في العصرالحديث، أصبحت الإدارة الداخلية لشؤون الدولة هي الشاغل الأهم لأي دولة في العالم، إذ بناء عليها يمكن تقييم نجاح الدولة من عدمه، باعتبار أن الإدارة الداخلية هي القوى الناعمة للدولة، التي أصبحت أكثر تأثيرا من الأخرى الصلبة، ولعل صاحب الدور الأهم والأبرز في هذا الشأن هو رئيس الوزراء، الذي يعتبر الغطاء السياسي لأي دولة كانت أو مملكة، إذ أنه المشرف على تدبير شؤون الدولة داخليا، فضلا عن مشاركته في صناعة السياسة الخارجية، باعتباره من يختار وزير الخارجية، ويضع مع رأس الدولة الأطر العامة للسياسة الخارجية. وعلى مستوى عربي، يأتي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، في المرتبة الأولى عربيا وإقليما وربما عالميا، من ناحية تقديمه النموذج الأمثل في إدارة شؤون الدولة داخليا وخارجيا، حيث يمكن من خلال تتبع خطواته وقراءة تصريحاته، لاسيما آخرها وقت استقبال سموه جموع من المواطنين البحرينيين، إضافة إلى نخب ثقافية وإعلامية بقصر القضيبية، قبل أيام، يمكن الوصول إلى 6 سمات أساسية للإدارة الداخلية الناجحة للدولة. أولا- المواطن هو حجر الأساس في أي نهضة للدولة، حيث أشار سموه، خلال اللقاء، إلى "اعتزازه بأبناء البحرين رجالا ونساء، الذين استطاعوا بإخلاصهم وتفانيهم أن يرسوا أسس بناء حضاري متميز يجسد طبيعة الإنسان البحريني المحب للعمل والإنتاج"، مرجعا الفضل في تقدم مملكة البحرين "بكل ثقة في ركب التطور والتنمية" إلى "مساندة أبناء شعبها الذين يجسدون دوما أروع الأمثلة الوطنية في العمل والبناء من أجل الوطن وتقدمه"، بحسب تصريحاته خلال اللقاء. ويعتبر هذا التوجه أساسا صلبا للإدارة في البحرين، حيث أيد الدستور البحريني حقوق المواطنة في الباب الثالث (الحقوق والواجبات العامة) في المادة (17)، الفقرة (ألف) التي تنص على: أن الجنسية يحددها القانون، ولا يجوز اسقاطها عمن يتمتع بها بصفة اصلية، إلا في حالتي الخيانة العظمى وازدواج الجنسية، وذلك بالشروط التي يحددها القانون. كما يوفر المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، الذي يشرف على تنفيذه صاحب السمو الملكي، إطارا شاملا تتوافر فيه منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المواطن البحريني، حيث تعتبر المملكة في مقدمة دول المنطقة من منظور الحريات والحقوق التي يتمتع بها المواطنون، الأمر الذي يمنح مملكة البحرين أولوية وتميزا بين دول العالم في هذا الشأن. ثانيا- دعم المجتمع المدني، بما يشمله من اتحادات عمالية ومؤسسات سياسية وهيئات اجتماعية، إذ تعتبر البحرين الأولى عربيا في المسارعة لدمج الاتجاهات الفكرية داخلها في كيانات ومؤسسات لاحتواء "العقل الجمعي" للمجتمع والاستفادة منه في بناء الإطار العام للدولة بما يشمله من كافة النواحي السياسية والثقافية والاجتماعية. فقد أشار سموه، خلال اللقاء، إلى "الدور الذي تضطلع به الاتحادات المعنية بالشأن العمالي في إسناد دور الحكومة في خلق بيئة عمل مثالية تشجع على الإنتاجية والتميز"، لافتا إلى أن "الحكومة أمام هذا العطاء (الشعبي) تحرص دوما على توفير أجواء العمل المحفزة التي تفتح المجال واسعا للمواطن لمزيد من البذل والإبداع بما ينعكس إيجابا على المنتج الخدمي المقدم للمواطن". ثالثا- الاعتماد على الذات، فإذا كانت بعض دول المنطقة تعتمد في بناء منظومتها السياسية أو الاجتماعية على استيراد التجارب المعاصرة عالميا، فإن مملكة البحرين تعتمد في إطارها العام على سواعد أبنائها، حيث نوه سموه بما "تمتلكه مملكة البحرين من خبرات وطنية في مختلف المجالات تستحق دعمها ورعايتها" مضيفا أنها "ثروة الوطن وزاد المستقبل"، وهو الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في تجانس المجتمع البحريني، الذي ترسم كل أطيافه سياسة بلدهم مباشرة". رابعا- توفير الجودة في الخدمات العامة، وهو الأمر الذي يتلقاه كل مواطن مباشرة دون وسيط، فمتى كانت الخدمة المقدمة من الحكومة مصحوبة بالجودة، كلما تمتعت الدولة بحالة من الاستقرار السياسي، الذي يتعبه دون شك الاستقرار الاقتصادي، فقد أكد صاحب السمو رئيس الوزراء على حرص الحكومة على "أن تكون جميع الخدمات المقدمة إلى المواطنين، لاسيما الخدمية منها في أعلى مستويات من الجودة والكفاءة منها لينعم بها المواطن مع ضمان أن يجري انجازها بالشكل الذي يلبي احتياجات المواطنين". خامسا- التعاون بين المواطن والحكومة، فقد أشار سموه صراحة إلى أن "المرحلة الحالية وما تشهده من تحديات، وبخاصة في الجانب الاقتصادي، تتطلب مزيدا من التعاون والتكاتف بين الجميع، وأن تتشابك الأيادي من أجل تعزيز مكانة البحرين كبلد رائد ومتقدم في العديد من المجالات"، وهي رؤية لا تنم إلى عن تفكير عميق ورؤية راسخة لأسس الإدارة القويمة، التي تعود على صالح المجتمع بالاستقرار، طالما كان صانع السياسة في الدولة المواطن بجانب حكومته. سادسا- دعم النخب الثقافية، التي يقع على عاتقها توجيه الرأي العام في المجتمع، وهو أمر في غاية الخطورة، فقد تكون هناك دولة ذات سياسة جيدة وتحقق معدلات نمو عالية، لكن الرأي العام فيها يأخذ موقفا مضاد من حكومته، بسبب بعد نخبتها عن رسم خارطة الدولة الإدارية، ولعل هذا ما ضمنه لدى إشادته بالصحافيين والكتاب مشيرا إلى "ما يقومون به من دور هام في التعبير عن تطلعات المواطنين، وبما يمتلكونه من أقلام حرة وشجاعة في الدفاع عن أمن الوطن واستقراره في إطار من المهنية والمصداقية التي تظهر جلية فيما يكتبونه من أخبار ومقالات غايتها مصلحة الوطن والمواطنين".