دعا مجموعة من الخبراء الدوليين والمسئولين الحكوميين والعديد من منظمات المجتمع المدني العالمي المعنية بالتنمية إلى دفع جهود منظمة الأممالمتحدة للعمل على وضع أهداف مكافحة الفساد وتكريس الحكم الرشيد والشفافية لتحتل الأولوية الأولى على أجندة أهداف الألفية الإنمائية الجديدة التي سوف تبدأ بعد عام 2015. وإدراكًا بأن الفساد يقوض فرص التنمية والأهداف الثمانية التي تم وضعها في قمة الألفية للأمم المتحدة في عام 2000، وهي: القضاء على الفقر والجوع، وتوفير التعليم الابتدائي للجميع، والمساواة بين الجنسين، وتقليص معدلات وفيات الأطفال ووفاة الأم أثناء الحمل والولادة، ومكافحة الأمراض، وضمان الاستدامة وتطوير شراكة عالمية للتنمية فقد عُقدَت داخل أروقة الأممالمتحدة في مدينة نيويورك حلقات نقاشية واجتماعات رفيعة المستوى أواخر الشهر الماضي، برئاسة رئيس البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية ومكتب الأممالمتحدة المعني بمكافحة الجريمة والمخدرات ، حيث أكد المشاركون أن هذه الأهداف الطموحة السابقة لم يرد معها أي ذكر حول مكافحة الفساد الذي أثبت أن له تأثيرًا سلبيًا هائلاً يعوق تحقيق هذه الأهداف. وتؤكد أبحاث منظمة الشفافية الدولية على سبيل المثال أنه في البلدان التي تنتشر بها ظاهرة الرشوة بشكل أكبر، تكون النساء عرضة للموت أثناء الحمل والولادة، ويكون عدد الأطفال في التعليم أقل، وذلك بغض النظر عن ما إذا كان هذا البلد غنيًا أم فقيرًا، حيث تذكر رئيس مجلس أمناء المنظمة، هوجيت لابييل، أن الأبحاث والدراسات أكدت وجود علاقة مباشرة بين الرشوة ووفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، فإحدى هذه الدراسات وجدت أن 30% من النساء يجب عليهن دفع الرشوة لتلقي المعاملة الطبية الجيدة، وتوفي 57 طفلا أثناء الولادة، بينما هناك 60% ممن يجب عليهن دفع هذه الرشوة، توفيت منهن 482 امرأة أثناء الحمل أو الولادة، ووجدت الأبحاث بالمثل علاقة مماثلة بين الرشوة والفشل في قطاع التعليم ومنع وصول الخدمات وسوء جودتها، بل وتوجيه الموارد من الفقراء إلى النخبة. ووفقًا لذلك تركزت التساؤلات الأساسية لحلقات النقاش في الإجابة على: هل ينبغي إدراج مكافة الفساد ضمن جدول أعمال التنمية العالمي بعد عام2015؟ وهل مكافحة الفساد تمثل هدفًا في حد ذاتها؟ وهل يمكن وضع إطار محدد ومعايير لقياس أهداف مكافحة الفساد؟ وأين تكمن المساءلة على المستوى الداخلي والدولي؟.. وتوصلت النقاشات إلى أن ثمة تأييد ساحق لإضافة أهداف مكافحة الفساد على جدول أعمال التنمية العالمي التالي، فهناك 1.3 مليون فرد شاركوا في عملية التشاورات العامة على مستوى العالم، وأكدواأن مسئولية وصدقية الحكومات تحتل المرتبة الثالثة على أجندة الأولويات بعد كل من التعليم والرعاية الصحية. ويقول المدير التنفيذي لمكتب الأمم لمكافحة الجريمة والمخدرات، يوري فيدونوف، “,”يجب علينا هنا من داخل الجمعية العامة في نيويورك أن نوضح أن الشفافية والمساءلة هي اللبنات الأولى لتحقيق نتائج ومخرجات التنمية المستدامة، وذلك بعد التقدم في تلك القضية منذ توقيع اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد منذ 10 سنوات، فهناك 168 دولة عضو بهذه الاتفاقية، جميعها تعهدت بمكافحة الفساد في حكوماتها، ونتوقع المزيد من التقدم نحو وضع معايير عالمية ضد الفساد خلال أعمال الدورة الخامسة لأطراف هذه الاتفاقية،والتي ستعقد في مدينة بنما خلال الفترة من 25 إلى 29 نوفمير المقبل“,”. وفي هذا الصدد، قالت وزيرة المالية النيجيرية نجوزي أوكونجو ليويالا، إن الحاجة لإيجاد معايير وإجراءات عالمية لمكافحة الفساد وتعزيز الحكم الرشيد أصبحت أكثر إلحاحًا منذ الأزمة المالية العالمية، والتي تعتبر نتاجًا لسوء الإدارة والتنظيم والفساد والإهمال، لكنها مع ذلك لاتوافق على وضع إطار دولي جديد لمراقبة الفساد، وعلى الرغم من كونه عملاً جيدًا يجعلنا نفكر فيما يجب فعله وكيف تلتحق به الدول جميعًا، إلا أن هذا الإطار لن يعالج المشكلة، لأن الحل من وجهة نظرها، يكمن في بناء مؤسسات في البلدان النامية تساعد الحكومات في تنفيذ الشفافية الحكومية وتعزيز تدابير مكافحة الفساد. وأشارت إلى أنه “,”على مدى الأربعة عشر عامًا الأخيرة، حاولت الحكومة النيجيرية استرداد أكثر من 200 مليون دولار تم تهريبها في عهد نظام “,”ساني أباشا“,”، لكن لا توجد سلطات ولا صلاحيات لرد هذه الأموال، أي من الذي يسترد الأموال ومن يحاسب ويساءل: البنوك أم المسئولون الرسميون المعنيون؟ طبعًا لا توجد إجابة“,”. وترى “,”ليويالا“,” أن قانون (دود فرانك) الأمريكي للرقابة على النظام المصرفي واللوائح الأخرى الجديدة حول إصلاح هذا النظام تعد خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، لكن تفعيل قوانين مشابهة لهذا القانون المعقد لإصلاح القطاع المصرفي هو أكثر تكلفة بالنسبة للدول الفقيرة. وتلفت “,”ليويالا“,” النظر إلى مشكلة إضافية تتعلق ببلدان القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، وتتمثل في القلق من وجود الفجوة أو عدم التواصل أو الانفصال ما بين الشباب والحكومات، حيث يقع 60% من سكان هاتين المنطقتين ضمن الفئة العمرية الأقل من 30 عامًا، لتصبح المشكلات المرتبطة بارتفاع معدلات البطالة التي تواجه هذا “,”الطوفان“,” الشبابي سببًا إضافيًا لضرورة الحد من الفساد لأن هؤلاء الشباب يرون أن حكوماتهم الفقيرة ووجود الفساد يحرمهم من الخدمات والموارد والقدرة على خلق الوظائف، مما سيؤدي إلى الاضطراب في البلدان غير القادرة، أو غير الراغبة، على معالجة هذه المشكلات. وحول الآلية الممكنة لوضع أدوات ومعايير لقياس الفساد ونقص الشفافية، أكد وزير الدولة البريطانية للشئون الخارجية وشئون الكومنولث، هوجو سواير أن ثمة مثالا مشابها يمكن الاحتذاء به، فقد تم وضع معايير ضمن أهداف الألفية الإنمائية في الأعوام السابقة لتعقب وتحديد كم الناس الذين يعيشون على 1.25 سنتً في اليوم الواحد، وهذا يعني التركيز على هدف محدد وواضح، قائلاً: “,”لم يحدث التقدم إلا حينما وضعت الأهداف الإنمائية، وسيحدث ذلك حينما يتم كسر محرمات الفساد وفتح ملفاتها وتحديد معايير واضحة خاصة بالشفافية، لأن التوقعات العامة بشأن محاربة ومعالجة الفساد لم تكن أبدًا مرتفعة، ومع ذلك فإن قانون مكافحة الرشوة في المملكة المتحدة قاد الطريق نحو وضع تشريعات ضد الفساد وسهل على سبيل المثال إعادة 100 مليون جنيه استرلينى من الأصول المسروقة في البلدان النامية“,”. ويشير “,”يوري فيدونوف“,” إلى أن مكتب الأمم لمكافحة الجريمة والمخدرات، وبالتعاون مع شركاء الأممالمتحدة الآخرين ومنظمات عالمية مثل منظمة الشفافية الدولية، قام بتدريب 1500 وكيل محلى لمكافحة الفساد في 150 دولة، وهذا يسمح بإيجاد وسائل مناسبة لقياس الشفافية ومساءلة الحكومة في إطار وضع معايير وإجراءات عالمية لمكافحة الفساد. من جانب آخر ، تعد قضية حماية صناديق التنمية أحد أولويات جهود مكافحة الفساد على المستوى الدولي، فقد صرح الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة بان كي مون في العام الماضي، بأن ثلث مساعدات التنمية لا تصل في النهاية إلى مستحقيها أو المستهدفين بها منذ البداية بسسب اتساع دائرة وحجم الفساد، لا سيما في الدول الهشة والضعيفة، وهو أمر يثير التخوف من إمكانية وقف المانحين عن تقديم مثل هذه المساعدات الإنمائية أو نقص عدد المانحين. ويشير وزير التنمية الدولية النرويجي، هايكي إيدزفول هولماس، إلى الدور الجوهري للشفافية الدولية كمعيار للقضاء على ممارسات الفساد، كما أن هناك أكثر من تريليون دولار من الأموال القذرة “,”غير الشرعية“,” تخرج من قلب الدول النامية إلى الخارج بدلاً من إنفاقها داخل هذه الدول، وهو ما يقتضي وضع معايير للشفافية على المستوى العالمي من جانب، ووضع أطر للمحاسبة والرقابة بالداخل“,”. ويضرب الوزير النرويجي مثالاً على ذلك بقيام بلاده بالمساعدة في تطوير قدرات مراجعي الحسابات العامة في 24 بلدًا إفريقيًا، وستثمر هذه المساعدة عن تحسنات قريبة، كما حدث مثلاً في أوغندا، إذ كشف مراجعو الحسابات عن اختفاء 58 مليون كرون “,”عملة النرويج“,” قدمتها المؤسسات المانحة، فيجب على كافة الدول الاستعداد للعمل والمساعدة في تلك الدول التي ترتفع فيها مخاطر الفساد كما فعلت النرويج في بناء نظام مالي بالصومال التي دمرت خلال 24 سنة من الحرب الأهلية، على أن يكون الهدف ليس الحفاظ على أموال التنمية الممنوحة فقط، ولكن أموال الدولة ككل“,”. يتضح من ذلك أن مكافحة الفساد أضحت قضية عالمية لأن الفساد عائق أساسي يحول دون إحراز أهداف الألفية التنموية، ولهذا الغرض أنشأ برنامج الأممالمتحدة الإنمائي مؤخرًا موقعًا إلكترونيًا على شبكة “,”الإنترنت“,” ليفتح النقاش عالميًا حول الفساد وأجندة التنمية العالمية. وبالمثل تبرز جهود المنظمات المدنية العالمية في هذا الشأن كما يبرز في تحرك ما يعرف باسم (تحالف اتفاقية مكافحة الفساد) الذي تأسس في عام 2006، ويضم أكثر من 350 لمنظمات المجتمع المدني من 100 دولة، حيث دعا التحالف الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة في رسالة تم توجيهها إلى أمينها العام، إلى ضرورة التصديق على اتفاقية مكافحة الفساد وتنفيذها ومراقبتها، لأن الفساد ليس بالجريمة العادية، ولا يضر ويدمر فقط حياة الملايين في شتى أنحاء العالم، لكنه كذلك يقوض التنمية الاقتصادية ويؤدي إلى انعدام المساواة وغياب العدل. وورد بالرسالة أيضًا التأكيد على أنه “,”يجب على الحكومات وضع حد لممارسات السرية التي تحمي الفساد وأن تسد الثغرات في إنفاذ القانون الجنائي التي تؤدي إلى التساهل مع المخالفين في قضايا الفساد“,”، والتشديد على “,”ضرورة تذليل العقبات التي تحول دون استعادة خزائن الحكومات للأصول المنهوبة بالخارج“,”. أ ش أ