إنه شعار جيد ومناسب للمرحلة، وحرى بالسعودى أن يعتمده وهو يلج غمار أهم صراع وجودى يواجهه. مشكلة الشعار أن جورج بوش الابن استخدمه إثر اعتداءات 11 «سبتمبر» ضد بلاده، فاشتهر به، رغم أنه لم يكن أول من قاله، وقف فى الكونجرس يلقى خطابه التاريخى لحشد تأييد شعبه حوله، يجهزهم للمضى خلفه لينتقم من أسامة بن لادن أو الإسلام السياسى، أو حتى الإسلام. أعتقد أن بوش لم يكن يعرف الفرق بينهما فى ذلك اليوم، فى الحقيقة لم يقله بتلك الصورة فى العنوان، وإنما كان أكثر تحديدًا، إذ قال يخاطب العالم «إما أن تكونوا معنا أو أنتم مع الإرهابيين». وجد العالم صعوبة فى قبول هذا الاختيار الضيق الذى قدمه بوش. الفرنسيون توترت علاقتهم بالولايات المتحدة بعدها، وتبين لاحقًا أن الحق معهم، فبوش ارتكب أخطاء كارثية، ويمكن لومه الآن على كوارث عدة، ابتداء من الأزمة الاقتصادية التى بدأت فى بلاده وامتدت إلى العالم، إلى حال الشرق الأوسط المنهار اليوم عندما أسقط العراق بيد إيران، وأشعل لهيب «القاعدة» المفضى إلى «داعش». أخطاء بوش لا تلغى وجاهة منطق «إما أن تكون معى وإلا فأنت ضدي» إنها «حالة ولاء وبراء» سياسية ضرورية فى زمن المواجهات المصيرية الكبرى التى بها «نكون أو لا نكون» مثلما يجرى حاليًا فى المنطقة. إنها مواجهة كبرى بين مشروع إيرانى طائفى ومشروع شعوب حرة، وليس صراعًا بين السعودية وإيران، ولا بين سنّة وشيعة، وإنما بين الحق فى الحرية والاختيار، أو الرضوخ تحت نظام «الولى الفقيه»، ولكنها رؤية غير مجمع عليها بعد، بل إن بعض حلفاء المملكة غير مقتنعين بها، هم معها ضد إيران، ولكنهم ليسوا ضد «المشروع الإيراني» لأنهم لا يرونه كذلك بعد. إنه ليس صراع حدود، ولا على حقول نفطية أو غاز، ليته كان كذلك، لأتينا بالخرائط وجيش المحامين وخبراء التحكيم لحسم المعركة لأحدنا، ولا صراع نفوذ، فما الذى يعنيه نفوذ سعودى فى اليمن أو نفوذ إيرانى فى سوريا؟ لا يوجد فى علم السياسة «نفوذ» يستحق الموت لأجله، والإيرانيون مستعدون للموت والقتل فى سورياوالعراقولبنان، ولو سمح لهم لكانت اليمن ساحة رابعة لآلة موتهم، وإن كان الحوثيون ينوبون عنهم باقتدار قبيح، فلماذا يموت الإيرانيون ويقتلون أهلنا فى عالمنا؟ إنهم يفعلون ذلك لأن لديهم «مشروعًا توسعيًا» وحان الوقت لأن نقنع حلفاءنا بذلك. ما حصل الأسبوع الماضى ليس مجرد اعتداء على سفارة يمكن إصلاحه باعتذار، هو أعظم من قطع علاقات دبلوماسية، إنه قشة قصمت ظهر علاقات سيئة، وكشفت عن حجم الغضب السعودى الكامن من السياسة العدوانية الإيرانية، كما وصفها وزير الخارجية السعودى عادل الجبير. لم تتحرك الرياض لتشكيل تحالف إسلامى عسكرى، ولا رممت علاقاتها مع كل طرف إسلامى وعربى قادر، لأنها تريد دعمهم حتى تحسّن إيران خطابها الإعلامى أو تتعهد بعدم الاعتداء على سفارتها مرة أخرى. إنها ضد مشروع ومخطط وتريد من بقية المسلمين أن يصطفوا معها ضدهما. الدبلوماسية السعودية الحصيفة لن تقول عبارة «إن لم تكونوا معنا فأنتم ضدنا»، ولكن أرجو أن تجعلها مقياسًا نعرف به من هو معنا ومن هو ضدنا. لكل الدول حساباتها ومصالحها وظروفها الداخلية، ولكن فى المعارك الكبرى لا تُقبل المواقف الرمادية. ولكن من الجيد أن توضح المملكة بعبارات صريحة ما يسمونه «نهاية اللعبة» التى تريد، وأحسب أن عادل الجبير ما فتئ يوضحها خلال مؤتمراته الصحفية وتعليقاته لوكالات الأنباء، وسأتطوع بفعل ذلك مستفيدًا من تصريحاته وسلفه الراحل الأمير سعود الفيصل «المملكة لا تريد ولن تسمح بأن يكون لإيران موطئ قدم فى الدول العربية، وبخاصة المحيطة بها، فى شكل حزب سياسى موالٍ لها، أو ميليشيا مسلحة، ولا قاعدة عسكرية، وبالتأكيد سترفض قيام حكومة عميلة تابعة لها مثل تلك التى خطط لها الحوثيون فى اليمن، أو التى سيكون عليها نظام بشار الأسد فيما لو انتصر فى سوريا، ولكنها لن تمانع فى علاقات صداقة عادية، كأن تمول إيران وتتبرع بمستشفى أو مدرسة أو طريق، كما تفعل أية دولة متحضرة، وعبر الأجهزة الرسمية القائمة فى ذلك البلد، أى تأتى البيوت من أبوابها، لا عبر أحزاب وأفراد يتبعون وليّها وفقيهها». أجزم بأن كل الدول العربية والإسلامية تتفق مع الرؤية السابقة، لذلك يجب أن تدعم السعودية، وهى تحارب اليوم من أجل كل الأمة، فبقدر ما أن المملكة متضررة من «سورياالإيرانية» فإن تركيا ومصر والأردن لا تقل تضررًا، لذلك يجب أن تصطف بوضوح مع المملكة. أصدقاؤنا من حولنا يقولون إنهم لا يريدون صراعًا طائفيًا، لقد تأخر الوقت، نحن جميعًا فى خضم هذا الصراع، ليس باختيارنا ولا رغباتنا، فقد دفعتنا إيران إليه، هى لا تتحدث بطائفية، ولكنها تقاتل وتقتل وتمارس السياسة بطائفية. انظروا إلى الخريطة، وتأملوا أين ومع من تقاتل إيران؟ فى سوريا تحارب ضد الشعب السورى منذ اليوم الأول للثورة، إنها ضد الحرية ومع طاغية، لماذا؟ وفى اليمن موّلت الحوثيين ودربتهم دون أى حزب آخر، لماذا؟ فى لبنانوالعراق لا تجدهم مصطفين مع أى حزب أو تيار أو ميليشيا غير المحسوب عليها طائفيًا، لأجل مشروعها تموت الحرية والديموقراطية وكل القيم والحقوق، إيران مستعدة أن تقبل بتطهير عرقى فى الزبدانى، ومحاصرة 40 ألف إنسان ليموتوا جوعًا فى مضايا، وقصف مستشفى فى تعز مع تجويعها هى الأخرى، فمصلحة المشروع الطائفى هى التى تحرك السياسة الإيرانية وليس أى شيء آخر. الأصل فى مصلحة إيران الدولة، أن تكون علاقاتها جيدة مع جيرانها، «صفر مشكلات» مثلما كان الأتراك يتمنون قبيل انفجار الثورة السورية، وهو الموقف الصحيح للبناء الداخلى، ولكنها ليست إيران الوطنية التى تفكر فى طهران، وإنما إيران الأصولية، والأصوليات دومًا ضيقة الأفق، تنظر بعقلية الأسود والأبيض، لنقل إن الذى يصطدم الآن ليس الشيعة والسنّة، وإنما الأصولية الشيعية ضد أصولية سنية متعصبة يمثلها «داعش». نحن فى السعودية نعانى من الاثنين، وكلاهما كان هدف سيف العقاب السعودى فى 2 يناير الجارى بإعدام 47 مدانًا بالإرهاب. لا نواجه إيران لأننا أصوليون مثلها، بل لأنها توسعية عدوانية، أما إيران الوطنية وغير الموجودة حاليًا فهى ما نأمل أن تعود إليه، وحينها يمكن أن تكون حتى شريكة للمملكة. نحن نعيش أجواء أوروبا 1939، عندما غزا هتلر بولندا، بدا وكأن السيل النازى بلغ الزبى، ولم يعد هناك مجال للصبر لدى أوروبا التى تريد أن تبقى حرة. من اتخذ قرار الحرب لم يردها بالتأكيد، ولكنه أيضًا لا يريد أن يكون الضحية الثالثة أو الرابعة لهتلر، الذى انفتحت شهيته لابتلاع أوروبا ونشر مشروعه الفاشى، لم تكن كل أوروبا مع بريطانيا وفرنسا فى قرارهما الصعب بالمواجهة، لم يقولا لأحد «إن لم تكونوا معنا فأنتم ضدنا» ولكن فى النهاية اصطف العالم كله، إما فى صف الحرية وإما فى صف الفاشية. اليوم أمام العالم الإسلامى اختيار مماثل، فإما أن يختاروا الانتصار للحرية وحق المسلم فى الانقياد لرب رحيم بكامل حريته ووفق مذهبه واعتقاده، وإما أن نستسلم واحدًا تلو الآخر لولى فقيه فى طهران، يزعم أنه وحده يمثل الحق، ويتكلم باسم الله. فأى اختيار نريد؟ نقلًا عن «الحياة» اللندنية