لن تحمل هذه السطور لقارئها تحليلا منمقا أو معمقا، رافضا أو مؤيدا لحالة النشوة والانتصار التي عاشها أعضاء مجلس النواب في أعقاب رفض قانون الخدمة المدنية ، فقد شهدت مضابط تلك الجلسة التاريخية ما يستحق أن يروي دون تدخل. كانت التحركات السرية والتربيطات غير المعلنة سمة هذا الصباح فشهد البهو الفرعوني– صالون استقبال النواب – توزيع منشورات تؤيد القانون نسبت لحزب المصريين الأحرار على طريقة ممارسة العمل السياسي في الجامعة، ورسائل إلكترونية موقعة باسم اللواء رفعت أبو القمصان مستشار رئيس الوزراء تحذر من عواقب رفضه وأخرى مجهلة، حاول رموز الرافضين مواجهتها بالحوار المباشر ومقارعة الحجة بالحجة. في الجلسة الأولى.. يبدو أن كثير من النواب قد تسرب إليهم مخاوف من تصاعد هجوم الصحافة على أداء المجلس، وربما اغتيال شرعيته لدى الشارع حال إقرار قانون الخدمة المدنية، فبادر النائب مرتضى منصور بطالب الكلمة واتهم الدكتور على عبدالعال بغض الطرف عن إهانة المجلس وعدم الذود عن كرامته أمام من وصفوه من الكتاب بمجلس الحشاشين والمجانين وطالب بتعديل فى اللائحة يحق بمقتضاه لكل عضو من أعضاء البرلمان تحريك الدعوة الجنائية ضد من يسيء إلى البرلمان فصفق له النواب رغم تحفظ الكثير منهم على أدائه، ولم يثن هذا الإجماع رئيس المجلس عن تذكير النواب بقسمهم على احترام الدستور والقانون الذى كفل للصحافة الرقابة على أداء البرلمان. في جلسة المساء.. كنت هناك في شرفة مجلس النواب مع زملائي المحررين البرلمانيين نترقب ماذا سيحدث!.. حين جاءت لحظة الحسم وأذن لمقرر لجنة القوى العاملة النائب هشام مجدي بعرض ما انتهت إليه اللجنة من رأي فأعلن الرفض بالإجماع حينها ضجت القاعة بتصفيق النواب. كادت الأزمة أن تحدث مبكرا حين رفض أغلبية النواب طلب رئيس المجلس السماح بالدخول للدكتور أشرف العربي وزير التخطيط ومستشاريه، إلى أن عاود تذكيرهم بأن اللائحة تنص على حق الحكومة في الحضور والاستئذان احتراما لهيبة المجلس، وهنا تخلف وزير التخطيط الذي استشعر غضب النواب تجاهه وحضر مستشاروه وتحمل المستشار مجدي العجاتي وزير الدولة للشؤون القانونية مشقة الدفاع عن وجهة نظر الحكومة. نظرات أعين رئيس المجلس وطريقة إدارته للجلسة كانت تقول إنه في مأزق لا يحسد عليه، لا يعرف كيف يفرغ كل شحنات الغضب التي أكنها النواب في صدورهم دون أن يحرج الحكومة، تخلى عن معيار الأسبقية فى طلب الكلمة قبل الجلسة وحاول أن يتيح الفرصة لمؤيد ومعارض، أتاح أكثر من فرصة للحكومة التي بدت متمسكة بوجهة نظرها في أول الجلسة ثم تنازلت رويدا رويدا أمام غضب النواب حين اقترح الوزير العجالي تشكيل لجنة مشتركة لتعديل بعض المواد ثم أعلن موافقة رئيس الحكومة على التعديل من طرف واحد، فشلت كل المغريات فى اقناع النواب وهدد الوزير بالانسحاب من الجلسة بعد أن قاطعه النواب ثم كشر عن أنياب الحكومة معلنا تعثر حصول العاملين بالدولة على رواتبهم حال إسقاط القانون فرد النواب: هذه مشكلة الحكومة واللي حضر العفريت يصرفه. من بين كل مداخلات النواب الرافضة والمتمردة كان صمت زعيم الأغلبية اللواء سامح سيف اليزل مريب وهنا وجه النائب عبد الرحيم علي حديثه لرئيس البرلمان بعد أن حذر من استغلال موافقة البرلمان على هذا القانون في إشعال غضب الشارع في ذكرى 25 يناير قائلا: نريد أن نسمع رأي زعيم الأغلبية وهنا لم يدرك اليزل أنه أمام اختبار حقيقي فتورط في إعلان موافقة ائتلاف دعم مصر على قانون الخدمة. نفذت كل أوراق رئيس المجلس في محاولة تأجيل التصويت على القانون لحين تخفيف الاحتقان الذي ملأ أرجاء القاعة فأفسح المجال لغريمه القانوني المستشار سري صيام ولسان حاله يقول أريد حلا؛ تحدث صيام وسكت الجميع إلى أن أبدى رأيه مؤيدا لاقتراح الحكومة ثأر الجميع عليه وأسكتوه عنوة. أغلق عبدالعال باب المناقشة وعلى غير الأعراف البرلمانية قرر التصويت على الموافقة مع إجراء التعديلات دون جدوى ثم فتح باب التصويت على رفض القانون فكانت الغلبة لصوت النواب الذين نقلوا نبض الشارع للبرلمان ولم يستطع رئيس المجلس السيطرة على فرحة النواب ولملم ممثلو الحكومة أوراقهم وخرجوا في صمت وكأن على رؤوسهم الطير ليسدل الستار عن أول معركة ينتصر فيها نواب الشعب للشعب وتسقط الحكومة في أول تحد لها تحت قبة البرلمان.