صديقه محمد جادالكريم: «الإخوان» وراء قتل «ريجينى» للوقيعة بين القاهرةوروما محامٍ مقيم بعقار الضحية: كان غريب الأطوار ودائم التحدث عن النساء نقيب الباعة الجائلين: أرجح قتله من قبل أهالى فتاة مارس معها الجنس جارته الألمانية: أجهزة الأمن لم تحضر إلى المنزل فى أى وقت للاستعلام عنه القاعدة الإجرامية أن كل جانٍ هدفه إخفاء آثار جريمته ودوافعها والأداة المستخدمة وبصماته عليها، إلا فى حالة حادثة الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، فقد تعمد الجانى -أو الجناة- ترك بصمات إجرامية على جثة الضحية، وإظهار التعذيب الممنهج فى التعامل مع الجثمان، فى محاولة لتوجيه القضية ودوافعها إلى فكرة «الانتقام»، سواء كان لأسباب سياسية أو لغيرها. سيمفونية العزف المتناغم بين الداخل والخارج لاستغلال القضية سياسيا، وتحميل الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية مسئولية مقتل «ريجينى»، والزج بفرق التحقيق الإيطالية فى هذا الاتجاه، كانت لافتة بالدرجة التى تثير أسئلة بقدر ما تجيب عنها، بداية من اختفاء المجنى عليه مع ذكرى أحداث 25 يناير وشبكة علاقاته ونشاطاته اللافتة والغامضة فى نفس الوقت، وأخيرا ظهور جثمانه بالتزامن مع زيارة وفد رسمى إيطالى لتوقيع اتفاقيات مع الدولة المصرية. ■ ■ ■ على الضفة الأخرى من المتوسط كانت روما فى مقدمة العواصم الأوروبية تأييدا لثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو، وأضحت صوتا مساندا لفهم الأحداث الداخلية فى مصر فى محيطها الأوروبى والدولى، ولعبت دورا فى كسر الحصار الدولى المفروض على النظام المصرى الجديد الذى انصاع لإرادة شعبه، وجاء عبر انتخابات حرة مباشرة. ذلك الموقف سريعا ما تمت ترجمته فى شكل اتفاقيات أمنية واقتصادية وعسكرية ودبلوماسية ورئاسية بين البلدين، خصوصا أن إيطاليا تعد أكبر شريك اقتصادى أوروبى لمصر، وتضاعفت الأهمية فى مجال تعاون الطاقة، ودخول شركة «إينى» إلى السوق المصرية، واكتشافها أكبر حقل غاز فى شرق المتوسط. كان لهذا الاكتشاف تداعياته على مستويات عدة، حيث قلبت صناعة الطاقة رأسا على عقب، ووضعت القاهرة فى قلب خارطة الطاقة حول العالم التى يعاد تشكيلها حاليا، لتكون أهم مورد مستقبلى للطاقة والغاز إلى القارة العجوز، ما ارتقى بالعلاقة المصرية الإيطالية إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية، وهو ما أزعج قوى إقليمية ودولية بهذا المستوى من التقارب. أمنيا وعسكريا، ونظرا للمكانة التاريخية لإيطاليا فى الشأن الليبى، ولعلاقة الجوار لمصر مع ذات الدولة التى تعانى فشلا وانهيارا ومرتعا للإرهاب تلاقت مصالح البلدين فى التعامل مع الملف الليبى المتماس بحريا مع روما وبريا مع القاهرة، وتتداخل معهما فى نفس المحور فرنسا، بهدف تشكيل ترويكا عسكرية أمنية سياسية للتعامل مع أزمة ليبيا، وهو ما يصطدم بسيناريوهات أخرى لقوى أخرى فى نفس الملف، مثل الولاياتالمتحدةوبريطانيا وتركيا وقطر وإسرائيل. إذا ما مددت الخيط على استقامته فيما تقدم، وأضفت إليه حادثة تفجير القنصلية الإيطالية غير المأهولة أصلا، وفى صبيحة يوم إجازة -الجمعة- تصل إلى نتيجة مفادها بأن الهدف هو ضرب العلاقة بين مصر وإيطاليا بشكل مباشر، أو استغلال حاد للوصول إلى نفس الغرض، وجميعها رسائل من أجهزة دول أخذت من الأراضى المصرية موقعا لإرسال رسائلها. ■ ■ ■ فى الوقت الذى خرجت فيه عناصر نشطة من الطابور الخامس بالتعاون مع عناصر إخوانية فى تظاهرة ووقفة أمام السفارة الإيطالية بالقاهرة كان هدفها الواضح توجيه الاتهام إلى أجهزة الأمن المصرية، واتهامها بتنفيذ التعذيب الممنهج ضد المعارضين، وكان هذا واضحا فى اللافتات المرفوعة والرسائل المقصودة منها، كان فريق البحث الإيطالى مع نظيره المصرى يستجوب دائرة معارف وجيران المجنى عليه، حيث تم تمكين الإيطاليين من زيارة موقع العثور على الجثمان، ومحل سكنه، والأماكن التى يتردد عليها، وشاركوا فى مناقشات العديد من دوائر اتصال المجنى عليه، حول المعلومات المتوافرة لديهم، وفى مقدمتهم جارته الألمانية جوليان هير، وتعمل مدرسة، التى أوضحت أن علاقتها معه كانت محدودة، ونفت سابقة قيام أجهزة الأمن بالاستعلام عنه خلال فترة إقامتها بنفس العقار، وعدم قناعتها بأن الأجهزة الأمنية وراء ارتكاب الحادث، مشيرة إلى إمكانية اضطلاع بعض الأطراف، ولم تستطع الجزم بهويتهم، القيام بهذا العمل لإحداث وقيعة بين مصر وإيطاليا، وهى نفس الفكرة التى جاءت بأقوال صديق المجنى عليه، ويدعى محمد جاد الكريم، بأنه يتوقع تورط جماعة الإخوان الإرهابية بدافع إفساد العلاقة بين البلدين بعد فشلهم فى الحشد فى ذكرى 25 يناير! فى حين كشفت «ن. م»، صديقة الإيطالى «ريجينى»، أنها اعتادت لقاء المجنى عليه بشكل دورى واصطحابه بسيارتها لتوصيله إلى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة الجديدة، وأن آخر اتصال بينهما كان بتاريخ 25 يناير 2016 من خلال رسالة على «فيسبوك»، وذكرت أنه قام بتحذيرها من مغادرة منزلها أيام 24، 25، 28 يناير الماضى، لاحتمالية حدوث أى قلاقل بالأمن العام! طرف آخر بدوافع أخرى تحركت له أجهزة الأمن، مفادها أقوال «م. خ»، محامٍ، ومقيم بذات العقار المقيم فيه المجنى عليه، حيث أشار إلى استشعاره الغموض فى شخصية المجنى عليه، وأنه غريب الأطوار، فضلا عن فضوله الدائم فى الاستفسار عن طبيعة الشعب المصرى، ومداومته التحدث عن السيدات وشهواته الجنسية! وهو ما اتسق مع أقوال محمد محمد عبدالله سعيد، نقيب الباعة الجائلين، بأن المجنى عليه تردد عليه بمحل عمله بموقف أحمد حلمى، بدعوى إعداد دراسة حول نقابة الباعة الجائلين، ورجح أن أن يكون مقتله بدافع الانتقام من أهالى إحدى الفتيات قام المجنى عليه بممارسة الجنس معها، أجهزة الأمن تبنت ضعف هذه الفرضية، حتى تلاشت تماما أمام ما تكشف عنه من معلومات أخرى، احتوى عليها جهاز «اللابتوب» الخاص بالإيطالى «ريجينى»! ■ ■ ■ سقطة وقعت فيها أجهزة الأمن وهى احتفاظ أسرة المجنى عليه على متعلقاته، وفى مقدمتها جهاز «اللابتوب» الذى كان بمثابة حافظة أسرار «ريجينى»، وأصبح كل ذلك تحت أيدى السلطات الإيطالية، بعيدا عن عيون القاهرة. رب ضارة نافعة أفادت بأكثر مما أضرت، فما احتواه الجهاز وجه بوصلة الاتهام بعيدا عن أى محاولات لإلصاقها بالدولة المصرية وأجهزتها الأمنية، خصوصا أن الجهاز حوى على قائمة أرقام هواتف تخص عددا كبيرا من النشطاء المصريين على اختلاف توجهاتهم السياسية من أقصى اليسار إلى اليمين المتشدد! كانت محاولة الدفع فى هذا الاتجاه تحديدا أثارت شكوكا لدى الإيطاليين، فلم يكن «ريجينى» طالبا عاديا يقوم بدراسة أكاديمية عن النقابات المستقلة فى مصر، حيث تؤكد المعلومات المسجلة على جهاز الكمبيوتر الخاص به اتساع دوائر اتصالاته، مما يرجح انتماءه إلى أحد أجهزة الاستخبارات الغربية، وترجيح عمله لجهاز المخابرات البريطانى «mi6»، الأمر الذى زاد من تعقيد وصعوبة التحقيق فى خلفيات مقتله. وهو الاتجاه الذى سار فيه المحققون الإيطاليون الذين تكونت لديهم شكوك قوية تجاه «تورط جهاز أمنى» خاص فيما يُعرف باسم النقابات المستقلة فى مصر، التى تجمع طائفة من الحركات اليسارية، خصوصا المناوئة منها للسلطات الحالية، بالتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين فى تصفية الطالب، بعد الاشتباه فى عمله لفائدة «جهاز أمنى معاد لإيطاليا». أنظار المحققين الإيطاليين توجهت نحو جماعة الإخوان، أو قطاعات مندسة منها النقابات المستقلة، وتحديدًا أجهزتها الأمنية، باعتبارها مسئولة عن تصفية الطالب، خصوصا فى ظل علامات التعذيب البشعة التى اكتشفت على جثته، والتى توحى بخضوعه إلى تحقيق قاسٍ، لكنه غير رسمى، للتأكد من هويته، وذلك بعد الشك فيه وفى نواياه الحقيقية، وأنه ربما خضع لهذا التحقيق لمعرفة حجم الأسرار، أو الأسماء والقيادات السرية التى سربها إلى أجهزة الأمن سواء فى مصر أو فى الخارج. ■ ■ ■ التقارير الإيطالية أشارت إلى أن شبكة العلاقات الواسعة التى كانت للباحث الإيطالى، القادم من مراكز أبحاث بريطانية، إضافة إلى علاقته بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، ربما كانت السبب فى اتخاذ الجهة المعنية قرارًا باستجوابه، مع اقتراب الاحتفال ب«25 يناير»، ورهان جهات كثيرة، وفى طليعتها الإخوان، على تحويل الاحتفال إلى مواجهة دامية بينهم وبين النظام. الباحث الإيطالى الموفد من جامعة «كامبريدج» ويعمل أستاذًا مساعدًا زائرًا فى الجامعة الأمريكية، لا يمكن أن يمر فى صمت أو يختفى فى زحام القاهرة، خاصة إذا نجح فى نسج علاقات وشبكة اتصالات مع معارضين ونقابيين وإخوان، وغيرهم من الحركات العاملة تحت الأرض، ليصدر القرار بتصفيته، بسبب الشك فى انتمائه وحقيقة عمله فى مصر، فحسب ما تبين أن «جوليو ريجينى» عمل بين سبتمبر 2013 وسبتمبر 2014، لصالح «ديلى بريف» أحد المواقع المتخصصة فى الأبحاث فى بريطانيا، الذى ينشر مقالات يومية عن الأحداث الدولية والإقليمية، لصالح مجموعة من المشتركين «الخاصين جدًا»، وهو الموقع ومركز الأبحاث الذى يقف وراءه بطريقة وبشكل منهجى وزير الخارجية الأمريكى السابق هنرى كيسنجر، ويُشرف على الموقع التابع لمركز «أوكسفورد أناليتيكا»، أحد المقربين السابقين من رجل البيت الأبيض القوى كسينجر، وهو مستشاره السابق ديفيد يونج. الغريب أن المركز البريطانى الذى يعمل كغطاء لأجهزة استخبارات غربية -بريطانية وأمريكية تحديدا- تعمد التوارى عن الأنظار بعد مقتل جوليو ريجينى، واكتفى ببرقية تعزية أرسلها إلى عائلة القتيل، رافضًا الرد على أى اتصال أو استفسار من قبل الصحافة ووسائل الإعلام. مما تقدم تنحصر فرضيات ودوافع مقتل الإيطالى «ريجينى»، كونه تمت تصفيته من الجهة التى كان يعمل لصالحها فى جمع المعلومات أو جهاز استخباراتى آخر استطاع كشف العميل «ريجينى»، وتتبعه داخل مصر، وقام بتصفيته على أرض الكنانة، للإضرار بمصالحها والتأثير على علاقتها بإيطاليا، أو أن الجهة التى كان يتجسس عليها ويجمع عنها المعلومات تشككت فى دوافعه وقررت إخضاعه للتعذيب، بهدف الكشف عن حقيقته، ثم نسجت هذا السيناريو مع عناصر خارجية لإلصاق التهمة بالنظام المصرى. ■ ■ ■ على عكس ما روجت له وسائل الإعلام المصرية فإن الوفد الأمنى الإيطالى وجه شكره إلى فريق البحث الجنائى المصرى على التعاون المستمر، كما أبدوا أسفهم لما تناقلته وسائل الإعلام الأجنبية من أنباء حول ترديد معلومات منسوبة إليهم بتورط أجهزة أمنية مصرية فى الحادث، مؤكدين أنهم أصبحوا على قناعة تامة بأن تلك المعلومات ليس لها أى أساس من الصحة، وأن الوفد أو أحدا من أعضائه لم يسبق له إصدار أى تصريحات صحفية مع الإشارة إلى أن ما تناولته بعض الصحف الإيطالية كان نقلا عن جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية.