أعضاء الفريق الأمنى، وتم رفض طلبه على الأقل مرتين، قبل أن يسمح له فى نهاية المطاف بترك رسالة الذى حدد فيها مروان نفسه بالاسم، وقال إنه يرغب فى العمل لصالح المخابرات الإسرائيلية، وقال إنه اختار عدم ترك رقم الهاتف. لا يختتم المؤلف كتابه بانتصار إسرائيل فى الحرب، لكنه حاول أن يكشف من قتل أشرف مروان، حيث إن بعد وفاة مروان أصبح العثور على دليل على وجود مذكرات هاجسا لكل المتخصصين فى الشأن الاستخباراتى، وقاموا بالعديد من الاتصالات فى بريطانياوالولاياتالمتحدة، لمعرفة ما إذا كان مروان قد ترك أى نسخ أو وثائق. وقد نقل الكتاب ما قاله تسيفى زامير، رئيس الموساد السابق، إن مروان قام بالتجسس بإخلاص للإسرائيليين، وإنه لا يمر يوم واحد دون تعذيب نفسه وتأنيبها حول مسألة ما إذا كان يمكن أن يتم حمايته بشكل أفضل من قبل المخابرات الإسرائيلية. وكان مروان بحسب الكتاب يتصل بنساء يهوديات فى لندن، يعملن لصالح الموساد، لإرسال المعلومات عن طريقهن، وقد تساءل الكاتب نفسه فضلا عن المخابرات الإسرائيلية عن أن المخابرات حتى اليوم لم تتمكن من تحديد السبب الذى دفع مروان إلى خيانة وطنه، ربما شهوة المال أو ربما للانتقام من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى كان قد تزوج بابنته منى، أو ربما جنون العظمة. الغريب أن النسخة العبرية من الكتاب كانت تقول إن مروان كان جاسوسا لصالح مصر فقط، إلا أن مهمته كانت هى أن يزود الموساد الإسرائيلى بمعلومات حقيقية فعلا وموثوق فى صحتها، كجزء من خطة الخداع الاستراتيجى التى كان يتبناها السادات، وأنه كان يتلقى تعليمات من القيادة المصرية لإنجاح عمله مع الموساد، وأنه بالفعل قام بتحذيرهم يوم 4 أكتوبر 1973، بأن مصر تستعد لشن حرب وشيكة على إسرائيل، إلا أنهم فعلا لم يصدقوه وقتها، رغم أنه كان أغلى جاسوس لديهم، ولم يستغل الموساد ولا رئيسة الوزراء جولدا مائير ولا وزير الدفاع موشى ديان تلك المعلومة. والتساؤل هنا على من يعود هذا الالتباس بين النسخة العبرية والنسخة الإنجليزية؟ ولماذا الآن وسط التوتر الدائر فى المنطقة وحالة من السخونة فى إسرائيل ومصر ودول الخليج وإيران؟ وهو ما يدل على أن دار النشر الكبرى فى العالم «هاربر» مثال آخر على تحكم اليهود فى وسائل الإعلام ودور النشر فى الولاياتالمتحدة التى تعمل على تغيير الكلم عن مواضعه، ومن أهم وسائل الإعلام الأمريكية التى تروج للكيان الإسرائيلى «فوكس نيوز» و«إيه بى سى نيوز» و«سى إن إن» وقنوات «سى بى إس»، و«واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، تحت سيطرة اليهود، سواء فى مراكز إدارية أو فنية، حتى إن وكالة أنباء «رويترز» مؤسسها هو جوليوس باول رويتر الألمانى اليهودى، وتمتلك العائلات اليهودية الثرية العديد من الصحف الشهيرة فى أمريكا، منها عائلة آرثر ساليزبرجر التى تملك صحيفة «نيويورك تايمز»، وعائلة كاثرين جراهام ماير التى تملك صحيفة «واشنطن بوست»، ويترأس اليهود أيضا دار النشر الشهيرة «سايمون آند شوستر».