هل جربت من قبل الدخول في دوامة من السرحان طويلة الأمد من الأفكار المتداخلة بين ذكريات ماض قد فات ومستقبل لم يأتي بعد وحاضر تهرب من "دوشته" بوصلة هادئة من المزيكا؟ أن تعيش في "قوقعة" من السلام النفسي عمرها الافتراضي بضعة دقائق، وتأثيرها الفعال يتخطى ساعات من محاولات تهدئة اعصابك بالخروج أو الطعام أو مخاطبة البشر، أن تجد روحك ترفرف مع كل "نفس" يخرج من "بوق" الإحساس العالي، الممزوج بتركيبة غير مجدية وصفها بالكلمات من أنواع الموسيقى المختلفة تجمعت في جرعة سماعية واحدة. هدوء مصحوب بأمواج من الدوشة الموسيقية غريبة المعالم، تهدأ وتيرتها في آن، وتثور في آن آخر، وتجد نفسك تتقلب بين حركات رياحها اللحنية، وكأنك تائه في قارب معزول وحيدًا وسط بحر هائج، وترى العاصفة على طول البصر قادمة، ولا تحرك ساكنًا، بل تجدك دخلت في وصلة من "اليوجا" الداخلية، غير آبه بما يدور حولك، تعزلك "الهيدفون" عن الدنيا، وتسرحك مع موسيقاها، ربما تكون هذه مبالغة في الوصف ولو قليلًا أو "أفورة" في طريقة توصيف تلك الحالة التي ربما لامستني عندما جربت الاستماع إلى تراكات إبراهيم معلوف لأول وهلة، رغم عدم خبرتي الواسعة بتاريخه الحافل في عالم المزيكا والذي يطول سرده في سطور عدة لا جدوى من إطالتها، فيكفي فقط تجربة الدخول في سرداب عالمه الخاص، وأخذ جرعة "أوفر دوز" من تراكاته. بداية من "ريد أند بلاك لايت"، مرورًا بنفس عميق من دخان مزيكا "حشيش"، واسرح قليلًا مع "ضياع" وعمق حالة "ظلال" بلمسات الهمهمة وأنفاس الترومبيت الساحرة المرافقة لدقات مزيكا أشبه ما تكون لدقات قلب يرتعش في محاولة للهروب من ذكريات ألم تطارده، مع بصمات أقرب ما تكون لأجواء الزار، تجعلك تذوب في خيالك إلى أبعد جزيرة نائية وسط "هيجان" بحر روحك، ومن ثم خذ ما تبقى من شتات فكرك في "لفة" من شعور الحنين ربما مع "دخلة" تراك "بيروت"، والذي سيجبرك على إعادته عدة مرات دون ملل، وستتفاجأ بالريتم المتصاعد فجأة في الموسيقى مع آخر ثواني من عمر المقطوعة، والتي ربما تجعلك تنتفض من مكانك من هول الاندماج معها، وصولًا إلى رائعة مقطوعة "ألف ليلة وليلة" وجولة طويلة في ذكريات الزمن الجميل، مع ألبوم "كلثوم"، وعش سحر كوكب الشرق بطريقة موسيقية مختلفة عن المعتاد، وصلة ولا أروع من التراكات بين أكثر من 7 ألبومات مختلفة، وعشرات المقطوعات، ستجد بالتأكيد ما يتناسب مع مودك الحالي، وما يعبر عن "تشتت" عاطفتك ومتاهة أفكارك، بين "اللعبكة" النفسية ومحاولات الاستقرار الداخلي، والهروب ولو مجرد "لحظي" من زحام الحياة ومشاغلها إلى مكانك الانعزالي الخاص. إبراهيم معلوف، ساحر الترومبيت العالمي ذو الأصول العربية، لمع نجمه متفردًا في سماء المزيكا المزدحمة بالنجوم، بأخذه درب عزف البوق الترومبيت الشرقية ذات "الربع تون"، باحترافية ليس لها مثيل، ومزج حالتها بتركيبات موسيقية غير مألوفة، لتخرج للنور تجربة موسيقية غير اعتيادية حفرت اسمه سريعًا في "مسامع" متذوقي المزيكا حول العالم، ترعرع مع عائلة فنية بامتياز، شرب من نهل عشق والده نسيم معلوف للبوق، والمخترع لفكرة "الكوارتيت ترومبيت" أو "بوق لهجة الربع" في الستينات، والتي تخلق مقامات شرقية ومختلفة عبر نفحات البوق، ووالدته عازفة البيانو ندى معلوف، وحفيد الموسيقي والشاعر رشدي معلوف، نشأ من الصغر على شغف الكلاسيكيات الموسيقية والقدرة على الارتجال خارج حدود المألوف، أدهش الجمهور لأول مرة بأدائه "سكند كونشيرتو" الأصعب موسيقيًا لباخ عبر عزف البوق، وهو في سن الخامسة عشرة، وانشغاله بجولات فنية مع والده، حتى قرر تدريجيًا التخلي عن مجال دراسته العادية بالعلوم والرياضيات، والتعمق أكثر في المزيكا واتخاذها "كارير" مستقل بشكل جدي، وبالفعل سرعان ما أصبح "قامة" استثنائية أسرت آذان الجمهور الفرنسي أولًا ومنه إلى أنحاء العالم، حصد العديد من الجوائز التقديرية في أكثر من15 مسابقة دولية، بين المجر والولايات المتحدة، وفرنسا والدنمارك، واستحق عدة ألقاب عالمية آخرها "الفنان العامل على الحوار بين الثقافة العربية الغربية"، وتمثيله الرسمي لفرنسا في الحدث الدولي السنوي للبوق. كسرت ألبوماته أرقام المبيعات في باريس، ومنذ 2007 وحتى الآن، بمعدل تقريبي ألبوم كل عام أو عامين، يطل معلوف على الساحة الجماهيرية العالمية برائعة جديدة من "ليستة" مقطوعاته، بداية من ألبوم "دياسبوراس"، و"دياكرونيزم"، و"تشخيص"، مرورًا ب"أوهام"، و"رياح"، وحتى الرائعة الأكثر تفردًا في ألبومه الأجدد "ريد أند بلاك لايت" الصادر العام الماضي في نفس توقيت إطلاقه لتجربة ألبوم "كلثوم"، والمهداة تراكاته الموسيقية لإحياء ذكرى كوكب الشرق على طريقته العزفية الساحرة، وضع معلوف بصمته تقريبًا في معظم دول العالم الغربي بجولاته المستمرة وحفلاته والتي ربما يرتكز أغلبها في فرنسا وأنحاء أوروبا، ووصل صدى تعاوذه الموسيقية إلى "أسر" قلوب الآذان العربية في الوطن العربي، ممن لم ينالوا قسطهم الكافي من زياراته الحية في البلدان العربية، وخاصة مصر، والتي لم تطأ أقدامه ولا أنفاس البوق خاصته ام الدنيا حتى الآن، ليضع الجمهور المصري في حالة اشتياق لفرصة حضور إحدى "زاراته" الموسيقية "لايف"، في تجربة وصفت على حد وصفهم "بالحلم". ويبدو أن أحلام الموسيقى الخيالية "ربما" من منظور المتذوق المصري باتت في التحقق تدريجيًا مؤخرًا، فبعد تحقيق حلم حضور الأسطورة "ياني" إلى مصر لأول مرة نهاية العام الماضي ومزج سحره بروعة التاريخ في سفح الأهرامات في حفلة اعتبرت "تاريخية"، انطلقت من بعده حملات ودعوات متتالية اجتاحت دنيا السوشيال ميديا، مفادها "جيبوا إبراهيم معلوف لمصر"، لتنتشر كالنار في الهشيم وتحصد الآلاف من المطالبات المستمرة لتحقيق ثاني أحلام المصريين الموسيقية بفرصة سماع "معلوف" بشكل حي، وذلك ما تحقق بالفعل منذ أيام، في مفاجأة لم تكن على البال، بإعلان خبر قدومه "بحق وحقيقي" إلى ام الدنيا لأول مرة، في زيارة خاطفة بشهر مارس المقبل. المفاجأة التي نشرت حالة من "الهياج" الجماهيري في العالم الافتراضي فور إعلانها، بين "اللي مش مصدق إنه جاي"، وبين "المتلهف لحضور الحلم"، تبنتها شركة صوت للإدارة والإنتاج الفني والتي ستتولى في الوقت الحالي إدارة اعمال معلوف في مصر والعالم العربي، صوت التي قدمت للجمهور المصري العديد من النماذج الموسيقية العربية الاستثنائية مثل سعاد ماسي ولينا شماميان وريم بنا وغالية بن علي وايجيبشان بروجكت وأخيرًا كايرو ستبس، ستخوض هذه المرة مغامرة من العيار الثقيل، بتولي إحياء حفلة الحلم الكبرى الأولى من نوعها لمعلوف في أم الدنيا، في زيارة لن تكون عادية، حيث ينوي معلوف الإطلالة لأول مرة بمشروعه الموسيقي الجديد "ريد أند بلاك لايت" عبر "شو" احتفالي ضخم، من حيث الرؤية والتجهيزات السمعية والبصرية وحتى فريق العمل من العازفين ممن يتخطى عدد الباند أكثر من 20 عازف، تجربة تحدد موعدها الرسمي والمقررة مساء 19 مارس المقبل، ولم يتحدد بعد تفاصيل مكانها، والتي يحلم عشاق سحر البوق بمصر أن تتجسد تلك التجربة التي لا تعوض في نفس المكان الذي استقبل "ياني"، وسط روعة الأهرامات، ربما تكون هذه الفكرة محض "آمال" لم يتم إعلان تحقيقها بعد، ولكن يكفي تخيل فكرة "سماع" تعاويذ بوق معلوف لايف وسط سحر التاريخ الأصيل، لكن المؤكد والمفروغ منه، أنه أيًا كان المكان الذي سيتم استقبال فيه إطلالة معلوف ستجد فيضانًا من الجماهير يتسابقون على حجز مكان في حضرته، فيكفي أن حالة الاندهاش مازالت تعلو أذهان الجمهور المصري منذ إعلان نبأ قدومه، واختصارها في جملة "إيه ده بجد معلوف جاي مصر؟.. ولقد هرمنا من أجل هذه اللحظة".