تفاعلت الأحداث الساخنة التي أعقبت إعلان المملكة العربية السعودية تنفيذ حكم الإعدام في عدد من المتورطين في الإرهاب والتحريض على القتل وتقسيم البلاد ، وكان من بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر ، شديد التعصب والغلو ، وأحد الأذرع الإيرانية التي تم تكوينها العقلي والنفسي في محاضن قم ، والذي كان يدعو علنا للولاء والطاعة للولي الفقيه "إيران" وليس لقيادات الوطن الذي ينتمي إليه ، الإيرانيون فوجئوا بالقرار السعودي ، وكانوا يتصورون أنهم نجحوا بحملة التهديد والترهيب التي سوقوها قبل أشهر عن طريق بيانات مباشرة من القادة الإيرانيين أو وكلائهم في المنطقة ، وخاصة حزب الله اللبناني ، الذي يتصرف بوصفه جزءا لا يتجزأ من المصالح الإيرانية سياسيا وعسكريا ، بخلاف الميليشيات الطائفية العراقية الموحولة في الدم طوال السنوات السابقة ، كانت إيران تتصور أنها أرعبت المملكة ووضعتها في مأزق ، وأن تكاليف إعدام نمر النمر لن تتحملها ، ومن ثم كان رد الفعل على التنفيذ المفاجئ أقرب للهستيريا ، ليس لمجرد موت شخص ، أيا كان ، وإنما لموت هيبتها كدولة إقليمية كبيرة كانت تتصور أنها فرضت إرادتها وقرارها كشرطي معتمد دوليا في الخليج ومهيمن على القرار في أكثر من عاصمة عربية في المنطقة العربية من العراقلسوريا للبنان لليمن ، بخلاف قدرتها على تحريك القلاقل في البحرين وشرق السعودية ، القرار السعودي كشف عجز إيران وقلة حيلتها ، وهذا ما تسبب في العصبية الشديدة لردة الفعل ، والسماح لبعض رجال الحرس الثوري بترتيب هجمات للبلطجية والشبيحة على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد ، وحرقها ونهبها ، في مشهد لا يمكن تصور نسبته لدولة وإنما لمليشيات وعصابات . السعودية قررت قطع العلاقات مع إيران ، ردا على هذه الاعتداءات ، وطردت السفير ، كما سحبت كامل أعضاء بعثتها الديبلوماسية ، وبعدها قررت البحرين الأمر نفسه ، وطردت السفير ، وبعدها قررت السودان الأمر نفسه وطردت السفير ، وبعدها قررت الإمارات تخفيض بعثتها إلى حدها الأدنى والطلب من الجانب الإيراني الأمر نفسه فيما يمثل تمهيدا لإمكانية قطع العلاقات ، والساعات المقبلة قد تشهد مزيدا من الإجراءات الخليجية والعربية ضد إيران . هذه التطورات تزيد من ورطة إيران ، وتدخلها في نفق مسدود ، وتجعلها محاصرة سياسيا وديبلوماسيا من دول المنطقة ، كما أنها بمحاولتها تحريك رجالها في الخليج لإثارة قلاقل قد تفتح الطريق أمام تحركات خليجية مقابلة ، بدأت في الظهور فعليا ، في دعم حركة تحرير الأحواز العربية في إيران ، والتي تقاتل الآن لاستعادة تلك الإمارة العربية التاريخية التي استولت عليها إيران مطلع القرن الماضي وغيرت لغتها وثقافتها قسريا ، واللافت أن إيران التي تدعي رعاية التشيع في كل مكان ، تضطهد عرب الأحواز الشيعة ، الذين يطالبون بإحياء اللغة العربية والاعتراف بهويتهم الثقافية العربية ، بما يكشف البعد القومي العنصري والفارسي في السلوك الإيراني ، الذي لا يقبل حتى الآن أن يسمى أحد الخليج بالعربي ، وإنما بالفارسي ؟!. نمر النمر مواطن سعودي ، ولكن إيران تتعامل مع قضيته باعتباره مواطنا إيرانيا ، أو أحد أدواتها ، ولذلك تصرفت بصورة خارجة على أي تقاليد ديبلوماسية ، وتلك هي الأزمة دائما مع التمدد الإيراني في المنطقة ، فإيران تمتطي جواد المذهبية والطائفية لتؤسس لها بؤر نفوذ طائفي مصطنعة تلعب بها مخابراتها ، وتستخدمها لتوسعة المصالح القومية الإيرانية ونفوذها الدولي والإقليمي ، ولذلك تخصص مئات الملايين من الدولارات سنويا لحزب الله اللبناني ، وترسل له مختلف أنواع الأسلحة ، كما تنفق على الحوثيين في اليمن وترسل لهم السلاح ، كما أرسلت شحنات سلاح وذخيرة إلى الكويت مؤخرا وتم ضبطها وأخرى إلى البحرين وتم ضبطها وأخرى للسعودية وتم ضبطها ، كما أرسلت شحنات سلاح إلى المجموعات التابعة لها في نيجيريا ووقعت مواجهات مسلحة هناك الشهر الماضي راح ضحيتها العشرات ، وأما ما تفعله في سوريا فهو أقرب للاحتلال الكامل ، حيث لم تكتف بإرسال السلاح والذخيرة وعشرات المليارات التي أنفقتها لوأد ثورة الشعب السوري ضد حكم "الطائفة" ، وإنما اضطرت إلى إرسال جيشها وحرسها الثوري إلى هناك ليخوض معارك وحشية ضد الشعب السوري دعما لنظام دكتاتوري دموي بشع ، لمجرد أنه من "أبناء الطائفة" ويحمي مصالحها ، ومن "بركات" الثورة السورية أنها فضحت تلاعب إيران بمشاعر المسلمين بقضية القدس وتأسيسها جيشا باسم "فيلق القدس" لم يطلق رصاصة واحدة منذ تأسيسه قبل حوالي خمسة وثلاثين عاما ضد إسرائيل ولم يخض معركة واحدة من أجل القدس ، وكل معاركه كانت في العراق وفي سوريا ، وكل الدم الذي سفكه كان الدم العربي ، وهناك جهود إيرانية محمومة لصناعة بؤر طائفية في مختلف دول المنطقة مثل مصر وتونس والجزائر والسودان ، تتم رعايتها ودعمها من خلال الاستخبارات الإيرانية ، ويمولها رجال دين شيعة بارزون في بعض دول الخليج العربي. في تصوري أن الموقف السعودي الأخير هو تطور إيجابي ، أيا كانت دوافعه ، وسيصنع حاجزا ديبلوماسيا وسياسيا وأمنيا وثقافيا مهما ، يحمي دول المنطقة من التمددات الإيرانية ، ومحاولاتها للسيطرة والتقسيم الطائفي والعبث بأمن واستقرار شعوب المنطقة ، كما أن تلك الأحداث ستمثل فرزا حقيقيا للولاءات الوطنية في الخليج ، وتكشف عن "حقول ألغام" مبثوثة في النسيج الوطني ، آن الأوان لتطهيرها وحسم الولاء ، كل الولاء ، للوطن .