أصبحت المصالح المتعارضة، والمتنافسة في منطقة القطب الشمالي، تتسم بمزيد من التعقيد، لغياب اتفاق شامل بين الأطراف المتصارعة، وغياب نية التوصل إلى مثل هذا الاتفاق في الوقت الراهن، أو في المستقبل القريب أيضًا. ومع تطوير معدات وتكنولوجيات التنقيب في المياه المتجمدة، فإن النزاع على تقاسم مناطق التنقيب في القطب الشمالي، في غالب الظن، سوف يستمر، وتزداد حدته مستقبلا. كما أن ذوبان معظم جليد القطب الشمالي، من شأنه تحويل تلك المنطقة إلى ساحة ضخمة لعمليات التنقيب والاستكشاف، وهذا سيعني بدوره زيادة حدة المشكلات البيئية، التي على ما يبدو لا تأخذها في الحسبان الدول المتصارعة على ثروات القطب الشمالي في الوقت الراهن. وتكمن بعض المخاوف البيئية في احتمال ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، ما يهدد بغرق العديد من سواحل دول العالم. وتسعى روسيا، كما هو معروف، إلى الحصول على الاعتراف الدولي بملكيتها لأجزاء من المحيط المتجمد الشمالي، تبلغ مساحتها 2 . 1 مليون كيلومتر مربع، ويعتقد أنها تحتوي على نحو 10 مليارات طن من النفط، على أقل تقدير. وكانت بعثة روسية قد نصبت العلم الروسي في قاع المحيط المتجمد الشمالي، خلال عام 2007 في إطار السعي إلى إظهار حقوق روسيا في أجزاء معينة من منطقة القطب، كونها دولة تطل على المحيط المتجمد الشمالي، بجانب كل من: “,”كندا، والولاياتالمتحدة، والدانمارك، والنرويج“,”. وكانت موسكو قد تقدمت في عام 2001 للجنة تابعة للأمم المتحدة بمجموعة من الحجج، تدعي أن المياه الواقعة أمام سواحلها الشمالية، ما هي إلا امتداد لمياهها الإقليمية، ولكن اللجنة رفضت هذه الحجج وطالبت موسكو بتقديم المزيد من الأدلة. وتفيد بعض التقديرات، بأن الجرف القاري للمحيط المتجمد الشمالي، يضم نحو ربع احتياطات بحار العالم من موارد الطاقة ، وتؤكد تقارير أخرى أن احتياطي هذه المنطقة من النفط وحده يبلغ نحو 90 مليار برميل. أما التقديرات الروسية، فتشير إلى تركز ما بين 70 أو 80% من كل احتياطات منطقة المحيط المتجمد الشمالي من النفط والغاز في منطقة الجرف البحري الروسي. وكانت روسيا قد أكدت أن استخدام موارد منطقة القطب الشمالي، يعد ضمانًا لأمن الطاقة فيها، وسارعت إلى إصدار تشريعات برلمانية لتحديد المنطقة التابعة لها في القطب الشمالي. كما أعلن مجلس الأمن القومي الروسي قبل ثلاث سنوات عن استراتيجية جديدة تقضي بتشكيل قوة عسكرية لحماية مصالح روسيا، في المنطقة القطبية الشمالية. وتتوقع هذه الاستراتيجية أن تصبح المنطقة القطبية الشمالية المصدر الرئيسي للنفط والغاز في روسيا بحلول العام 2020، خاصة وأن بعض الدراسات تشير إلى احتمال نضوب النفط الروسي خلال السنوات القادمة. ويواجه التحرك الروسي بمنافسة شرسة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكندا، والدانمارك، والنرويج، التي تمتلك جميعها شريطا ساحليا مع القطب الشمالي وتدعي سيادتها على أجزاء منه. وقد أرسلت الولاياتالمتحدة، وكندا في وقت سابق، بعثة مشتركة إلى منطقة القطب الشمالي لتجميع معلومات تؤكد حقهما في أجزاء من هذه المنطقة، ويتعقد الوضع أكثر. لأن عدد الدول التي تقف عند أبواب منطقة القطب الشمالي أكبر بصورة ملحوظة من عدد الدول المطلة على ساحاتها الجليدية. ف“,”الصين“,” هي الأخرى بدأت تتوجه إلى المنطقة، في محاولة للمشاركة في تقاسم الثروات الطبيعية الهائلة هناك، حيث وجهت إلى “,”أركتيكا“,” أكبر كاسحة جليد مطورة غير نووية في العالم “,”سيو إيلون“,” أو “,”التنين الجليدي“,”، التي صنعت في الحقبة السوفيتية في أوكرانيا. ولا تدعي الصين بوجود حقوق قانونية لها على أي جزء من أجزاء القطب الشمالي، ولكنها تنتظر اتفاق الدول المطلة عليه كي تستفيد من النفط والغاز هناك. ولا يتعلق الصراع بين روسيا، وكندا، والولاياتالمتحدة، والدانمارك، والنرويج، بالثروات الطبيعية للقطب الشمالي وحسب، وإنما بما ينجم عن ارتفاع حرارة المناخ من جعل الطرق البحرية الشمالية في كندا، وروسيا، مفتوحة للملاحة خلال فترات أطول، وفي حالة الملاحة المباشرة على مدار السنة، قد تقل المسافة التي تفصل بين الصين من ناحية، وألمانيا أو الولاياتالمتحدة من الناحية الأخرى ب 6-7 آلاف كيلومتر. في نفس الوقت، ترى الولاياتالمتحدة أن آيسلندا، والسويد، وفنلندا، لها نفس الحقوق في الموارد الكامنة تحت وفوق مياه المحيط القطبي الشمالي. يذكر أنه في عام 1996 تأسس ما يسمى “,”مجلس القطب الشمالي“,” بمبادرة من فنلندا، ويعد هذا المجلس أهم منظمة إقليمية لمنطقة القطب الشمالي، ويضم كلا من: “,”الدانمارك، وفنلندا، وآيسلندا، وكندا، والنرويج، وروسيا، والسويد، والولاياتالمتحدة“,”. كما يضم بعض الدول المراقبة، وهي: “,”بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، وبولندا، وإسبانيا، والصين، وإيطاليا، وكوريا الجنوبية“,”. ولا يستبعد خبراء أن تصبح منطقة المحيط المتجمد الشمالي، حلبة مستقبلية لتصادم حاد بين مصالح استراتيجية لدول عدة، على رأسها روسيا، والولاياتالمتحدة، وهذا ما دفع بعض المراقبين الروس والغربيين إلى عدم استبعاد تطور الخلاف حول ثروات القطب المتجمد الشمالي إلى صراع مسلح “,”غير نووي“,”. استنادًا إلى تحذيرات روسيا المتكررة للدول الأخرى المطلة على القطب الشمالي من مغبة منعها من الوصول إلى مكامن الثروات الطبيعية، واستنادًا أيضًا إلى نشاط الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها في مواجهة المصالح الروسية في تلك المنطقة. يشار إلى أن دول منطقة القطب الشمالي، قامت بتصنيع 66 سفينة عسكرية تقدر على خوض الحرب في شمال الكرة الأرضية وتنوي روسيا، هي الأخرى، تصنيع 15 غواصة وكاسحة جليد جديدة لهذه المنطقة تحديدًا.