تمثل ظاهرة هجرة العقول العربية إلى الخارج خاصة الولاياتالمتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية هاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء، ففي كل يوم جديد تزداد معاناة العالم العربي من هجرة لعقول وكفايات وخبرات شابة فضلاً عن تلك الخبرات والكفايات التي هاجرت منذ عقود واستقرت في دول الغرب، وراحت ثمراتها وجهودها ابتغاء حضارة الغرب ومدنيته.
وتتمخّض عن هجرة العقول العربية إلى الخارج آثار سلبية كثيرة، أبرزها حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات، وهو ما ينعكس سلباً على الاقتصاد، والتركيبة السكانية والقوى البشرية، فوفقاً لتقرير حديث أعدّته جامعة الدول العربية مؤخرا، حذّرت فيه من تنامي هذه الظاهرة، حيث يقدّر تعداد العلماء والأطباء والمهندسين من ذوي الكفاءات العالية من العرب، والذين يعيشون خارج أوطانهم ب450 ألفاً.
كما كشفت دراسة صادرة عن مركز "الخليج للدراسات الإستراتيجية" أن حوالي 70 ألف من خريجي الجامعات العرب يهاجرون سنوياً للبحث عن فرص عمل في الخارج، وأن نسبة 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى أوطانهم بعد انتهاء سنوات دراستهم.
ووفقاً للإحصاءات فإن الوطن العربي يسهم ب 31% من هجرة الكفاءات من الدول النامية، حيث يهاجر 50% من الأطباء و23 من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية متوجهين إلى أوروبا والولاياتالمتحدة وكندا بوجه خاص.
وأرجعت الدراسة أسباب هجرة العقول العربية للخارج إلى عوامل عدة وأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية، تؤثر في تطور الاقتصاد القومي العربي وفي الترتيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية، وتكتسب هذه الظاهرة أهمية في ظل عدم توفير البيئة المناسبة للسيطرة التامة على الكفاءات في أي قطر عربي مما نتج عنه تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة.
وذلك بسبب عدم الاهتمام بتطوير البحث العلمي وتحديث مناهج التعليم ثم ضيق الحريات الفردية والجماعية وانخفاض مستويات الدخل وعدم كفاية المردود المادي لحياة لائقة، بالإضافة إلى جاذبية الوسط العلمي وتوفير معامل البحث العلمي وفرص البحث المرتبطة بها في البلدان المتقدمة، وضعف عملية التنمية في بلدانهم وعجزها عن استيعاب الطاقات المنتجة ذات الكفاءة العالية، وما ينتج عن ذلك من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي والمشكلات التي تعاني منها عملية التطور.
وفي استطلاع أجرته شبكة الإعلام العربية "محيط " حول تأييد القراء لهجرة العقول العربية للخارج في وقت سابق، جاءت نسبة المعارضين 55.46 %، في مقابل نسبة المؤيدين التي بلغت 21.02 %، بينما أيد 23.51 % من القراء هجرة العقول العربية إلي الخارج في حالة الضرورة فقط.
أشار تقرير عن التنمية البشرية العربية إلى أن أمام الدول العربية المصدرة للمواهب حالياً فرصة مؤاتية لتطبيق سياسات محفّزة تهدف إلى تغيير اتجاه هجرة العقول، وأوضح التقرير الصادر عن قسم الابحاث في «تالنت ريبابلك دوت نت» (TalentRepublic.net) أنه ينبغي على الدول العربية المصدرة للكفاءات مثل مصر ولبنان وسوريا والأردن وضع تدابير استباقية لخلق فرص العمل والاستثمار في الداخل، الأمر الذي من شأنه أن يستقطب الكفاءات الشابة المحلية والمهاجرة، التي يمكن ان تسهم معارفهم وخبراتهم وعلاقاتهم ورساميلهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول.
وبحسب دراسة صادرة عن إدارة السياسات السكانية والهجرة في الجامعة العربية فإن وقف الهجرة الواسعة النطاق لرأس المال البشري من شأنه أن يوفر على الدول العربية المصدرة للكفاءات حوالي 1.57 مليار دولار سنوياً.
ووفقاً لإحصائيات صادرة عن جامعة الدول العربية ومنظمة العمل الدولية ومنظمة «اليونيسكو» والمؤسسات العربية والدولية الأخرى، فإن حوالي 100ألف عالم وطبيب ومهندس يغادرون لبنان وسوريا والعراق والأردن ومصر وتونس والمغرب والجزائر سنوياً، 70% منهم لا يعودون إلى بلدانهم الأم.
كما سلط التقرير الضوء على الحاجة إلى إنشاء شبكات اتصال قوية مع الجاليات في الخارج، الأمر الذي من شأنه أن يسمح لمختلف الحكومات العربية بالترويج لسياساتها التحفيزية الجديدة، ويثبت لأكبر عدد من المغتربين أن هنالك العديد من الفرص المجزية داخل بلدانهم الأصلية.
وأوضح التقرير أنه يمكن لمثل هذه الإجراءات الاستباقية، وبخاصة تلك التي تستهدف الأفراد من ذوي المهارات العالمية وكذلك رجال الأعمال الناجحين ممن يمكنهم المساعدة على خلق فرص عمل في بلدانهم، أن تسهم في مضاعفة الدخل القومي وتوطيد دعائم الاقتصاد، بل مساعدة هذه الدول على اللحاق بركب أسواق العمل الدولية المستقرة.
ووفقاً لتقرير "تالنت ريبابلك دوت نت" فإن الحل لاستعادة هذه الكفاءات يكمن في ضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، حيث يمكن للحكومات تقديم بعض الحوافز لوقف هجرة العقول واستقطاب الكفاءات المهاجرة مثل تنظيم وتبسيط عملية إنشاء الشركات والمحافظ الاستثمارية ورعاية المشاريع الصناعية وتوفير قوانين الاستثمار السهلة وتحسين مستويات المعيشة والخدمات العامة وتأسيس نظام ملائم للمعاشات التقاعدية والأجور وتحسين الإجراءات الأمنية والاستثمار في البنية التحتية ومشاريع التطوير العقاري.