لا شك أن مصر لديها من الكفاءات الكثير، هناك من هاجر خارج مصر بالفعل، وهناك من هو ما زال صامدًا يبحث عن فرصة، ليقدم فيها لوطنه حصيلة خبرته وكفاءته، لديه أمل وطموح أن يشارك فى بناء منظومة وطنية عالية الكفاءة، لكن للأسف قد تتأخر الفرصة أو ربما لا تأتى نهائيا، فإذا كانت الكفاءات فى مكانها الصحيح، لأصبحت مصر بالفعل فى قوام الدول المتقدمة على مستوى العالم، لأن لديها من الإمكانيات التى تؤهلها لذلك، ولكن للأسف غير مستغلة. إذا تركنا الكلمة للأرقام والإحصائيات، سنجد أن أكثر من ثلث الكفاءات العلمية انتقل من إفريقيا إلى أوروبا، فى عقد الثمانينيات من القرن الماضى، وأن كنداوالولاياتالمتحدةالأمريكية هما أكثر الدول انفتاحًا وقبولًا، بل واستيعابًا لتلك العقول والكفاءات العربية بصفة عامة، فما بين عامي«1990،1960» هاجر آلاف من المبدعين والمخترعين والمكتشفين والعقول النيرة الواعدة. وبالاستناد إلى «أنطوان زحلان» وهو أبرز المتابعين والموثقين لموضوع هجرة الكفاءات العربية منذ الستينيات، نجد أن الرقم وصل إلى حوالى سبعين ألفًا من أصل 300 ألف لمن هم حملة البكالوريوس والماجستير من العرب فى عام «1995-1996» وحده، وصل عدد المهاجرين من الأطباء العرب عام 2000 فقط 16 ألفًا.. ووفقًا لإحصائيات «زحلان» يبلغ عدد حملة الدكتوراه العرب فى الخارج 150 ألفًا، أى ما يعادل ربع حملة الدكتوراه فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وثلاثة أرباع حملة الدكتوراه من العرب، أما أصحاب المهن الطبية الذين هاجروا إلى أوروبا، فقد فاقوا خمسة عشر ألفًا عام 2000، وإذا أخذنا فى الاعتبار عدد الطلاب الذين يدرسون بالخارج، وغالبًا لا يعودون لأوطانهم، لأمكننا تقدير حجم الخسارة الكبيرة للكفاءات العربية حوالى 179 ألف طالب عام 1996، يؤدون دراساتهم بالخارج. ووفقًا للإحصائيات، فإن مصر تأتى فى مقدمة الدول التى تصدر الكفاءات تليها لبنان وفلسطين والأردن، وتحديدًا أكثر من مليون وربع المليون عالم عربى موجودون بالخارج بينهم 800 ألف مصرى، الخسارة إذن كبيرة معنوية ومادية أيضًا، فإذا تتبعنا التحويلات التى تصل للعالم العربى وجدنا، أنها تصل إلى 25.2 مليار دولار عام 2006 من أصل 200 مليار دولار سنويًا. إذن الخسارة مادية ومعنوية والسؤال الآن: هل من الممكن أن تعود الكفاءات المهاجرة لأرض الوطن؟ حدث ذلك فى الكثير من الدول التى استطاعت استقطاب الكفاءات مرة أخرى، من خلال خلق مشروع قومى يشاركون فيه، يسهم فى النهوض بالوطن، ولا ننسى فترة أواخر الخمسينات، وبداية الستينيات، فقد كانت هناك محاولة جادة لبناء مؤسسة بحثية علمية فى مصر، ساهمت فيها الكفاءات المصرية بإخلاص رغم صعوبة الظروف، وفشلت التجربة نظرًا للظروف الاقتصادية والسياسية التى مرت بها مصر فى هذه المرحلة.