بمناسبة ما يحدث ويدور هذه الأيام وظهور السفير الإسرائيلى بدائرة الأحداث مرة أخرى وذلك بعد مقابلته مع نائب مجلس النواب المصرى توفيق عكاشة، تذكرت وثيقة مهمة للكيان الصهيونى كنت قد قرأتها منذ فترة ورأيت أنه من الأهمية إعادة نشرها الآن. فى عام 1982 نشرت مجلة «كيفونيم» التى تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية وثيقة بعنوان «استراتيجية إسرائيلية للثمانينات»، حيث نشرت باللغة العبرية وتم ترجمتها للعربية فيما بعد عن طريق الأستاذ عصمت سيف الدولة وآخرين، وتأتى أهمية نشرها لتنشيط الذاكرة المصرية والعربية وإعادة تسليط الضوء على أهداف دولة إسرائيل، وذلك حتى لا ننسى، خاصة أننا أمة لا تقرأ إلا قليلا وإذا قرأت تنسى مع مرور الزمن، وحتى لا ننخدع بالكلام المعسول لسفير الكيان الصهيونى والذى يتحدث فيه عن السلام والتعايش بين الجيران فى المنطقة وهم أبعد ما يكونون عن هذا الكلام وهذه الأحلام، فهم فى هذه الوثيقة يعبرون صراحة عن رغبتهم فى مزيد من التفتيت للدول العربية، علما بأن تاريخنا الحديث هو نتاج لمشروعات استعمارية مماثلة، بدأت أفكارا، وتحولت إلى اتفاقات ووثائق تحكمنا حتى الآن. - فى معاهدة لندن 1840 والتى سمحت لمحمد على وأسرته بحكم مصر فقط وفى المقابل حرمت عليه أى نشاط خارجها وقضت على توسعاته وأسطوله المتنامى فى هذه الفترة وكانت بداية لإضعاف الدولة المصرية والذى انتهى باحتلالها عام 1882. - اتفاقية «سايكس بيكو» 1916 والتى قسمت الوطن العربى تقسيما جائرا نعيش بمقتضاه إلى الآن، جعل العرب محبوسين داخل حدود مصطنعة لا تمثل فى أغلبها الواقع الفعلى للتوزيع السكانى. - وعد «بلفور» 1917 والذى كان المقدمة التى أدت لاغتصاب أرض فلسطين فيما بعد، والذى قام على أساسه الانتداب البريطانى على فلسطين فى 29 سبتمبر 1922 والذى اعترف فى مادته الرابعة بالوكالة اليهودية من أجل إنشاء وطن قومى لليهود، فأعطوا بذلك الضوء الأخضر للهجرة اليهودية إلى فلسطين. - قرار الأممالمتحدة فى 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين والذى أعطى مشروعية دولية للاحتلال الصهيونى، والذى أنشئت بموجبه دولة إسرائيل وهو القرار الذى رفضه العرب فى البداية ولمدة عشرين عاما قبل أن يعودوا ويعترفوا به بموجب القرار 242 الصادر من مجلس الأمن فى عام 1967، والذى نص فيما نص على حق إسرائيل فى الوجود، وحقها أن تعيش فى أمان على أرض فلسطين، وعلى أساس هذا القرار تم إبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 والتى بموجبها استردت مصر أراضيها المحتلة واستطاعت أن تأخذ هدنة مؤقتة وتلتقط أنفاسها من الحروب المتتالية والصراع المسلح العلنى مع الكيان الصهيونى لتنتقل بعدها إلى مرحلة من الصراع غير المعلن. كل ذلك بدأ أفكارا وأهدافا استعمارية ووقتها تمت الاستهانة به ولم يلق فى الأغلب الاهتمام الكافى ولا الجدية اللازمة. ورغم كتابة هذه الوثيقة ونشرها عام 1982، إلا أنه تم تنفيذها بحذافيرها أو بشكل أكثر دقة تم تنفيذ جزء كبير منها، وجار العمل فى تنفيذ الباقى وهو أمر يثير السخرية مصحوبة بقدر كبير من المرارة، فإذا كان هذا هو حالنا مع مخططاتهم المكتوبة والمنشورة فى وسائل إعلامهم فكيف يكون حالنا مع مخططاتهم الخفية التى لا تقال إلا وراء الجدران والأبواب المغلقة؟!! إن الهدف من نشر مثل هذه الوثيقة والتى هى ليست سرا وبإمكان أى شخص أن يبحث عنها وعن غيرها ويقرأها أن نقرأ من جديد ونعيد النظر للتاريخ بصورة شاملة ونرى مساره وحلقاته وتسلسله، أن نرى المخطط على حقيقته، أن نخرج من دائرة التناول المجزأ لتاريخنا حتى لا تقتصر حياتنا على مجموعة من الانفعالات وردود الفعل اللحظية.