أكد خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، أن الاحتفال بمصر في عصر الدولة القديمة اتخذ مظهرًا دينيًا حيث يبدأ بنحر الذبائح كقرابين للمعبودات وتوزع لحومها على الفقراء، وكان بعضها يقدم للمعابد ليقوم الكهنة بتوزيعها بمعرفتهم وكان سعف النخيل من أهم النباتات المميزة لعيد رأس السنة، وكان سعف النخيل الأخضر يرمز لبداية العام لأنه يعبر عن الحياة المتجددة كما أنه يخرج من قلب الشجرة وكانوا يتبركون به ويصنعون منه ضفائر الزينة التي يعلقونها على أبواب المنازل ويحملونها كذلك لتوضع في المقابر ويوزعون ثماره الجافة صدقة على أرواح موتاهم وما زالت هذه العادة حتى الآن خصوصًا في صعيد مصر كما كانوا يصنعون من السعف أنواع مختلفة من التمائم والمعلقات التي يحملها الناس لتجديد الحياة في العام الجديد. ويضيف د. ريحان بأن أقدم تقويم عرفته البشرية هو التقويم المصرى القديم وهو التقويم التحوتى المقدس والذي بدأ كما ورد في قوائم المؤرخ المصرى القديم مانيتون في العام الأول من حكم الملك حور عما "أثوتيس" إبن الملك مينا ويقابل عام 5557 ق.م وتوافق بداية العام التحوتي أي عيد رأس السنة التاسع عشر من شهر يوليو في التقويم الميلادى الحالي وكان احتفال المصريين بذلك العيد الذي بدأ من 7523ق.م أول عيد عرفته البشرية وأقدم مظهر من مظاهر حضارة المجتمع الإنساني طبقًا لما جاء في كتاب الدكتور سيد كريم "لغز الحضارة المصرية". ويشير د. ريحان إلى أن هذا العيد انتقل من مصر إلى حضارات الشرق خلال الدولتين القديمة والوسطى كما انتقل عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا عندما أهدت كليوباترا تقويم مصر الشمسى إلى يوليوس قيصر وكلفت العالم المصرى سوسيجين بجامعة الإسكندرية بنقل التقويم المصرى للرومان ليحل محل تقويمهم القمرى وأطلقوا عليه اسم التقويم القيصرى وعملت به روما وبلاد أوروبا عدة قرون حتى قام البابا جريجورى الثالث بتعديله عام 1852م وهو التقويم العالمى الحالى وهو في جوهره عمل مصرى منحه المصريون القدماء لكل البشرية كما انتقلت مع التقويم تقاليد الاحتفال برأس السنة. وينوه د. ريحان لمظاهر الاحتفال بعيد رأس السنة بصناعة الكعك والفطائر والتي انتقلت بدورها من عيد رأس السنة لمختلف الأعياد وأصبح لكل عيد نوع معين منها وكانت تزين الفطائر بالنقوش وقد اتخذ عيد رأس السنة في الدولة الحديثة مظهرًا دنيويًا ليتحول لعيد شعبى له أفراحه ومباهجه وكان يخرج المصريون للحدائق والمتنزهات والحقول يستمتعون بالورود والرياحين تاركين وراءهم متاعب حياة العام الماضى وهمومه في أيام النسئ أو الأيام الخمسة المنسية من العام ومن الحياة وكانوا يقضون اليوم الأول في القرافة لإحياء ذكرى موتاهم ويقدمون القرابين للمعبودات في نفس اليوم ثم يقضون بقية الأيام في الاحتفال بالعيد بإقامة الحفلات ومختلف الألعاب والمساباقات ووسائل الترفيه. ويشير د. ريحان للأكلات المفضلة في عيد رأس سنة وهي بط الصيد والأوز الذي يشوى في المزارع والاسماك المجففة وكان يتم الاحتفال بعقد القران مع الاحتفال برأس السنة خصوصًا في الدولة الحديثة حتى تكون بداية العام بداية زوجية سعيدة ومن التقاليد الإنسانية التي سنها قدماء المصريين خلال أيام النسئ أن ينسى الناس خلافاتهم وضغائنهم ومنازعاتهم وتقام مجالس الصلح بين العائلات المتخاصمة وتحل كثير من المشاكل بالصفح وتناسى الضغائن ليبدأ عيد رأس السنة بالصفاء والإخاء والمودة بين الناس وكان يتسابق المتخاصمون لزيارة بعضهم البعض ويقتسموا كعكة العيد بين تهليل الأصدقاء وسعادتهم بالود والحب بين الجميع كما كان يصاحب العيد كرنفال للزهور ابتدعته كليوباترا ليكون أحد مظاهر العيد عندما تصادف الاحتفال بجلوسها على العرش مع عيد رأس السنة وعند دخول الفرس مصر احتفلوا مع المصريين بعيد رأس السنة وأطلقوا عليه عيد النيروز أو النوروز وتعنى بالفارسية اليوم الجديد وقد استمر احتفال المسيحيين بعد دخول المسيحية إلى مصر بهذا اليوم وفى العصر الإسلامى استمر الاحتفال به كعيد قومى حتى العصر الفاطمى ثم أصبح حديثًا احتفالًا عالميًا مدنيًا لا علاقة له بأى دين.